الثورة – إعداد ياسر حمزه:
فيما تكتفي الدراسات السكانية بأغلب دول العالم بالنظر إلى الشيخوخة وكأنها مجرد مشكلة اقتصادية، وهو ما نتلمسه عادة في التقارير التي لا ترى في كبار السن إلا مستهلكين لا ينتجون، فقد اعتمدت الأمم المتحدة اليوم الأول من أكتوبر من كل عام ليكون يوماً عالمياً للاحتفال بكبار السنّ، وذلك في مبادرة يغلب فيها البُعد الأخلاقي على الاعتبارات الاقتصادية، وترتقي بهذه القضية إلى مستوى يضعها ضمن حقوق الإنسان التي يتوجب حمايتها قانوناً حيثما يكون هناك تقصير في ذلك.
أعدادهم الكبيرة..
المسنّون على ازدياد، وواجبهم على تعاظم، وليس من شك في أن من حق البشرية أن تغتبط لتقدّم الخدمات الصحية وعلوم الطب والجراحة وصناعة الدواء، إذ كان من ثمار هذا التقدم أن ارتفعت معدّلات عمر الإنسان ارتفاعاً مطّرداً، حتى في البلدان الفقيرة من العالم.
فقديماً، كان الرجل متى تخطّى الأربعين من عمره، صُنِّف في الجيل الثالث، جيل الشيوخ الذين قد يُستفاد في أحسن الأحوال من حكمتهم وحلمهم، لكن أمر الاستفادة من عملهم ونشاطهم المهني وخبرتهم العملية وقدراتهم الجسدية أمر آخر.
وفي أواسط القرن العشرين، اتُّفِق في كثير من دول العالم على أن سن التقاعد في الوظائف، هي الستّون.
أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول سن التقاعد إلى الخامسة والستين، فيما أُعفيت بعض المهن، كالفنون والبحث العلمي والتعليم الجامعي، من هذا الحدّ العمري.
وصار بلوغ سن الثمانين أمراً لا يثير الدهشة والاستغراب، بل إن في بعض البلدان المتقدمة أعداداً متزايدة، ممن تخطوا المئة عام، يكوّنون شريحة متعاظمة من شرائح هرم الأعمار.
لكن المشكلة هي في أن المرء، مهما كان سليم البنية مكتمل الصحة، سيتوقف يوماً ما عن العمل، ليرتزق من صناديق الشيخوخة أو راتب تقاعده أو تعويض نهاية خدمته، أو قد يصبح «عالة» اقتصادية واجتماعية على أولاده، أو مجتمعه، وربّما يُهمَل تماماً فيبلغ من البؤس منتهاه.
وقد ظهرت في الدول المتقدِّمة، وحتى في عدد من الدول النامية، مشكلة عدم التوازن بين مداخيل صناديق الشيخوخة ومدّخرات التقاعد، وبين النفقات المتزايدة بفعل تزايد عدد المعمَّرين، وحاجتهم المتعاظمة إلى الخدمات الطبية وغيرها.
فتحوّلت نعمة التطور الطبي، إلى مصدر لمتاعب اقتصادية، لا تنذر فقط بحدوث اضطراب في معايير المحاسبة المالية، بل قد تفضي في كثير من الحالات إلى تقليص الموارد الضرورية للإنفاق على المسنّين، في آخر مراحل عمرهم، فيتحوّل طول العمر من سبب للاغتباط والسعادة، إلى مصدر للبؤس والمتاعب.
من ناحية أخرى، أثبتت دراسات متخصصة في العلوم الاجتماعية، أن التقاعد يؤثر في التوافق الاجتماعي لدى المسنّين، ما لم يتمكنوا من تعويض انتهاء خدمتهم بنشاط عملي متنوّع يتناسب وحالهم الفكرية والثقافية والاجتماعية ومؤهلاتهم المهنية.
فهذا النشاط الذي يمارسونه في أوقات فراغهم، وهي وفيرة بعد التقاعد، يساعدهم على الإحساس بأن قيمتهم مصونة، ما دام ثمة حاجة إليهم، ضمن العائلة أو المجتمع.
وليس من شك، كما يدل علم الاجتماع، في أن المنزل والمجتمع الذي عاش فيه المسنّ، قبل التقاعد، هو المكان الأنسب لعيشه في تقاعده.
ولذا ينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية والرسمية والتطوعية، في المؤسسات العامة والأهلية على السواء، من أجل إبقاء المسنّين أطول مدّة ممكنة في منزلهم الأول، وفي المجتمع الذي شاخوا في كنفه.
فمن الأخطاء الشائعة في التفكير العام عند الحديث عن المتقدّمين في السنّ، أن تُحصَر مشكلتهم بالنواحي الصحية الخالصة.
صحيح أنهم معرّضون أكثر من الشبّان للأمراض المزمنة والمتاعب الصحية المختلفة، لكن العلوم، مع تقدُّمها، تثبت أكثر فأكثر، أن الحالة النفسية السيئة التي قد يعانيها المسنّ، إنما تُفاقم هذه الأمراض، إن لم تكن من أهم أسبابها.
لن ننساهم ولو نسونا
فمهما تنوعت احتياجات المسنين وأحوالهم ما بين القدرة على الاستمرار في العطاء ولو بشكل محدود بعد تجاوز سن العمل، وفقدان كل قدرة على العطاء غير ما يكتنزه القلب من عاطفة أو العقل من حكمة، فإن ما هو مشترك بين كل كبار السن يتمثل في حاجتهم إلى من يتكئون عليه، في مواجهة ضعفهم… ضعف يتطلب يد العون من الجيل اللاحق لرفع تبعاته، ولعل من أجمل ما يلخص واجباتنا تجاه المسنين، وهم في أضعف أحوالهم، شعار إحدى جمعيات العناية بالعجزة فاقدي الذاكرة /لن ننساهم ولو نسونا/.