نبض الإبداع

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
شكَّلت قضية فلسطين في الأدب العربي أحد أهمّ الموضوعات المطروحة، وبدأت نهضته منذ النكبة عام 1948 شِعراً وقصَّةً وروايةً، ويندُرُأن نجد أديباً عربيَّاً لم يكتب عن فلسطين وعاصمتها، لا سيما في حقْل الشِّعر لأنَّها بوصلةُ روح الإنسان العربيِّ الأصيل، بكلِّ ما فيها من دلالاتٍ دينيَّةٍ وتاريخيَّة وحضاريَّة، فـالقُدس كانتْ مُلتقى الأنبياء والرِّسالات السماوية وستبقى قِبلةَ الإنسانيَّة ومركز ضمِيرها. تُوقِظُه على تراتيل الأحزان والآلام المتَصَّاعدُة من قلْب الفلسطيني.
فلسطين في الرواية
اتجه المتن الروائي العربي، والفلسطيني خاصةً، منذ احتلال فلسطين عام 1948، لإنجاز نصٍّ سرديٍّ متخيَّلٍ ينطلق من نكبة فلسطين والأحداث المصاحبة لها. من عمليات تطهيرعرقي وتهجير قسري وشتات دفع الفلسطينيين إلى جهات الأرض الأربع وأنتجت روايات كثيرة ترتبط بالقضية الفلسطينية بطريقة أو بأخرى، وهناك أسماء عربية وفلسطينية ظهرت وتميَّزت روائياً، مثل: حنا مينه، جبرا إبراهيم جبرا، غسان كنفاني، واسيني الأعرج، إبراهيم نصرالله، إلياس خوري، رضوى عاشور، مريد البرغوثي.
الشعر
كما أثرت القضية الفلسطينية على الشعر الفلسطيني بفيض غزير من القضايا والموضوعات الجديدة. وإنَّ ديوان الشعر الفلسطيني المعاصر يُمثِّل دائرة واسعة من دوائر الرصد والمتابعة لأبعاد القضية الفلسطينية وملابساتها وأحداثها وتطوراتها وتسلسلها التاريخي والزمني منذ أن وطئت أقدام الإنجليز أرض فلسطين، حتى اليوم، ورصداً متكاملاً لجميع الظروف والملابسات وألوان المعاناة المار بها الإنسان الفلسطيني قبل النكبة وبعدها، داخل الوطن المحتل وخارجه، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ونضالياً، واستطاع الشعر الفلسطيني المعاصر أن يُكوِّن من نفسه مصدراً أساسياً من مصادر دراسة القضية الفلسطينية منذ بداية الربع الثاني من القرن الماضي، إذ بدأت نفحات الرومانسية تهبُّ على الشعر الفلسطيني من خلال بداياته مع إبراهيم طوقان، وعبد الكريم الكرمي، كما أخذت تنمو بشكل سريع خلال العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين والعقود التالية، وخاصة بعد النكبة.
التفاؤل بالعودة
تمركزت فلسطين في صميم الشعر العربي المعاصر، حيث مثَّلت خلال القرن العشرين أرضاً خصبة في وجدان الأمة العربية فيما عرف بأدب القضية، ولايكاد يخلو ديوان شاعر عربي من قصيدة أو قصائد تتناول فلسطين مأساةً وأملاً في التحرير، بل هناك دواوين كثيرة خُصِّصت لها دون غيرها، تبدو البداية لافتة في شعر علي محمود طه، في ثلاثينات القرن الماضي، وتراه يُحذِّر ويُنبِّه من الظلم الواقع على فلسطين.
قال صالح الأشتر في كتابه «مأساة فلسطين وأثرها في الشعر المعاصر»: «منحت القضية في فلسطين الأدب العربي ديواناً دموياً ضخماً. كتبت الحروب الصليبية صفحاته الأولى، ولايزال إلى اليوم في تضخُّم مستمر، وكلما تضخَّم الديوان ازدادت ملحمة الدم العربية في فلسطين غنى واتساعاً، وتعدَّدت صور فلسطين في الشعر، فهي الأرض المغتصبة، والزمن المفقود، واللغة الدامية، والرموز والدلالات المتعددة، والشخصية الضائعة الغريبة؛ وعدوها غول يلتهم الأرض والزمن واللغة والشخصية، وناسها مرابطون، يعانون تحت نير «احتلال استيطاني صهيوني» يجتثُّ الجذور، أو في المنافي والمخيمات يعانون الضياع والاغتراب».
وعلى الرغم من أنَّ المأساة الفلسطينية تقطر دماً منذ نشأتها حتى اليوم، إلى حدٍّ يشعر فيه الناس بفقدان الأمل، فإنّ الشعر العربي يصرُّ؛ على التفاؤل والإيمان بالمستقبل المشرق، إذ قال الشاعر نزار قباني في قصيدة بعنوان «بكيت حتى انتهت الدموع»:
يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان
مَنْ يُوقفُ العدوان؟ عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديان
مَنْ يغسلُ الدماءَ عن حجارةِ الجدران؟
مَنْ يُنقذُ الإنجيلَ؟ مَنْ يُنقذُ القرآن؟
مَنْ ينقذُ المسيحَ ممَّن قتلوا المسيح؟
مَنْ يُنقذُ الإنسان؟
شعر الشتات
بينما شكَّلت فلسطين ديوان شعرائها من أبنائها، فهي ديوان الشاعر المقيم تحت الاحتلال، وديوان الشاعر المشرَّد في المخيمات والمنافي، وعلى رأسهم: إبراهيم طوقان، محمود درويش، سميح القاسم، عزالدين المناصرة، توفيق زياد، كمال ناصر، يوسف الخطيب، فدوى طوقان، إبراهيم نصرالله، توفيق صايغ، معين بسيسو، سلمى الخضراء الجيوسي، راشد حسين، أحمد دحبور، مريد البرغوثي.. وغيرهم ممن يُعدّون بالآلاف، لذا يُمكن القول: إنَّ الشعر العربي، وخاصة الفلسطيني، استطاع ترسيخ وبناء هوية ثقافية عربية مقاومة للعدو، ومُجسِّدة لواقع الاحتلال المرير، بروح ثورية فلسطينية وبلغة ثائرة متمرِّدة مقاومة تئزُّ رصاصاً، وتؤمن بحتمية الانتصار على «العابر الغريب»، لئنَّ الصلة بين الناس والوطن أوثق في نفوس الشعراء، إذ يعاملونه إنسـاناً ذا روح وهويـة، وكانت كتابات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، تكشف عن نفسية الإنسان المدافع عن وطنه فأنشد:
نسيمك عنبر
أرضك سكر
وقلبك أخضر!
وإنِّي طفل هواك
على حضنك الحلو
أنمو وأكبر
يُدلِّل القول الأدبي على روح الوطنية المساهمة في المحافظة على الـوطن مـن كـلِّ اعتداء، فتغنَّى الشعراء الفلسطينيون بحبِّ وطنهم وتماهوا مع جذوره، وجهروا بأنَّهم جنوده ومستعدُّون لبذل دماءهم رخيصة في سبيل الذود عنه، ونادوا بما ينبغي أن يكون عليه المواطن الغيور من الصـفات الوطنية كالتضحية والفداء في سبيل تحريره ونصرة قضيته التاريخيـة، والمحافظة عليها في ظلِّ تداخل الأدوار وتبادلهـا، وتُعـزّز الممارسـات الوطنيـة فـي الأدب الفلسطيني من خلال المضامين والأفكار والأطروحات الهوية الوطنية وامتداداتها التاريخية. غنَّى الشاعر الشهيد عبـد الرحيم محمود:
ســأحملُ روحــي علــى راحتــي
وأُلقي بهـا فـي مهـاوي الـرَّدَى
فإمـَّــا حيـــاةٌ تســـرُّ الصـــديق
وإمـَّـا ممــاتٌ يغــيظُ العــدا
إنَّ الفناء في طريق المجد وترسيخ الهوية بكلِّ صدقٍ وأمانة من التمثيلات الدلالية المعبِّرة في كتابات أدبـاء فلسطين المتواجدين على أرض المعركة، مازجين بين الطلقة والقلم، فذوبان الروح واختلاط الجسد بالأرض والوطن يُجسِّد حالة العشـق الأزلي للوجود العربي في فلسطين كونها تُمثِّل رمز الأمة وعنوان الكيان العربي وهويتـه الحضارية وتراكماتها التاريخية.
أمَّا الشاعر الراحل محمود درويش، فشغل الوجدان العربي موقعاً معقداً تجاوز صفة الشاعر، لأنَّه صار صوت فلسطين بوصفها فردوس العرب الضائع، بينما كتب عبده وازن عن جيل الثمانينات فقال: «يبدو المشهد الشعري مُركَّباً من «بؤر» مكانية متعدِّدة، تتوزَّع داخل فلسطين المقطَّعة الأوصال، وخارجها، أي ما يُسمَّى منفى مُتعدِّد بدوره مكانياً وجغرافياً؛ لكن خيط الذاكرة يجمع بين أجزاء فلسطين والشتات أو المنفى المترامي بين دول عربية وأخرى أجنبية».
                          

العدد 1189 –14-5-2024

آخر الأخبار
"مياه دمشق وريفها" تقرع جرس الإنذار وترفع حالة الطوارئ "طرطوس" 20 بالمئة إسطوانات الغاز التالفة "نيويورك تايمز" ترجح أن يكون "وقود صاروخي" سبب الانفجار في ميناء إيراني تطوير خدمات بلديات قرى بانياس وصافيتا "صحة درعا".. أكثر من 293 ألف خدمة خلال الربع الأول هل تُواجه إيران مصير أوكرانيا؟ نمذجة معلومات البناء(BIM) في عمليات إعادة إعمار سوريا "رؤية حوران 2040".. حوار الواقع والرؤية والتحديات مصادرة أسلحة في الصنمين مخبز بلدة السهوة.. أعطاله متكررة والخبز السياحي يرهق الأهالي عودة الحركة السياحية إلى بصرى الشام خبير اقتصادي لـ"الثورة": "الذهنية العائلية" و"عدم التكافؤ" تواجه الشركات المساهمة اشتباكات حدودية وتهديدات متبادلة بين الهند وباكستان الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد ... "الصحة العالمية" تدعم القطاع الصحي في طرطوس طرطوس.. نشاط فني توعوي لمركز الميناء الصحي  صناعتنا المهاجرة خسارة كبيرة.. هل تعود الأدمغة والخبرات؟ ترجيحات بزيادة الإمدادات.. وأسعار النفط العالمية تتجه لتسجيل خسارة تركيا: الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك مع سوريا