الثورة _ عمار النعمة:
في كل مرة نتحدث بها عن الإبداع نجد أن سورية كانت ولاتزال تحمل أسماء كبيرة حفرت على جدار الزمن بصمتها وقد قدمت إرثاً تتناقله الأجيال جيلاً تلو الآخر.
بالعودة إلى كتاب حراس الكلمة والموقف للدكتور حسين جمعة الذي صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق نجد أنه اختار مجموعة أسماء صنعوا تاريخاً من الثقافة والإبداع.
من هذه الأسماء بديع حقي وشفيق جبري وإحسان عباس وآخرون… وهنا نرى من الواجب علينا أن نستذكر هذه الشخصيات المؤثرة في حياتنا وحياة أبنائنا فالهدف من الكتاب -حسب د.جمعة- هو التوقف عند عدد من حراس الكلمة والموقف ممن كان لهم تأثيرهم القوي في العلم والمعرفة، وفي الإبداع والفن، وفي البحث الأدبي والنقدي واللغوي عند العرب، فلكل مبدع فيهم رسالة ما يهدف إليها والقارىء يمكنه أن يحمّل النص الذي تركه رؤى جديدة ورسائل متجددة تبعاً لرؤاه الذاتية والمعرفية.
ويضيف جمعة أن كل من يتحدث عن مبدعي الأمة- خاصة- ينبغي ألا يغيب عن باله أثر دور النشر الخاصة والعامة في الانحياز لهذا المبدع أو ذاك أو لهذا الناقد أو ذاك لأسباب كثيرة، إذا تجاهلنا أثر الرسالة التي تبناها كل منهم ومدى ارتباطها بالأهداف الكبرى للثوابت الوطنية والقومية وللقيم الإنسانية والأخلاقية فكم من باحث أو دار للنشر لم يكن لديهما هم إلا المصلحة الضيقة.
ويختم د. جمعة أن هناك مبدعين آخرين لا يقلون مكانة وشهرة عمن ضمهم هذا الكتاب لكن لابد من الاختيار، من هنا جاء العنوان حراس الكلمة والموقف فالكلمة وسيلة وغاية وهي أداة تعبير جمالية ونقدية حازت لدى كل منهم مكانتها فنطقت برسائل شتى وسخرت لخدمة ثقافة الأمة وهويتها.
بديع حقي والارتقاء إلى الأعلى
شق بديع حقي طريقه إلى العقول والقلوب بقوة ودخل في صميم البحث عن كل ما ينهض بثقافة أمته وتنوير عقولها بحقائق الأمور، تخرج من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1944 فضلاً عن أنه كان يتتلمذ على يد أساتذة أجلاء مثل عبد القادر المبارك وسليم الجندي وزكي المحاسنة، حاز على دبلوم الحقوق الجزائية في باريس فدرجة الدكتوراة الدولية في الآداب من باريس نفسها وكان عمله في السلك الدبلوماسي سفيراً ووزيراً مفوضاً لسورية في بلدان عالمية عدة وقد اشتهر بعلاقاته الدبلوماسية الراقية والصداقة مع عدد من الرؤساء والمفكرين والأدباء في البلاد التي عمل فيها.
أثبت المبدع الدكتور بديع حقي خلال ما يزيد عن 60 عاماً من بداية إبداعه أنه كان واحداً من صناع الحركة الأدبية والثقافية والفكرية في حياتنا الأدبية والوطنية فقد ترك بصمته الواضحة في الإبداع إذ كان أول من نظم الشعر الحر وفي قصته ورواياته وترجماته.
شفيق جبري: شاعر الشام
ولد جبري بحي الشاغور بدمشق عام 1898 وتوفي عام 1980 برزت نباهته منذ وقت مبكر فهو شاعر ناثر باحث ناقد لغوي أستاذ جامعي، عين في دائرة المطبوعات بوزارة المعارف عام 1918 وكان وزير المعارف آنذاك، محمد كرد علي وهو الذي اختاره أمين سر له عام 1920 ورشحه لعضوية مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1928.
عمل أستاذاً محاضراً في معهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة وكان يتقن اللغة العربية ومثلها الفرنسية ثم تعلم الإنكليزية، تميز جبري بالنباهة والرهافة والمشاعر الفياضة وأحب العزلة ومما قاله بدمشق:
حلم على جنبات الشام أم عيد لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد
لو جاء داود والنعمى تضاحكنا
لهنأ الشام في المزمار داود
على النواقيس أنغام مسبحة
وفي المآذن تسبيح وتحميد
نزار قباني وارتعاش الروح
نزار قباني شاعر عربي ذو نكهة خاصة وناثر ذو أفكار متميزة ودقيقة ودبلوماسي من نمط رفيع، مبدع اخترق المألوف استطاع ابتكار تجربة متكاملة ميزته عن غيره.. ولد بحي مئذنة الشحم بدمشق عام 1923:
فتح الشاعر نزار قباني كانون إبداعه على تعرية الواقع العربي الآخذ في التردي والتراجع وأخذت كلمات قصائده تتفجر ببراكين النقمة والثورة ومما قاله : أنا شاعر مزروع كالرمح في الزمن العربي… أنا أدميه وهو يدميني».
كما شكلت المرأة وقضاياها الاجتماعية عبقرية نزار الشعرية مثلما شكلتها دمشق وثقافة العروبة الزاهية، فقضية المرأة لم تكن قضية عابرة لديه هي جزء من الزمان والمكان والثقافة والعقيدة.
عشق دمشق وأحبها حتى النخاع وهوالقائل :« في دمشق لا أستطيع أن أكون محايداً، فكما لاحياد مع امرأة نحبها فلا حياد مع مدينة أصبح ياسمينها جزءاً من دورتي الدموية وأصبح عشقي لها فضيحة معطرة تناقلتها أجهزة الإعلام».