الملحق الثقافي- هنادة الحصري:
إن نظرة متأملة في واقع ومبنى نظرية صراع الحضارات تبين لنا ردات فعل المجتمع الدولي الذي تلقفها بتباين آراء مفكريه
حولها، فمنهم من فند الفكرة وعارضها وبالتالي قلل من أهميتها.
ومنهم من أيدها كليا؛ على هذا تحولت هذه النظرية إلى محور استكشافي يشد أغلب المفكرين والمخططين الاستراتيجيين لتفسير
الوضع الدولي واستكشاف رؤية مستقبلية لوضع العالم.
وإذا عدنا إلى جوهر فرضية هانتيغون نجد أننا في طور جديد من السياسة العالمية ستكون فيه الثقافة هي الباعث الرئيسي
للانقسامات الكبرى بين الشعوب والمصدر المسيطر والسائد للصراع الدولي.
فبعد الحرب الباردة فإن السياسة الدولية ستتحرك إلى خارج العالم الغربي لتصبح نتاجاً للتفاعل بين الغرب وحضارات غير غربية؛ وبهذا سوف يكون للهوية الثقافية حضورها القوي والذي سيسبب التصادم ..
ولكن مارأيكم أن يطلع علينا جاكوب بندر مخرج الأفلام الوثائقية الأميركي وهو يدحض فكرة صدام الحضارات
من خلال إبراز روح التسامح في قرطبة ومتابعة حياة فيلسوفين من القرن الثاني عشر: المسلم ابن رشد واليهودي موسى بن
ميمون في فيلم وثائقي عن فصل كبير ومجهول من فصول التاريخ الأوروبي وهو تاريخ إسبانيا المسلمة ..
يشرح جاكوب بندر في بداية فيلمه شعوره المُلّح بالحاجة إلى اكتشاف أمل ومثالية جديدين كأسلوب لدحض نظرية صدام
الحضارات بعد الهجمات على نيويورك ليظهر أن التسامح والفكر الحر تاريخياً وحديثاً يمكنهما المساعدة في رأب حتى
الفجوات الأكثر عمقاً بين الناس …
وبالعودة إلى هذين العالمين؛ لنتعرف أنهما كانا فيلسوفين وعالمين قانونيين وطبيبين ومن أتباع أفكار أرسطو طاليس
والمدافعين عن الفكر المنطقي الحر.
وأثناء العرض يتحدث المخرج إلى وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنجيل موراتينوس الذي يقول: إن موسى بن ميمون وابن رشد يشكلان تعبيراً عن عمله كدبلوماسي، ويؤكد أن التعايش بين الجميع لا يؤدي في نهاية المطاف إلى النزاع والمواجهة وإنما يمكن أن يكون إلهاماً متبادلاً لبلوغ إنجازات ثقافية متميزة.
العدد 1175 – 23 -1 -2024