الملحق الثقافي- سهيلة إسماعيل:
ثمّة قول أو ربما هو شطر بيت شعر للحطيئة يقول :» لكل جديدٍ لذّة …» وكنت أسمع أمي وأبناء جيلها يكررونه قائلين: «ونحن إلى القديم نعود» وهذه التتمة مختلفة تماما عما أراده الحطيئة .
لكن إذا أردنا تطبيق القول السابق على المشهد الثقافي لأدركنا أنه صحيح تماماً ، فرغم الاحتفاء بكل ما هو جديد يبقى لدى الإنسان رغبة بالعودة إلى الماضي والبحث فيه عن شيء موازٍ لذلك الجديد ،وهذا الأمر ينطبق على الآداب والفنون وبعض العادات والتقاليد التقليدية المتوارثة بدليل استمرارالأخيرة رغم التطورالتقني الموجود والسائد حالياً.
وسيكون بوسعنا مقاربة الموضوع مع ما قصده أحد مؤسسي علم الأنثروبولوجيا الإنكليزي إدوارد بيرنت تايلور حيث قال : « الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة، والمعتقد، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان. كعضو في المجتمع».كما تمّ تعريفها من قبل آخرين على أنها مجموعة الأنماط المشتركة للسلوكيات والتفاعلات، والبنيات المعرفية، والفهم العاطفي الذي يتم تعلمه من خلال التنشئة الاجتماعية. تحدد هذه الأنماط المشتركة أعضاء مجموعة ثقافية بينما تميزأعضاء مجموعة أخرى.
فإذا عدنا إلى تعريف تايلور وأخذنا كل مكون من مكونات الثقافة على حدة فإننا سنجد أن بعض المكونات لا تتغير بتغير الزمن بل تبقى مرافقة للإنسان وتكتسب الثبات في المجتمع ، بينما هناك مكونات أخرى تتغير بتغير الزمن وتطوره ؛ لا بل إن الزمن يفرض عليها تغيراً ما ،ولا سيما المعرفة والفن والقانون والعادات ،ومن الطبيعي أن تتغير ويأتي الإنسان بجديد في تلك المجالات، لكنه إذا أراد البحث عن الأصالة فإنه يعود إلى ماضي وماهية هذه المكونات ، والسبب – بكل بساطة- لأنها أكثر عمقا وتأثيراً وتمكنا في المجتمع من مثيلتها الجديدة نتيجة أصالتها وعمق بنيانها،وإذا اعتبرها الجيل الجديد ثقافة تقليدية ولا تناسب الوقت الحالي وتتعارض مع متغيرات العصر، فهذا لا يعيبها لأن هذه الثقافة التقليدية المحاربة من قبل زاعمي التجديد والمعاصرة وإلى ما هنالك من مصطلحات هي التي أصلت التراث الموروث وجعلتنا نعود إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك . أما الثقافة الحديثة فلا تستطيع بوضعها الحالي تأصيل التراث ليكون منارة لأجيال قادمة، وذلك لعدة أسباب وفي مقدّمتها اعتمادها على الغث وإبرازه وتلميعه في المجالات المذكورة سابقاً. وهذا الكلام يصح في جميع المجتمعات ولا يقتصر على مجتمع بعينه دون سواه ،لأن الظروف المؤدية إلى ذلك واحدة في جميع المجتمعات كالتطور التقاني الذي استلب عقول الأكثرية وبات يستخدم بغير الاتجاه المخصص له. وهنا علينا أن نعود إلى صراع طُرح سابقا وهو « الأصالة والمعاصرة»، والفرق بينهما وتجاذب أو تنافر الآراء بخصوصهما .
ومهما يكن الفرق شاسعاً بين الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة من حيث العمق والتأثيرفي المجتمع فإننا لا يمكن أن نفصل بين الثقافة والظروف المحيطة بها في مجتمع ما، حيث يرى بعض الباحثين أنه من الضروري تنشئة الفرد على عنصرين من عناصر الثقافة التقليدية وهما : العقلي والمعاشي ،حيث يقوم العقلي على عناصر متوارثة عن طريق اللغة والتاريخ ، بينما المعاشي متعلق بالمتغيرات اليومية التي يصادفها الفرد وتشكل فيما بعد شخصيته الثقافية .
ومن الطبيعي أن تصبح الثقافة الحديثة- الآن – ثقافة تقليدية بالنسبة إلى الجيل القادم وربما رآها أفضل من ثقافة يعيشها رغم أنها ستكون جديدة و فيها من اللذة ما يحقق رغباته وتطلعاته …
العدد 1171 – 12 -12 -2023