الثورة – المهندس بسام مهدي:
تواجه سوريا تحديات لوجستية واقتصادية هائلة في رحلة إعادة الإعمار الطويلة والشاقة، وأصبح من الضروري تبني حلول مبتكرة وتقنيات متقدمة مثل تكنولوجيا الهندسة الرقمية DE، تضمن أعلى مستويات الكفاءة والفعالية في استخدام كل الموارد.
وفي هذا السياق تحديداً، تبرز نمذجة معلومات البناء ((Building Information Modeling كإحدى التقنيات الواعدة التي تحمل في طياتها القدرة على إحداث فرق حقيقي في مسار إعادة بناء سوريا، وتقديم رؤية رقمية متكاملة للمشاريع تسهم في تجاوز العقبات وتحقيق نتائج أكثر استدامة وجودة.
ما هي نمذجة معلومات البناء (BIM)؟ تمثل نمذجة معلومات البناء (BIM) تحولاً جذرياً في كيفية تصور وتنفيذ وإدارة المشاريع الإنشائية، إنها رؤية رقمية متكاملة لمشاريع الغد في سوريا، وهي عملية تعاونية شاملة تبدأ بإنشاء نموذج رقمي ذكي وغني بالمعلومات يمثل جميع جوانب المشروع طوال دورة حياته بأكملها، بدءاً من مراحل التخطيط والتصميم الأولية، مروراً بالإنشاء والتشغيل والصيانة، وصولاً إلى الهدم المحتمل في المستقبل، هذا النموذج الرقمي لا يقتصر على الأبعاد المرئية للمبنى، بل يتضمن بيانات تفصيلية حول العناصر المعمارية والإنشائية والميكانيكية والكهربائية، وحتى معلومات حول التكاليف والجداول الزمنية.وبذلك، يوفر BIM منصة موحدة تتيح لجميع أصحاب المصلحة من مصممين ومهندسين ومقاولين ومالكين ومشغلين، وتتيح هذه التقنية العمل معاً بتناغم وفعالية أكبر، وتبادل المعلومات بسلاسة وشفافية لتحقيق أهداف المشروع بكفاءة وجودة عاليتين.
ثورة في إعادة الإعمار
يبرز تطبيق نمذجة معلومات البناء (BIM) كقوة تحويلية قادرة على إحداث ثورة حقيقية في عملية إعادة إعمار سوريا، فمن خلال توفير تصور رقمي دقيق وشامل للمشاريع قبل وضع حجر الأساس، يتيح BIM للمهندسين والمعماريين والمقاولين تحديد المشكلات المحتملة، وتجنب الأخطاء المكلفة والتعديلات المتأخرة، ما يضمن تخطيطاً وتصميماً أكثر دقة وكفاءة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد تأثير BIM ليشمل تعزيز كفاءة التنفيذ من خلال إدارة مثالية للمواد والموارد وتقليل الهدر، بالإضافة إلى تحسين التخطيط الزمني للمشاريع وتسهيل التواصل والتنسيق بين فرق العمل المتعددة في مواقع البناء، وكنتيجة طبيعية لهذه المزايا، ينعكس تطبيق BIM بشكل مباشر على خفض التكاليف الإجمالية للمشاريع من خلال تقليل الأخطاء وإعادة العمل وتحسين إدارة الميزانية، فضلاً عن تصميم مبانٍٍ أكثر استدامة وكفاءة في استهلاك الطاقة على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، يضمن BIM مستويات أعلى من الجودة من خلال سهولة تتبع التنفيذ والتحقق من المطابقة للمواصفات، كما يسهل إدارة وصيانة المباني بعد إنجازها.
وفي جوهره، يوفر BIM منصة مركزية لتبادل المعلومات وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية، ما يزيد من الشفافية والمساءلة في إدارة مشاريع إعادة الإعمار الضخمة والمعقدة.
تحديات وفرص واعدة
على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يحملها تطبيق نمذجة معلومات البناء (BIM) في تسريع وتيرة إعادة إعمار سوريا وتحسين جودتها، إلا أن تبني هذه التقنية المتقدمة يواجه جملة من التحديات التي يجب معالجتها بشكل فعال، يأتي في مقدمة هذه التحديات مستوى الوعي المحدود بمفهوم BIM وفوائده بين العديد من العاملين في قطاع البناء التقليدي، بالإضافة إلى الحاجة الماسة إلى برامج تدريبية مكثفة لتأهيل الكوادر الهندسية والفنية على استخدام هذه الأدوات والمنهجيات الجديدة.
كما أن التكلفة الأولية للاستثمار في البرامج والأجهزة اللازمة لتطبيق BIM قد تشكل عائقاً أمام بعض الشركات والمؤسسات، فضلاً عن مقاومة التغيير الطبيعية وتبني طرق عمل جديدة تختلف عن الممارسات التقليدية، ويضاف إلى ذلك ضرورة العمل على توحيد المعايير والمواصفات الخاصة بتطبيق BIM في سياق المشاريع السورية.
ومع ذلك، فإن الفرص الكامنة وراء تبني BIM تفوق التحديات بكثير؛ إذ يمكن لهذه التقنية أن تحقق قفزة نوعية في كفاءة وجودة مشاريع إعادة الإعمار، وتجذب الاستثمارات الأجنبية التي غالباً ما تشترط استخدام BIM في المشاريع الكبيرة، كما أنها تساهم في بناء قطاع بناء سوري أكثر تطوراً وتنافسية على المدى الطويل، قادراً على مواكبة أحدث التوجهات العالمية في مجال الهندسة والإنشاء.
توصيات حيوية
لتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات نمذجة معلومات البناء (BIM) في جهود إعادة إعمار سوريا، يصبح من الضروري على الجهات المعنية اتخاذ خطوات استباقية ومدروسة.
يجب إطلاق مبادرات وطنية شاملة لزيادة الوعي بأهمية BIM وفوائده المتعددة بين جميع أصحاب المصلحة في قطاع البناء، كما يستلزم الأمر إدراج مفاهيم BIM ومبادئه الأساسية في مناهج التعليم الهندسي والمهني لإعداد جيل جديد من المهندسين والفنيين الملمين بهذه التقنية، بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على تقديم برامج تدريبية متخصصة وواسعة النطاق تستهدف العاملين الحاليين في القطاع لتمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة لتطبيق BIM بفعالية، ولتحفيز تبني BIM على نطاق أوسع، يمكن وضع حوافز مشجعة للمقاولين والمطورين الذين يعتمدون هذه التقنية في مشاريعهم، سواء كانت حكومية أو خاصة، ولا يقل أهمية عن ذلك، الشروع في تطوير معايير ومواصفات وطنية موحدة لتطبيق BIM بما يتناسب مع الاحتياجات والظروف المحلية، ويجب دعم التعاون الوثيق بين القطاع الأكاديمي والمؤسسات الصناعية لضمان تكامل المعرفة النظرية والتطبيق العملي في هذه التقنية.
ختاماً
يجب التأكيد بوضوح على أن نمذجة معلومات البناء (BIM) تتجاوز كونها مجرد أداة تقنية حديثة؛ إنها تمثل منهجية عمل أساسية ورؤية استراتيجية لا غنى عنها لتحقيق أهداف إعادة الإعمار في سوريا بكفاءة وفعالية.
إن تبني BIM ليس خياراً تكميلياً، بل هو ضرورة حتمية لضمان بناء مستقبل مستدام ومزدهر لسوريا، مستقبل يتميز بجودة البناء العالية، والإدارة الفعالة للموارد، والقدرة على مواكبة التطورات العالمية في قطاع الهندسة والإنشاء.
لذا، ندعو جميع الأطراف المعنية الحكومة السورية، والوزارات المعنية، ونقابة المهندسين، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية، والمهندسين، والمقاولين إلى تبني BIM كخيار استراتيجي محوري في جميع مشاريع إعادة الإعمار، ليكون حجر الزاوية في بناء سوريا الجديدة.