رغم كل الدعم والأولوية التي توليها الدولة لقطاع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لكونها الحامل الأهم للاقتصاد الوطني بهذه المرحلة بشكل خاص لاتزال الاجراءات التنفيذية والمترجمة لهذا الدعم على أرض الواقع متواضعة خاصة على صعيد تذليل العقبات لتأمين انطلاقة حقيقية لأصحاب هذه المشاريع لجهة تأمين التمويل والمتابعة والتقييم الدوري لها لضمان استمراريتها وتوسعها وتعميم الفائدة منها.
وعليه نشهد بين فترة وأخرى حالة انتعاش لملف أو قطاع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وتتقدم العديد من الجهات المعنية به بمقترحات وأفكار لضخ دفعة جديدة من الدعم والرعاية لتلك المشاريع ما تلبث أن تعود لحالة الركود الذي يسبب بدوره مزيداً من التعقيد لكل من يرغب بخوض التجربة.
من جملة المقترحات التي طرحت وكان يمكن لو هيأت لها ظروف التنفيذ المدروس والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية بهذا الملف أن نحصد ثمارها حالياً مشاريع محققة لجدواها الاقتصادية، ولربما دخلت مرحلة المشاريع المتوسطة أو الكبيرة اقتراح تقدمت به وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بمثل هذه الفترة تقريباً من العام 2016 لتشجيع ثقافة الاستثمار المتكامل في مختلف القطاعات وعلى رأسها القطاع الزراعي والتي تقوم على تبني ودعم واحتضان مشروع ما وتوفير كل مقومات انطلاقته ونجاحه من خلال قيام كل جهة معنية ومستفيدة منه بالمهام والدور المنوط بها وبما يضمن انسيابية العمل وتجاوز كل الروتين والتعقيدات التي كانت وراء «تطفيش» العديد من المستثمرين وتعثر وتوقف مشاريع استثمارية مهمة سواء قبل الأزمة أم حالياً.
وكانت باكورة المشاريع المقدمة تتجه نحو تنظيم قطاع الثروة الحيوانية الذي شهد تراجعاً كبيراً في عديده وإنتاجه وارتفاعاً غير مسبوق في أسعار منتجاته عبر دعم مشروع استثماري متكامل يهدف لتوفير تلك المنتجات بالسوق المحلي بأسعار منافسة من ألفه إلى يائه، أي تأمين التمويل اللازم والقطيع ومستلزمات الإنتاج وتجميع الحليب وتحويل بعضه لأجبان وألبان وسمون وغيرها والإبقاء على جزء من الحليب لبيعه وصولاً لمرحلة التعبئة والتغليف وليس انتهاءً بإيجاد الآليات التسويقية المناسبة وحتى الاستفادة من مخلفات القطيع واستثمارها.
لو قدر لهذا المشروع وغيره الكثير من المشاريع التي سبق وطرحت ومنها تأمين البدائل العلفية وإنشاء معمل للعصائر والاستفادة من طاقة الرياح أن ترى النور لاعتبرت بحق نموذجاً جيداً لمختلف الإدارات والمؤسسات العامة لتقتدي بها ويساهم في خلق واقع جديد يكون على مستوى المرحلة وتحمل مسؤولياتها وربما لم نكن نرواح مكاننا في أهم ملف اقتصادي لا يزال يحبو رغم الحاجة الماسة له ولمخرجاته على تنوعها.
هذه المعطيات المؤسفة والتي تتكرر لغياب المتابعة والتقييم والمحاسبة تؤكد وتعزز قناعة الكثيرين بأن السمة الأبرز التي غلفت العلاقة بين مختلف الوزارات والجهات العامة خاصة خلال السنوات الأخيرة ولا تزال مستمرة كان غياب التنسيق والتعاون بينها وتضارب المصالح وتنازع الصلاحيات وسعي كل طرف لتحقيق مكاسب فردية لتلميع صورته حتى لو كانت على حساب المصلحة العامة.
السابق