الثورة – تحقيق ثورة زينية:
لم تكن شهرة السياحة العلاجية في سوريا وليدة سنوات خلت، لكن اكتسبتها منذ سنين بعيدة، يمكن رصد آثارها من خلال الحمامات المتناثرة في ربوع البلاد، ومن خلال المستشفيات العريقة التي عُرفت بالبيمارستان.
وتألقت سوريا بذلك بدءاً من القرن السابع الميلادي عصر ازدهار الحضارة الأموية، وكان يهتدي الرواد إلى مستشفيات دمشق من أصقاع العالم.
صحيفة الثورة حاولت من خلال هذا التحقيق الإضاءة على بعض من مفردات هذه السياحة..
إقبال غير مسبوق
تُعد السياحة العلاجية واحدة من عوامل الجذب السياحي، وتتناوب الأهداف التي تقف خلف ممارستها ما بين طبابة واستجمامٍ واسترخاء وترفيه لتصل إلى التسوق، ولعل تجربة دولة مجاورة مثل تركيا تشي بمدى أهمية هذا النوع من السياحة، حيث يصل ما تدره على الاقتصاد التركي سنويا حوالي 4 مليارات دولار.
وشهدت سوريا خلال السنوات الأخيرة إقبالاً غير مسبوق على هذا النوع من السياحة التي تعد جزءاً من تاريخ الطب السوري، وهي مرتبطة بسمعة الطب ومكانة الطبيب السوري وما يقدمه من خدمات تضاهي دول العالم المتطورة.
وتلاقي هذه السياحة نجاحاً مع مرور الزمن، بالرغم من كل التحديات التي عصفت بسوريا في ظل نقص الإمكانيات، ومساهمة العقوبات الدولية بنقص كبير في المعدات وصيانتها.
صاحب أحد مراكز السياحة العلاجية في دمشق سامر الصالح، أكد أن ما يقرب من 50 بالمئة من القادمين إلى سوريا لتلقي العلاج والتجميل هم من الدول العربية و40 بالمئة من دول أجنبية.
وأضاف: التكوين الجغرافي في سوريا وطبيعتها وموقعها بين دول عربية، ومهارة أطبائها، كل ذلك ساهم في توفير مقومات السياحة والعلاج، وخاصة لمن ليس له القدرة المادية للسفر نحو أوروبا وغيرها.. كما يتقصد المغتربون السوريون حسن زيارة بلدهم وأهلهم استثمار وقت من هذه الزيارة في المداواة والاستطباب لتوفير نفقات العلاج الباهظة في دول المغترب، وكذلك يفعل سكان دول الجوار، فرغم الغلاء الحاصل في سوريا، ما زالت الأسعار فيها أقل من جوارها.
فرق التكاليف
تنشط السياحة الطبية في سوريا أكثر خلال العطلة الصيفية، بقصد السياحة، بالإضافة إلى العلاج ويقصد المغتربون السوريون وغير السوريين في الوقت الحالي أطباء الأسنان بالدرجة الأولى ومن ثم أطباء القلبية، بالإضافة إلى عمليات زرع طفل الأنبوب وعمليات التجميل.
دانيال صعب- من لبنان، قصد سوريا لإجراء عملية زراعة للأسنان، قال: تبلغ تكلفة زراعة السن الواحد في لبنان حوالى ألف دولار، فيما استطعت هنا في دمشق زراعة 4 أسنان بقيمة ألفي دولار، إضافة لجودة المواد المستخدمة والخبرة عالية لدى الطبيب الذي أجرى لي الزراعة.
فاطمة حميدان- من العراق: جئت إلى سوريا من العراق للعلاج في دمشق العام الماضي، لما سمعته عن حالات لاقت نجاحاً، لأسباب منها خبرة بعض الأطباء الذين لمع اسمهم في مجال معالجة العقم ومتابعة عملية الحمل حتى ما بعد الولادة، بالإضافة إلى الأجور المعقولة مقارنة بالعراق.
وتضيف: بعد معاناة لأكثر من 12 عاماً من عدم الإنجاب، أجريت عملية الزراعة عن طريق طفل الأنبوب، وبعد نجاح العملية في مرحلتها الأولى اتبعت برنامجاً مدروساً في الرعاية الطبية على مدار الأشهر التسعة، لأن الحالة كانت حرجة فاضطررت للإقامة في سوريا خلال أشهر الحمل، ورزقت بطفلين توأم.
مصطفي حسن- سوري يعمل في الإمارات العربية المتحدة، أشار إلى أنه خصص إجازته السنوية هذا العام لمعالجة أسنانه، موضحاً أن تكلفة قلع السن على سبيل المثال في الإمارات تصل إلى نحو 200 دولار بينما لا تتجاوز التكلفة في سوريا الـ 10دولار.
خسارة الكفاءات والخبرات
الدكتور أسعد جاويش- طبيب وأستاذ جامعي، أوضح أن السياحة العلاجية مفيدة لكل الأطراف وتحقق توازناً في العمل والإيرادات، والعملية مستمرة، سواء كانت للطبيب أم للمرضى، وجامعاتنا مزدهرة دائماً بالتدريب والمؤتمرات، وهذا ما يحافظ على تقدم مستوى الأطباء، وينعكس إيجابياً على سمعتنا الطبية، مشيراً إلى تأثير الحرب بشكل كبير على تضاؤل نسبة الوفود إليها وتراجع مستوى الجانب الطبي، ولعل أكبر مشكلة نعاني منها في الوقت الحالي هي نقص الأطباء بسبب الهجرة خلال سنوات الحرب إلى أوروبا واللجوء إلى تركيا أو لبنان وخسارة القطاع الطبي السوري أسماء لامعة وكفاءات وخبرات واختصاصات مهمة نحتاج زمناً لتعويضها.
ويرى الخبير الاقتصادي سعيد نجاتي في السياحة العلاجية مقوّماً اقتصادياً مهماً للدول الساعية إلى استثمار وتطوير نظامها الصحي وتحقيق استدامته، وتحويله من نظام استهلاكي إلى بيئة جاذبة للاستثمار، وتنويع مصادر دخلها الوطني وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتتمثل هذه الأهمية الاقتصادية كجزء من دور المنظومة السياحية في خطة تنويع مصادر الدخل الوطني وكأحد مرتكزات بناء اقتصاد مزدهر ومستدام.
ويؤكد نجاتي أن مشروع السياحة العلاجية يجب أن يرتكز على محاور رئيسة، من بينها تحسين تشغيل المستشفيات واعتمادها دولياً، والتسويق الصحي المبتكر من خلال تصميم حزم علاجية بأسعار تنافسية، إلى جانب الترويج الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات العالمية المتخصصة في السياحة العلاجية، موضحاً أن صناعة السياحة العلاجية في غالبية الدول المهتمة في بناء هذا النشاط، مصممة لخلق ميزة تنافسية، وتلبية الطلب الخارجي المتفاقم، والاستفادة من الفجوة القائمة بين ارتفاع الطلب وانخفاض عرض الخدمات الصحية النوعية، والتفاوت الكبير في أسعار الخدمات الصحية المعروضة.