مهنة لها محاذيرها.. عطارون لـ “الثورة”: سوقنا ليست عشوائية.. الصحة: متممات وليست علاجاً ولا ترخيص حتى الآن
الثورة – دمشق – تحقيق وعد ديب:
تاريخ العطارة طويل وعريق حاضر في مختلف مراحل تطور حياة الأمم والشعوب، وإذا كان العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، فإنه يصلح ما دون ذلك، والأمثلة كثيرة حولنا لعلاجات استعصت أحياناً على الطب العام فيما استطاع الطب البديل إيجاد العلاج.
اليوم تعود للواجهة مهنة قديمة جديدة تمتد متغلغلة ومنتشرة في الأسواق المحلية تحت لافتة “الطب البديل” أو التداوي بالأعشاب والنباتات العجيبة التي تشفي من جميع الأمراض ومنها الأمراض المستعصية.
والسؤال.. هل لهذه الحوانيت- شبيهة الصيدليات- في طريقة بيعها للمواد العشبية قانونيتها.. وهل توجد أدوية نباتية محلية تكون بدلاً عن الكيميائية.
قصص وروايات كثيرة نسجت حول محال بيع منتجات الطب البديل المسماة بـ”العطارة”، فمن الأفراد من يؤمن بها لدرجة ويعتبرونها البديل الأول عن الطب، والبعض الآخر يرفضونها ويضعونها في مصاف الدجل والشعوذة، وبين هذا وذاك فريق ثالث يؤمن ببعض العطارة ويرفض بعضها الآخر.
آراء متباينة..
يقول أبو أشرف لـ”الثورة”: أتعامل منذ سنين مع العطارين فهم يملكون نباتات مفيدة أو غير مضرّة على الأقل خلافاً للعقاقير الطبية الحديثة، وفي ظل غلاء الأدوية الكيميائية، يبقى التداوي بالأعشاب أقل تكلفة.
أما أم محمد قالت: أتردد دائماً على سوق العطارين ويوجد فيه تشكيلة واسعة من المواد التي تكاد تشفي من جميع الأمراض، فكل ما تريده من الأعشاب والنباتات الطبية تجده هنا وبأسعار جيدة ومقبولة، مع وجود بعض العطارين المشهورين في السوق؛ المتمكنين من ذوي الخبرة المهنة، وهم يقومون بإعطائك الوصفات الطبية المفيدة.
لكن أبو سمير لديه رأي مختلف: لا أنساق وراء الادعاءات بأن المستحضرات العشبية تمنع أو تقي أو تعالج أو تقضي على الأمراض، إن لم يثبت ذلك علمياً ولا آخذ بها، إلا أن يكون من يتعامل بالتداوي بها قد رخصت له الجهات المعنية الصحية والرقابية بذلك.
ويلجأ عدد كبير من كبار السن ممن التقيناهم بشكل روتيني إلى محال العطارة لشراء بعض الأعشاب، مثل البابونج والزهورات لاستخدامها أثناء حالات الرشح والزكام وخاصة في فصل الشتاء.
شيوخ كار..
أبو هيثم- صاحب محل عطارة- يقول: إن سوقهم ليست عشوائية كما يعتقد البعض، بل القائمون عليها شيوخ كار متخصصون ببيع الأعشاب والخلطات المفيدة والقوارير، وهي تحوي بداخلها حبيبات وضعت بشكلٍ مدروس ولا تشكل أعراضاً جانبية وكثير من الناس يقبلون على شراء منتجاتنا، ونحن بدورنا نصف لهم ما يناسب حالتهم.
لها محاذير عديدة..
الدكتور أحمد طه الخبير بالأعشاب الطبية قال لـ “الثورة”: الكثير من الناس اعتاد، وربما نتيجة إرث اجتماعي أن يعتقد بأن لمواد العطارة أثراً مهماً للتداوي من الأمراض إلا أن الواقع ليس كذلك تماماً على الرغم من أهمية هذه المواد، إلا أن لها محاذير عديدة فأثرها عام مهدئ ومسكن وطارد للاضطرابات أكثر منه علاجاً فعلياً.
وبحسب- طه- باتت تنتشر ظاهرة شراء المنتجات أو الأدوية العشبية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فهي بالأغلب رديئة وغير مرخصة وثبت احتواؤها، إما على مكونات دوائية محظورة أو معادن ثقيلة أو أحياء دقيقة أو تحتوي على بعض الأعشاب الضارة، ولا يسمح باستخدامها.
ويشير إلى ضرورة استشارة الطبيب عند استخدام الكثير من الأدوية والمستحضرات العشبية لعدم ثبوت سلامة استخدامها خاصة أثناء الحمل والرضاعة أو عند الأطفال والمسنين والأشخاص ممن يعانون من أمراض الكبد والكلى أو قبل إجراء العمليات الجراحية، لأن تلك الأدوية العشبية يمكن أن تغير من تأثير التخدير أو الأدوية الأخرى المتوجب استعمالها أثناء العملية الجراحية.
كما أن الأعشاب الطبية تحتوي على مواد فعالة ومؤثرة كالأدوية التي قد تتفاعل وتتعارض مع بعض الأدوية الأخرى والتي تستعمل في نفس الوقت، إضافة إلى أنها تختلف في طرق علاجها من شخص لآخر.
لا ترخيص لمثل هذه الادعاءات..
مصادر في وزارة الصحة أكدت لـ “الثورة” أن جميع ما يدّعون أنهم يعالجون بالأعشاب الطبية الأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض المستعصية فإدعاؤهم كاذب، ويمارسون الدجل طالما لم تجر المداواة على أيدي خبراء متخصصين، ناهيك عن أنه لا يوجد ترخيص من قبل وزارة الصحة لتاريخ الآن لمثل هذه الادعاءات.
وتابعت المصادر: تستخدم الأعشاب الطبية للمساعدة في حالات مرضية والوقاية منها وتؤكد الوزارة على عدم التداوي بالأعشاب لأمراض نوعية، حيث إن معظم الأعشاب والأدوية النباتية هي مستحضرات مساعدة ولا تعتبر علاجاً أساسياً بديلاً عن الدواء.
وصرّح المصدر أن علم الأعشاب الطبية علم قائم بحد ذاته ويوجد نباتات تحتوي على مواد فعالة سواء بقسم الأوراق أو الساق وكذلك الجذور، ولكن نحن مع أن يدرس ضمن أياد خبيرة بالعقاقير من قبل اختصاصيين بوزارة الزراعة يعرفون نوع النبات ومنشأه وما هي المادة الفعالة على أن يدرس بشكل علمي ليعطى للمريض على هذا الأساس.
وعن العطارة- لفتت مصادر الوزارة- إلى أنها موجودة بكل دول العالم، ولكن أن يقوم العطار بوصف الدواء ضمن كبسولة هذا خطأ، وعليه يتم توجيه المعامل بعدم بيع الكبسول لأن العطار يحصل عليها من المعامل الدوائية، كما يتم سحب المستحضرات غير المرخصة وغير المسموح بها حرصاً على سلامة المواطن.
تصنيع المستحضرات..
وعن كيفية الاستفادة من الأعشاب الطبية في الصناعات الدوائية قالت مصادر الوزارة: إن وزارة الصحة تسمح بتصنيع المستحضرات العشبية والنباتية والتي تعتبر أحد فروع الطب البديل، وذلك عن طريق منشأة صحية مرخصة في وزارة الصحة ويمكن الاستفادة من الأعشاب الطبية في صناعة الأدوية لها مشابهات عالمية، وتكون طريقة استيرادها مثبتة ومعروفة.
وأضافت المصادر-كثيراً من النباتات تدخل في صناعة الأدوية، فتوجد معامل تابعة لوزارة الصحة تقوم بتصنيع أدوية نباتية وتتمتع بامتيازات من شركات عالمية، وأن معمل الدواء النباتي من حيث قواعد التصنيع الجيد والتراكيب والأسس المتبعة يعامل مثله مثل معمل الأدوية الكيميائية من ناحية الترخيص.
وبحسب المصادر- توجد لجان فنية متعاونة مع أساتذة اختصاصيين بالعقاقير تدرس جميع التركيبات الدوائية من أصل نباتي، وتسجل وترخص هذه التركيبات من قبل وزارة الصحة.
وعن استيراد النباتات من بعض الدول أوضح المصدر بأنه يتم استيراد النباتات ذات المنشأ غير المحلي من عدة دول بناءً على جودة وتحاليل تؤكد أمانه وإدخاله بالصناعة الدوائية من هذه الدول على سبيل المثال: الهند والصين، كما يتم توقيع اتفاقيات دولية أخرى وهي خاصة باستيراد الأدوية النوعية غير المصنعة عالمياً.
الاستثمار بها..
ويبقى السؤال المطروح، إن سورية غنية بالأعشاب الطبية المفيدة، فلماذا لا تتواجد بيئة تشريعية تتعاون فيها كل الجهات المعنية لتشجيع المشاريع الاستثمارية الخاصة بالنباتات الطبية والعشبية.. ولماذا لا يتم تصنيع المواد الدوائية الفعالة باهظة الثمن من هذه الأعشاب، بدلاً من استيرادها، وترك هذه المواد العشبية القيمة بأيدي بعض من الجاهلين المتلاعبين بصحة وعقول المواطنين، من دون رقابة تذكر.