الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
حين تنطفئ أنوار قاعة السينما تنظر حولك لتشعر بنوع من الأمان، إن كان من يجاورك لايزال في مكانه، ولا تنتبه له ثانية إلا في بعض المشاهد التي تثير رعبك أو اهتمامك لترصد ردات فعله، ولكن في المسرح الحس البشري يتزايد أهمية، إذ أنه لا يوجد مسرح بدون تفاعل حي مع الجمهور.
ولكن كيف تأتي التفاعلات ضمن هذه الأمكنة الثقافية سواء أكانت مسرحاً أو سينما أو حتى قاعات ثقافية تحتضن محاضرات، أو لوحات…؟
كنا نصفق أو نكتب نقداً حول تلك الأعمال، اليوم هل لازالت هذه الحالات التفاعلية هامة؟
مع تغير طبيعة العصر أصبح ما يهم خاصة لدى الأجيال الجديدة « اللايكات، التفاعلات، المشاهدات…» وبناء عليها يتم التقييم، وكلما كثر المتابعون، ننتقل إلى مرحلة تجارية باتت أهم الشركات التجارية تدفع الأموال بناء على ذلك.
من هي هذه الشركات وكيف تتعامل مع مشاهير اليوتيوبر وأتباعهم، حتى الآن لا يعرفها، سوى الذين شكلوا ظواهر مهمة وباتت تحول لهم الأموال.
ربما هنا السؤال الأهم مع انتشار ظاهرة مشاهير مواقع التواصل ماهي المؤهلات التي يمتلكونها…؟
إن كان التعاطي مع الكتاب والمسرح والفيلم…يحتاج إلى سوية فكرية معينة، فإن المواقع على العكس، تحتاج لمؤهلات مختلفة، تتعلق بكاريزما الحضور وإتقان فن المقالب وفهم آلية مخاطبة الحشود عبر هواتفهم ومن خلال انغلاقهم على أجهزتهم.
هل يكفي التمتع بالقبول ليعيش مشاهير عصرنا كل هذا الانتشار…؟
أو أن هناك آلية غامضة نحتاج إلى بعض الوقت لفهمها، وغالباً قوامها التبسيط حد السذاجة، والبعد عن الجوهر حد التمييع، وكلما أتقنوا هذه المستلزمات، كلما كثرت التفاعلات والأموال، وأكثر المطلوبين في هذا المجال المراهقين الذين بات من الواضح أن غالبيتهم يمتلكون فن إدارة مواقعهم والتفنن في جذب التفاعلات.
وعلى ما يبدو أن هناك شركات تجارية تعتبر الأمر «بزنس» فتلجأ الى مشاهير اليوتيوب أو ما يسمى يوتيوبر، وتشتغل على إضفاء نجومية بناء على «الترند» وكلما خفت بريق أحدهم يسارعون إلى تبني أحد ما، بحيث لم نعد نتمكن ملاحقتهم.
في مواجهة البعد التجاري، والجاذبية التي تتمتع بها مواقع التواصل، ومع اتجاه الدعم المالي باتجاه مواقع التواصل، كيف يمكن لثقافتنا التقليدية النجاة…؟
كل من عاش في عصر مغاير يدرك عمقها والجوهر الذي تشتغل عليه والحضارات التي صدرتها، وأنها لن تندثر يوماً، ولكنها بالتأكيد تحتاج إلى استراتيجيات تتبناها مؤسسات تدرك خطر ما نعيشه مع أننا رغم سخطنا نصر على الاحتفاظ (بموبايلاتنا)…!
العدد 1171 – 12 -12 -2023