الثورة- هفاف ميهوب:
لابدّ لكلّ قرّاء سرديّات الأدب الخيالي، من أن يسألوا أنفسهم: لماذا نقرأ هذا النوع من الأدب؟.. ما الذي يجذبنا إليه، رغم يقيننا بأنه لا يجسّد واقعنا، ولا ما نعيشه فيه؟، البعض منهم قد يقول، بأنه يحرّضه على التفكير بعوالمٍ جديدة، وعلى البحثِ عن حياةٍ تتراءى له بعيدة المنال، ويدفعه الفضول للتسلّل إليها، لاكتشافِ المختلف عن واقعه.. البعض الآخر قد يجيب بشكلٍ اعتباطي، دون أن يمتلك خلفيةٍ معرفية، أو قدرة على الاستعانة بالدراسات التي استعانت بها، الناقدة الأميركية «ليزا زانشاين» التي تقول في كتابها «لماذا نقرأ الأدب الخيالي؟»:»تُعتبر اللذة التي تُنتجها السرديات الخيالية، متجذّرة في وعينا بالاختبار الناجح للتهيّؤات الخاصة بقراءة الأفكار، أو في الطمأنينة بأن هذا الاختبار، سينجّينا من الظنون الناجمة عن قراءتنا اليومية للأفكار..».إنه رأيها الذي أرادت منه، تبيان شعورِ قارئ هذا الأدب، بـ»جمالية ومتعة الرحلة الهادفة إلى قراءة الأفكار، بل وامتنانه لكلّ أديبٍ، تمكّن من جعله يرتدي أنواعاً مختلفة من الأردية العقلية..»..يدفعنا رأي «زانشاين» هذا، لاستدعاءِ آراءِ بعضِ أدباءِ العالم، ممن أشاروا إلى أهمية الخيال في الأدب، وإلى ضرورته التي رآها الأديب البيروڤي «ماريو فارغاس يوسا»، ضرورة حيوية للروائي، وليس من أجل جمال الرواية فحسب، وإنما لأنه يفسح المجال لنسجِ حيواتٍ خيالية، بل عوالمٍ تعلن رفضها للحياة الواقعية، وتنتقدها عن طريق المخيّلة التي تتيح للأديب، تشكيل الحياة وفق أحلامه وطموحاته، وبطريقة تعوّضه عن البؤس الذي يعيشه، وربما اليأس من جدوى ما يحيط به، وينعكس على وجوده وتفكيره وحياته..إذاً، الرواية التخيّلية لدى «يوسا»: «هي التي تزوّدنا بحساسية، تجعلنا أكثر تيقّظاً أمام محدودية الحياة.. إنها الحياة التي يتوق المرء إليها، لذا عليه اختلاقها بالكلمات، وسدّ الفجوات التي يكتشفها حوله، بالأشباح التي يصنعها بنفسه..».لا تختلف رؤية الأديبة الانكليزية «فيرجينيا وولف» عن رؤيةِ «يوسا».. لا تختلف في إشارتها، إلى أن أدب الخيال، يحاكي الإحساس بعمقٍ، ويجعل القارئ أكثر يقظة ووعياً.. القارئ الذي رأت بأن قراءته لهذا الفنّ الصعب والمعقّد من الأدب، يحتاج منه:»ألّا يمتلك بصيرة دقيقة وعظيمة فحسب، بل ومخيّلة كبيرة وجريئة أيضاً»..