الثورة – فؤاد الوادي:
تبرز العملية الانتخابية القادمة لمجلس الشعب، باعتبارها التجربة الأولى، في مرحلة ما بعد سقوط الأسد وانتصار الثورة، كإحدى إنجازات الدولة السورية الجديدة بعد إسقاط النظام المخلوع، بغض النظر عن مدى وحجم نجاحها المتوقع، كونها تجسد الجهود الكبيرة التي لا تزال تقوم بها القيادة السورية على كافة الجبهات والمستويات بهدف جامع وقاطع ،وهو بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة ترتكز وتقوم على أسس وركائر وقواعد صلبة ومتينة، قوامها حرية وكرامة الإنسان تحت سقف سيادة القانون واحترام قيم ومبادئ وثوابت الوطن.
ضمن هذا السياق، تحاط تلك الانتخابات بهالة من الاهتمام والتركيز السياسي والشعبي، ليس لأنها الأولى في عصر الدولة السورية الجديدة، بل لأنها من أهم التحديات الداخلية التي يجب على الدولة اجتيازها بنجاح وتميز لافت، كونها تعكس الواقع الجديد الذي يطمح إليه جميع السوريين في دولة الحرية والكرامة، الواقع الذي أينعت بذوره في مجالات وجوانب كثيرة، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، فيما لا تزال التربة السياسية بحاجة إلى إنجاز سياسي كبير بحجم الانتخابات البرلمانية، يعيد ترتيب وقلب وتصحيح المشهد الانتخابي والديمقراطي برمته، المشهد الذي شوهه النظام المخلوع عبر سياسات وقرارات وآليات ممنهجة ومدروسة أدت إلى إنتاج واقع سياسي يكرس سلطته وفساده وطغيانه وتفرده بالحكم لسنوات وسنوات.
هذه الصورة السوداوية العالقة في أذهان السوريين، تحتاج اليوم إلى تحول نوعي وجذري في إدارة الآلية المتبعة للانتخابات البرلمانية القادمة، تبدأ من الشفافية المطلقة في التعاطي معها وفي أدق جزئياتها وتفاصيلها، ولا تنتهي بتطبيق آلية واضحة ومعلنة تقوم على الحرية في الترشح واختيار الأنسب والأكفأ تحت رقابة القضاء وسيادة القانون على الجميع، بعيدا عن كل الأمور والسلوكيات المدمرة التي كان ينتهجها النظام المخلوع، والتي أدت إلى انهيار النظام والمشهد الانتخابي بشكل كامل، وإلى الحد الذي باتت فيها الانتخابات بمختلف أشكالها، مجرد مساحات وساحات للهو والنفاق والتندر، والتذكير بموت الديمقراطيات والحريات في سوريا، باختصار لقد حول النظام البائد الانتخابات إلى ملهاة حقيقية، حتى أصبحنا أضحوكة لجميع دول العالم.
على هذا النحو، تبدو الحاجة ماسة اليوم ، إلى إنتاج واقع انتخابي جديد يواكب ويحاكي المرحلة الجديدة التي يطمح إليها الشعب السوري في دولة تبذل جهودا جبارة لبناء الوطن على أسس وقواعد حقيقية، قوامها حرية وكرامة المواطن ، وبقدر ما يكون هناك تطبيق فعلي للضوابط والأخلاقيات القانونية التي سوف تحكم آلية عمل هذا الاستحقاق السوري الهام، بقدر ما سوف يكون هذا الإنجاز خطوة على الطريق الصحيحة للنهوض بسوريا الجديدة، سوريا الدولة والمؤسسات والقانون والحريات، سوريا التي ستكون لكل السوريين.
الاستحقاق ودون أدنى شك، سوف يكون نقطة مفصلية في تاريخ سوريا، ولحظة فاصلة في المرحلة القادمة، لجهة دوره الكبير في إنتاج ورسم واقع سياسي جديد، يعيد ترتيب المشهد السياسي من جهة، ويعيد من جهة ثانية، ثقة السوريين بأهم مؤسسة تشريعية، تكون انعكاسا لديمقراطية صحيحة، وثمرة من ثمار سوريا المستقبل المشرق.
