مجلس الشعب القادم.. من هيمنة الحزب الواحد إلى اختبار المشاركة الشعبية

الثورة- نور جوخدار
تجاوزت التجربة البرلمانية في سوريا أكثر من مئة عام، شهدت خلالها انقلابات عسكرية وسيطرة أنظمة استبدادية، فبين محاولات لترسيخ الحكم الدستوري الديمقراطي وأخرى لتعزيز هيمنة الحزب الواحد تعطلت الحياة السياسية وتراجع دور البرلمان كمؤسسة تشريعية في البلاد.
وفي هذه الدراسة المختصرة نسلط الضوء على أبرز المحطات في تاريخ البرلمان السوري، انطلاقًا من المؤتمر السوري الأول عام 1919، وانتهاءً بحل مجلس الشعب مطلع عام 2025 بعد سقوط النظام المخلوع.
شهدت أول تجربة تمثيلية حقيقية للسوريين بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1919، مع انعقاد المؤتمر السوري الأول في النادي العربي بدمشق، بمشاركة 90 ممثلا من سوريا الطبيعية (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين)، وأقرّ المؤتمر أول نظام ملكي برلماني في عام 1920، كما أعلن أول دستور عربي، لكن هذه التجربة لم تدم طويلا، فمع دخول الاحتلال الفرنسي إلى سوريا منتصف العام ذاته أُلغي المؤتمر و وقعت البلاد في فراغ سياسي ترافق مع اندلاع ثورات ضد الاحتلال.
وفي عام 1928، تم انتخاب مجلس تأسيسي بقرار فرنسي لوضع دستور جديد لسوريا، وتم تكليف هاشم الأتاسي برئاسة لجنة الدستور، التي قامت بصياغة دستور من 115 مادة، تم إقراره من قبل جميع النواب إلا أن الخلاف مع الفرنسيين بسبب إضافة مادة تتعلق بالانتداب عطل المصادقة عليه، مما أدى إلى حل المجلس في عام 1929، لتتوالى الانتخابات في الأعوام 1932 و1936، لكنها لم تُثمر بسبب الظروف الدولية واندلاع الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1943، أجريت انتخابات برلمانية فازت فيها الكتلة الوطنية، لتنال سوريا استقلالها الكامل عام 1946.
بعد عام على الاستقلال، أُجريت انتخابات برلمانية فاز فيها “حزب الشعب”، لكنها لم تصمد طويلا حتى دخلت سوريا نفقا من الانقلابات العسكرية، حيث قام أول انقلاب عسكري بقيادة حسني الزعيم، الذي حلّ البرلمان وعلّق العمل بالدستور، ولم تمض أشهر حتى وقع انقلاب ثاني بقيادة سامي الحناوي، ثم ثالث بقيادة أديب الشيشكلي في نهاية العام ذاته.
رغم هذه الانقلابات، أُقر دستور جديد عام 1950، عبر جمعية تأسيسية منتخبة واعتبر هذا أبرز وثيقة دستورية في تاريخ سوريا، حيث كرس مبدأ فصل السلطات وقيد صلاحيات رئيس الجمهورية، ووسع الحريات العامة، ومنح المرأة حق التصويت، وخفض سن الاقتراع إلى 18 عامًا، إلا أنه لم يدم طويلا وانتهى بتعليق العمل به عام 1951.
في عام 1958، أقرر البرلمان السوري الوحدة مع مصر تحت مسمى “الجمهورية العربية المتحدة”، ما أدى إلى تعليق الحياة البرلمانية مجددا، ولم تصمد هذه الوحدة أكثر من ثلاث سنوات حتى حدث الانفصال في 1961، وأُجريت آخر انتخابات حرة نسبيًا، قبل أن يدخل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في عام 1963، معلنا عهد الحزب الواحد.
وعقب استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970، أصدر دستور 1973، الذي عزز من سطوة حزب البعث عبر المادة الثامنة والتي نصت على أنه “قائد الدولة والمجتمع”، ومنذ ذلك الحين تحول مجلس الشعب إلى مؤسسة شكلية تخدم النظام، فيما أصبحت الانتخابات مجرد واجهة توزع المقاعد على ما تسمى “الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث”، وعند وفاة الأسد الأب عام 2000، قام ما يسمى “مجلس الشعب” آنذاك بطريقة مضحكة، بتعديل الدستور على مقاس بشار الأسد خلال دقائق، وتم خفض سن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية إلى 34 عامًا، الأمر الذي سهل عملية اغتصاب الحكم من الابن، وبالتالي تكريس حالة الاستبداد بالوراثة.
كانت المؤسسة التشريعية لسوريا خلال فترة حكم نظام الأسد، مجلس الشعب، وكان يضم 250 عضوًا يتم انتخابهم بشكل صوري باعتماد القوائم مدة ولايتهم أربع سنوات، في 15 دائرة انتخابية متعددة المقاعد، إلا أنه مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حاول النظام امتصاص الغضب الشعبي عبر طرح دستور جديد في 2012، وألغى المادة الثامنة رسميًا، وسمح بتعدد الأحزاب لكن بقيت السلطات في يد رأس الدولة، ما جعل من التعديل مجرد غطاء تجميلي لا يغير من جوهر الحكم الأمني السلطوي.
وكان النظام البائد يستخدم “مجلس الشعب” لتوفير الغطاء القانوني لقراراته، فعلى الصعيد الداخلي منح مناصريه ومؤيديه مقاعد في مجلس الشعب، لكسب تأييدهم وشرعنة القوانين السياسية والاقتصادية لإظهارها كإرادة شعبية وليستطيع التملص من أي مسؤولية قانونية.
أما خارجيًا، فاستخدم المجلس كأداة لتمرير معاهدات واتفاقيات تخدم مصالحه الخاصة، مثل تلك التي وقعها مع حلفائه الروس والإيرانيين، مانحا إياهم شرعية يصعب الطعن بها مستقبلا، أو كأداة ضغط لتعطيل اتفاقيات مع أطراف دولية لا تخدم مصالحه عبر تمريرها من مجلس الشعب.

وبعد سقوط حكم الأسد، وتسلم الإدارة الجديدة لسوريا مقاليد الحكم بدمشق برئاسة السيد الرئيس أحمد الشرع، تم حل مجلس الشعب وتعليق العمل بدستور 2012، إلى حين اعتماد دستور جديد للبلاد، وفي خطوة أولى نحو إعادة تشكيل الحياة السياسية تتجه سوريا إلى إجراء أول استحقاق انتخابي بين 15 و20 أيلول المقبل لاختيار أعضاء مجلس الشعب عبر انتخابات “غير مباشرة”، في ظل إعلان دستوري وضعته لجنة مختصة للمرحلة الانتقالية.
وبحسب الإعلان الدستوري سيمثل مجلس الشعب القادم السلطة التشريعية، بشكل مؤقت إلى حين إقرار دستور دائم وتنظيم انتخابات عامة لاحقة، ومن المقرر أن يعين الرئيس ثلث أعضاء المجلس أي نحو 70 نائبًا.
وبهذا، تقف سوريا اليوم أمام لحظة تاريخية لاختبار جديتها في بناء مؤسسة تشريعية تعبر عن تطلعات الشعب السوري، فهل تنجح الإدارة الجديدة في كسر إرث الحزب الواحد وتأسيس برلمان حقيقي يعكس الإرادة الشعبية؟ .

آخر الأخبار
قريباً.. قانون للجامعات ومنظومة تعليم خالية من الفساد زيارة الشيباني لروسيا  مهمة لإعادة  ترتيب الأوراق  وبناء علاقات متوازنة الأحد استئناف منح براءات الذمة العقارية.. خبير اقتصادي لـ "الثورة": تُعيد النشاط للسوق وتُحرّك الاقت... د. زياد عربش لـ"الثورة": اتفاقية الغاز تزيد إمدادات محطات التوليد بنسبة 50 بالمئة المهن المالية تحت المجهر.. سوريا تبدأ مساراً جديداً في التنظيم والترخيص من التصديق الرقمي إلى الحوسبة السحابية.. خطى متسارعة نحو سوريا الرقمية دعم دور الجامعات في التنمية وإعادة الإعمار البسطات  تعيد انتشارها على أرصفة العاصمة ومحافظة دمشق عاجزة عن كبح جماحها الشيباني في روسيا .. قراءة في دلالات وأبعاد وتوقيت الزيارة إعلان ستارمر عزم بريطانيا الاعتراف بدولة فلسطينية يثير زوبعة إعلامية وسياسية سوق الأطفال الصغار.. فعالية خيرية في حماة لمساعدة العائلات المحتاجة  العالم العربي يدعو لإقامة الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي مؤتمر نيويورك ينهي احتكار الولايات المتحدة للقضية الفلسطينية من الإهانة إلى السيادة.. فارق الصورة بين "الأسد والشيباني" في حضرة موسكو 1.5مليون جنيه إسترليني لدعم خدمات مئة ألف لاجىء سوري في الأردن عودة اللاجئين السوريين من لبنان.. بين الإغراءات الأممية والواقع الاقتصادي المتردي وزير الدفاع يزور موسكو لبحث التعاون العسكري السعودية.. دور رائد في دعم استقرار سوريا ووحدة أراضيها لافروف يشيد بخطوات الشرع... والشيباني يؤكد: الدولة الضامن الوحيد للاستقرار امتحان الكيمياء.. أسئلة متوازنة بتركيز عال