الملحق الثقافي- خالد عارف حاج عثمان:
الثقافة هي مجموع العلوم والمعارف والفنون والموسيقا والإعلام والآداب والأساطير والتاريخ والتراث- شفوياً ومكتوباً ومصوراً-..
والأساطير والقيم والسلوكيات والمهارات وغيرها…هذا وتتعدد مصادرها فمن الوسائل المقروءة..إلى المرئية مروراً بالمسموعة..فضلاً عن التطبيقات والوسائل التقنية..كالحاسوب وبنوك المعلومات والأنترنت ومنصاته…وآفاقه الفنية التي تعتبر وسائط رقمية متطورة لإنجاز ونقل المعلومة وبالتالي رسم المشهد الثقافي أو المساهمة في رسمه وتحديد رؤاه..مع الكتاب..والمطبوعة والمجلة والتلفاز والمسرح والسينما..واللقاءات الجماهيرية الهادفة إلى تجلّي المشهد الثقافي وتجذره…»
كيف تبدو الثقافة بين التقليد والحداثة..
وأيهما أكثر تجذراً في رسم المشهد الثقافي..؟..
سؤالنا هذا طرحناه على عدد من منتجي الثقافة: أدباء إعلاميين ومثقفين..ومستهلكين للثقافة وكانت الآراء:
لا ثقافة منفردة أو مستقلة…
ثم يضيف الشاعر هيثم الضايع.. قائلاً:
لاتوجد ثقافة منفردة ومستقلة بالمعنى الفكري والثقافي إنما توجد ثقافة تعتمد على الصلاحيات المسموح بها للأديب أن يبين الجوانب الحياتية المعاشة للأفراد والمجتمع، ووضع بعض التصورات المستقبلية بما يتناسب مع الأفق أو العتبة الثقافية المدركة فعندما اكتشف غاليليو أن الأرض تدور كانت فوق تصور العقل العلمي والثقافي للجميع آنذاك وتعرض العقل المبدع وأخذ غاليليو إلى الإعدام. .. لأنه باكتشافه غيَّر من نظام الكون والمعتقد العلمي الذي كانوا يعتنقونه.. وهذا ينطبق على كل الاكتشافات العلمية والفلسفية والفلكية والطبيه وحتى الأدبية..
الثقافة لاتنقسم إلى أجيال ولا تنفصل عن جذورها، فالغصن إذا انفصل عن جذره حتما سيموت، فالثقافة هي التكامل الفكري للأجيال وليست منفصلة عنهم…وهي قابلة للتطور وتطورها يؤثر إيجاباً مع كل جيل.ولا تنفرد بالقديم أو الحديث.. فالقديم هو الحديث والحديث هو القديم. . فالإبن يأخذ من الأب والأب يأخذ من الجد، وهكذا حتى تتصل بالأقدمين أو المعلمين الأوائل. ولنقل بأن ثقافة القبيلة تختلف عن ثقافة الإمارة وثقافة الإمارة تختلف عن ثقافة السلطنة وثقافة الاحتلال غير ثقافة الاستقلال.. والثقافة يتغير مفهومها وطرحها من حقبة إلى حقبة.. كما رأينا الشعر والأدب في العهد الأموي قد اختلف عن سابقة وعن لاحقة في الزمن العباسي .والعباسي عن المملوكي والعثماني وكلٌ كان له فكره ومفرداته وباطنه وظاهره وعمقه وتأثيره. ومع كل هذا بقي الشعر أصيلاً ولو اختلف في الأسلوب. وطرح المواضيع في وحدة القصيدة مبنى ومعنى وأيضاً النثر من أسلوب خطاب الدواوين والرسائل البريدية إلى أسلوب الخطاب المجتمعي في أمور الدين والوعظ والتهديد والوعيد والترغيب والترهيب.
أيضاً مع كل هذا التطور الأدبي والثقافي في أسلوب الكاتب في النثر والشعر.. وفي النثر من السجع إلى البديع إلى السبك والسرد ..في القصة والمقالة والخاطرة
وفي عصرنا الحديث الذي نعيشه اليوم من تعدد الثقافات واختلافها نسأل..هل نحن منفصلون عن الجيل الذي سبقنا في ثقافاته ؟ حتما لا لأننا أخذنا منهم ولو طرأ عليه من تغيرات وتطورات لتناسب أحداث عصرنا الحاضر والمستقبل المنظور. ..
فجوة بين الثقافة التقليدية والحداثية:
بهذا عنونت الشاعرة منى حبابة رؤيتها ووجهة نظرها في المشهد الثقافي..وتتابع:
الفكر البشري يزداد نضجاً مع التجربة.. والتجربة بحاجة إلى الوقت الكافي لنتعلم منها.. ومع مرور الوقت تزداد الفجوة بين الثقافة التقليدية والثقافة الحداثية، ورغم أننا نبني أسس المستقبل على الماضي، ولكن الفكر الحداثي المدفوع بالفلسفات التقليدية الكلاسيكية هو مايضعنا على درب التطور لنصبح على النسخة الأفضل مما نحن عليه..
جمالية الثقافة التقليدية ..
هذا هو الحكم القيمي الذي أطلقته الشاعرة خديجة شما في حديثها عن التقليد والحداثة في تناول الثقافة مضيفة بأنّ
الثقافة التقليدية: هي المجتمع برمته وهي الماضي الجميل ولا نستطيع التخلي عن ثقافتنا لأنها (نحن) من عاصرها وتأثر بها وكانت لنا النبراس والطريق للوصول إلى ما نحن عليه الآن.
فجيل الحداثة تتمة للجيل التقليدي…. يواكب العصر بما أن التطور يسير بسرعة البرق والجميع يراه بعيون مختلفة عن الآخرين،، فمن يراه الأجدر والأجدى أن يتبع لأن الأجيال المتواجدة تراه سهلاً عليها لتتماشى معه وتقدره لتستطيع الوصول إلى ما ترغب… فكل شيء متوافر لديه والإقبال عليه بسهولة ورغبة مع أن الثقافة التقليدية ذات عمق أكثر لأن من واكبها تعب وجد أكثر لتبقى.
وبما أن الحياة تسير والتطور مطلوب كذلك الحداثة مطلوبة في هذا الزمان لتواكب العصر.. وإلغاء بعض من مواضيع وأفكار سائدة أكل الدهر عليها؛.. لنتابع ونسر الى الإمام.. إلى مستقبل جميل مشرق بالعمل الجدّي والأمل الرائع نبني حضارتنا ونبقي على ثقافتنا بكل ماهو مناسب جديد ومفيد بحيث تبقى منارة للعقول المثقفة الواعدة…
الثقافة التقليدية استقصائية..
هكذا بدأت الشاعرة عائشة السلامي إجابتها عن سؤال الملف..حيث تقول:
المشهد الثقافي بين الحاضر والماضي من حيث العمق والنظرة الشمولية ينقسم إلى شقين:
الشق الأول الجيل الثقافي الأول أو التقليدي ويعد هذا الجيل أكثر عمقاً ثقافياً وأوسع كنظرة شمولية للمواضيع ذلك لأنه كان يعتمد في أبحاثه على الاستقصاء، وكان يضطر أن يقرأ أكثر من كتاب وبحث وموضوع ليجد ضالته، فتتشكل عنده أرضية ثقافية واسعة لأي موضوع يريده.
أما جيل الحداثة أو أو الجيل الإلكتروني فهذا الذي لم يبذل جهداً في ترسيخ موضوعاته لأنه وبكبسة زر يستطيع أن يبحث بمحرك غوغل على ما يريد دون أن يتعب نفسه بالقراءة وتفنيد الأفكار
ومن هنا نلاحظ أن الجيل الأول أشد عمقاً بالثقافة وأهميتها لكن معرفته قليلة إلكترونياً بينما جيل الحداثة جيل قد برع باستخدام الشبكة العنكبوتية وتسخيرها في خدمة مواضيعه وتعدادها مما يوحي للمتصفح أو القارئ أن هذا الذي أنشأ أي ملف بمحتواه هو عبقري زمانه.
وهذا يقودنا للقول إنّ لكل زمن دولة ورجالاً….
الحديث وليد القديم..
بهذا اختصرت الشاعرة زهراء قوجة عنوان مشاركتها وأضافت:
الثقافة وليدة الأيدي وترجمة العقول في الماضي أو في العصور القديمة قد نشأت حضارات كثيرة في زمن لايوجد فيه مانستخدمه الآن من أدوات وقرطاسية
ولكنهم أبدعوا ووصلوا إلى مالم تصل إليه العلوم الحديثة بل مهدوا لما جاء بعدهم الطريق وجعلوه جاهزاً لوضع رسومهم على أرض الواقع السؤال المطروح كيف أرى الثقافة بعين الحداثة أم التقليدية فإني أجيب عن هذا السؤال بثلاث كلمات لاغير (الحديث وليد للقديم)…
تميز الثقافة الشرقية بخضوعها لثابت تاريخي…
ويضيف الأديب والناقد والطبيب زهير سعود رأيه الهام بهذه القضية..
المشهد الثقافي بين التقليد والحداثة..فيقول:
لابدّ قبل الإجابة من توجيه باقة شكر وتقدير(للثورة وملحقها الثقافي) لاختياراتكم المناسبة، والتي تطرح حيّزاً مهمّاً لانشغال الفكر في مواضيع على غاية كبيرة من الأهمية والحساسية، ولعلّ إشكالية الطرح الوحيدة تكمن في مدى قدرة الكاتب على اختصار الإجابة لتمنح الحيّز حقّ المعرفة، وما دمنا نجري مقارنة بين الزمن الكلاسيكي والحداثي سأستخدم مصطلح فرويد المابعد حداثي في مناسبة الحيّز المفروض، وهو الكثافة أو التكثيف القائم على مبدأ الإزاحة، ولتأكيد حداثة المفهوم فهو وليد نهاية العقد الرابع للقرن العشرين، واعتبر أحد مكونات الحداثة في الثقافة والوعي الغربي، ولدى مهتمي المشرق بمعنى الحداثة وما بعدها حيث بقي الأمر مقتصراً على النخبة. وهنا تعترضنا قضية التمييز بين وعي مشرقي وآخر غربي يبني حضارته من خلال عدم الركون لمتحوّل تاريخي يشمل الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع والثقافة ومختلف مناحي الحياة، بينما تميّزت الثقافة الشرقية بخضوعها لثابت تاريخي تخضع له اكتشافات الحضارة الإنسانية في مراحلها المتعاقبة، وقد كانت العلاقة بين الثابت والمتحول موضوعاً شيّقاً لرسالة الدكتوراه للكاتب السوري «أدونيس». إن ما أود تمييزه هنا هو الفارق الكبير بين تعاملنا المشرقي مع مفاهيم الحداثة والتعامل الغربي معها، ولأعطي مثلاً صارخاً في هذا الجانب أريد تأكيد أن حداثة الغرب أكثر ما تجلت فيه هو تتبع الأثر النيتشوي في «موت الله» فما تلاه من الإنسان «السوبرمان» و»الضفّة الأخرى».. فانعكس الأمر على الأدب والسياسة والاقتصاد، في حين رفض أغلب الشرق تلك الإزاحة للعقل البشري، واقتصر بالتالي التعامل المشرقي مع الحداثة الغربية على جوانب خدمية لا تمسّ الثقافة، كاللباس والطعام ووسائل الركوب والترفيه والأنشطة البدنية، ولهذا فعند الحديث عن زمن كلاسيكي وما بعده وأثرهما فإن الأمر مختلف تماماً في المشرق عما هو عليه بالغرب. وقبل الحديث في الدلائل والنتائج أثبّت الردّ على سؤالكم بخصوص تأثير الأزمنة على بيئتين مختلفتين تماماً، حيث بقي الزمن الكلاسيكي أكثر عمقاً وتجذراً في الوعي الجمعي المشرقي، على النقيض من الغرب الذي تنوعت مصادره المعرفية تبعاً لأزمنة جزئية خرجت عن الكلاسيكية منذ زمن بعيد، وعقب الرومانسية التي أطلقتها البونابرتية وأبرزها غوته وبوشكين ووليم شكسبير ودالتون وروبسبير وسواهم.
وبالطبع فتفسير ذلك يكمن في حداثة المجتمعات الغربية أصلاً، واستنادها على الحضارات القديمة للإفادة ثم الخلاص منها، فالحضارة الغربية ديدنها المتحول الذي لم يخضع لثابت خصوصاً بعد حرب الثلاثين عاماً، وأنبياء هذه الحضارة هم بشر علماء وضعيين مثل فولتير ونيوتن وشارل بيرس صاحب الذرائعية، والأمر مختلف كثيراً لدينا عدا بعض الشخصيات المتأثرة بالغرب ومدارسه الحداثية، والتي أول ما تجلت بعصر الإصلاح لعبده والأفغاني، فانعكس الأمر في أدب المنفلوطي أستاذ جبران خليل جبران، والذي تجاوز عليه بنزعته الفلسفية الصوفية والغربية الإنسانية، وفي الختام فمما لا شك فيه أننا لا نقصد بالشرق محيطنا العربي فقط، فالكونفوشيوسية والبوذية ما زالت تضرب عميقاً في حضارة الصين والهند التي نتلمس آثارها.
هكذا تناول من التقيناهم قضية الملف وسؤاله المطروح..الثقافة بين التقليد والحداثة..
التقليديون أدلوا بآرائهم وأكدوا أن الثقاقة التقليدية هي الأجدر لأنها أنجزت في زمن صعب وأدوات عزيزة..وقليلة…والحداثويون قالوا إن الزمن لايتوقف…ولاينتظر أحداً ولابد من السير للأمام ومواكبة العصرنة..والبعض الآخر بين ألا تعارض بين التقليد والحداثة..فهذه الأخيرة لايمكن أن تجتث جذور الأصالة… وأنّ المعاصرة هي بشكل أو بأخر الابنة الشرعية للأصالة..لفحتها رياح التغيير والتكنولوجيا الرقمية وسوى ذلك..
العدد 1171 – 12 -12 -2023