الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
لعلّ أجمل ما في الوجود أن نظّمه الله تعالى بقوانينه التي تجعل من العدم كوناً منظّماً فاعلاً يشدُّ بعضُه بعضاً كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهرِ والحُمَّى، لكنْ وللأسفِ بِتْنا في يومنا هذا – وأمام المخطّطاتِ الغربيّةِ والماسونيّةِ- نرضخُ تحتَ مِظلّةِ التشتّتِ العربيِّ فكريَّاً وثقافيَّاً وسياسيَّاً؛ فقد فُرِض على سوريةَ التي كانَتْ وستبقى قلب العروبةِ النابض وبكلّ نواحي الحياةِ أن تكونَ في عُزلةٍ عربيَّةٍ انتفى معَها الحوارُ الفكريّ والسياسيُّ والإبداعيُّ، وذلك سيعودُ بالنتائجِ الوخيمةِ ليس فقط على سوريةَ بل وعلى الأمّةِ العربيّةِ بأكملِها، فقد أثبتتْ سوريةُ ومازالَتْ تثبتُ أنَّها أيقونةُ العروبةِ تاريخاً وحضارةً وثقافةً، وهنا يقفزُ إلى الألسُنِ التساؤلُ عن سببِ عزلِ سوريةَ عن الكنَفِ العربيِّ الذي لطالما عاشتْ فيه بترابطٍ فكريٍّ ثقافيٍّ سياسيٍّ خلّاقٍ؛ تمثّل في كثيرِ من المحطاتِ والمنجزاتِ وعلى الاصعدِة كافّةً، وقد وصلَ الرَوَّادُ العربُ اليومَ إلى حقيقةٍ مفادُها أنّ الفشلَ الذريعَ الذي وقعتْ به الأمّةُ العربيّةُ اليومَ هو من صُنعِ أنفسِنا وبتخطيطٍ سابقٍ وبتنفيذٍ لاحقٍ من قبلِ الغربِ، فهم يخطّطون ويرسمونَ، ونحنُ مَن يدفعُ الفواتيرَ، فالأمّةُ العربيّةُ باتَتْ تدورُ في حلقةٍ مغلقةٍ بحثاً عن الخلاصِ ولو مصادفةً من قيودِ الظلام وعهودِه، لكنّها اليوم يصدقُ فيها أنّها تحاكي الجِمال التي يقتلها الظمأ، والماءُ محمولٌ على أكتافها… وعلينا اليوم بدلاً من أن نتوقّف عند مصطلحاتِ التفرقةِ من اختلافِ ثقافاتِ الدول العربيةِ وتفكيرِها علينا أن نكشفَ المضامينَ الثقافيَّةَ والفكريَّةَ والسياسيّةَ التي وإن ضاقَتْ حلقاتُها لتكونَ نواةً فاعلةً لتقاربٍ سوريٍّ عربيٍّ فكريّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، عندها تصدق الصورة التي تجعل «العروبة قلب وسورية نبضه الثقافيّ» وبهذا نصل إلى إبداع جيلٍ خلّاقٍ يتسلَّح بالفكر والثقافة والإرادة يشدّ بعضه بعضاً في زمنٍ تتربصُ فيه وبنا الأممُ، وإنَّ قلوباً يجمعُها الإيمانُ بالعروبةِ بمعناها الحقيقي، وعقولاً تثقّفت بأجمل معاني اللحمة الفكريّة والثقافيّة العربية، لَأَمْنَعُ من أن تنالَ منها أعتى الأممِ وأقواها… وإنَّ «روح الشرق لروحٌ لا تُقهَر ولا تموت».
العدد 1175 – 23 -1 -2024