الثورة – فاتن دعبول:
أدرك الإنسان منذ القديم الحاجة إلى حساب الزمن” علم التوقيت” وتقسيمه إلى وحدات متتابعة مع انتقاله من مرحلة الصيد وجمع القوت وحياة التنقل والترحال إلى حياة الاستقرار والإقامة الدائمة بعد اكتشاف الزراعة ومعرفة المدنية” الألف العاشر قبل الميلاد في مواقع متعددة من الشرق القديم” وتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية.
وللحديث عن التقويم الزمني وأهميته دعا مجمع اللغة العربية إلى محاضرة قدمها د. عيد مرعي عضو مجمع اللغة العربية وأستاذ التاريخ في جامعة دمشق حملت عنوان” التقويم الزمني في حضارة بلاد الرافدين” العراق القديم” في قاعة محاضرات المجمع.
بين د. مرعي أن الإنسان القديم ونتيجة الحاجة الماسة، عمل على تأريخ الحوادث المهمة في حياته بناء على دورات ثابتة لظاهرة طبيعية أو فلكية كدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، أي اليوم” الشمسي” ومدته 24 ساعة ودوران القمر حول الأرض دورة كاملة أي” الشهر” ودوران الأرض حول الشمس دورة كاملة بدءا من نقطة معينة، أو دورة الشمس بين اعتدالين ربيعيين أي” السنة” وهذا ما سمي التقويم.
وأضاف: ويعني التقويم النظام الذي يقسم الزمن إلى فترات محددة كالأيام والأسابيع والشهور والسنين، وهذا التقويم ضروري جدا لتنظيم الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية والمناسبات الدينية والأحداث التاريخية والعلمية، وقد استطاع الإنسان أن يحدد التقويم بعد مراقبته للنجوم والكواكب القريبة من الأرض كالشمس والقمر.
وقد أوجدت معظم شعوب العالم القديم ولاسيما شعوب الشرق الأدنى القديم كالسومريين والبابليين والآشوريين وممن كان لهم قصب السبق في مجال التقدم والحضارة، تقاويم خاصة بها لحساب الأيام والشهور والسنين.
ويعد السومريون من أشهر الجماعات التي سكنت أقصى القسم الجنوبي من بلاد الرافدين” العراق” وحققوا إنجازات رائعة يأتي في مقدمتها اختراع الدولاب وابتكار الكتابة وبناء المعابد هذا إلى جانب إيجادهم للتقويم القمري لحساب الزمن ويتألف من اثني عشر شهرا.
وكانت الأشهر تسمى بأسماء الأعياد المحلية التي تجري فيها أو بحسب الأحداث المختلفة والنشاطات الزراعية التي تجري في ذاك الوقت، وقد اعتمدوا على القمر كون له مراحل واضحة في أثناء دورانه حول الأرض على عكس الشمس، فهو يظهر هلالا ثم نصف بدر ثم بدرا، وقد اعتمد على النظام الستيني في العد والحساب وكانت الساعة السومرية تتألف من ستين دقيقة. وكل دقيقة ستين ثانية، وهذا ما ورثه العالم عن السومريين ومستخدم حتى الآن في أرجاء المعمورة.
أما أيام الأسبوع فقد سماها السومريون بأسماء الآلهة الكبرى والكواكب المرتبطة بها، وقد ورث سكان بلاد الرافدين اللاحقين ولاسيما البابليين نظام التسمية هذا، وانتقل فيما بعد إلى اليونان والرومان وبقية شعوب الأرض، وما يزال مستخدما حتى الآن في التسميات السائدة في أوروبا وأميركا.
ويخص د. عيد مرعي إلى أن سكان بلاد الرافدين على اختلاف تسمياتهم” سومريون، أكاديون، بابليون، آشوريون” أدركوا أهمية ابتكار تقويم لحساب الزمن وتنظيم أمور حياتهم، فأوجدوا تقويما يعتمد على دورة القمر حول الأرض، وهو ما يعرف بالتقويم القمري المؤلف من اثني عشر شهرا قمريا، لكنهم لاحظوا أن هذا التقويم لا يطابق تتابع فصول السنة ودورة الشمس، فكانوا يضيفون إليه شهرا ثالث عشر كل ثلاث سنوات، وهو ما يعرف ب” الكبس” وذلك لموازاة التقويم القمري مع التقويم الشمسي.
وتبنى هذا التقويم في العصور اللاحقة الآراميون والسريان، وهو التقويم المستعمل حتى الآن في بلاد الشام والعراق الذي تحول إلى تقويم شمسي.