الثورة _ ترجمة ختام أحمد :
تقترب الحرب في غزة، بكل أهوالها، من عامها الثاني، ما يجعلها أطول مواجهة وأكثرها دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
يعتقد البعض أن إسرائيل تخشى على الرهائن المتبقين، ويرى آخرون أنها تريد تجنب المزيد من الخسائر في صفوف قواتها، ويرى آخرون أنها عاجزة عن القضاء على ما تبقى من حماس.
برأيي، لا تريد إسرائيل إنهاء الحرب إلا بشروطها الخاصة، أي بمنع عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة، ولإطالة أمد الأزمة، ستستخدم ما تبقى لديها من أسلحة، من التجويع إلى التهجير. باختصار، أكثر ما يخشاه نتنياهو هو قيام دولة فلسطينية.
لدى واشنطن حل عملي لوقف الحرب: انسحاب حماس من غزة، ووقف إسرائيل حملتها العسكرية، لكن لا حماس ولا إسرائيل مستعدتان لقبول هذا.
إسرائيل، تحديداً، بصفتها الطرف الأقوى، ترفض القضاء على حماس إذا كان الثمن هو عودة السلطة الفلسطينية، نتنياهو وفريقه مقتنعون بأن السلطة الفلسطينية تُشكل تهديداً أكبر لإسرائيل من حماس. حماس لا تتمتع بشرعية دولية، وتمثل كل ما يُرعب معظم العالم، حتى العالم العربي. إنها جماعة جهادية أيديولوجية مُتشددة. في الوقت نفسه، تُعترف الأمم المتحدة بالسلطة الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.
إذا استعادت السلطة السيطرة على غزة، فسيكون ذلك بمثابة تمهيد الطريق نحو قيام دولة فلسطينية.
ورغم كل ما فعلته حماس ــ بما في ذلك هجمات السابع من تشرين الأول ــ فإنها تظل في نظر إسرائيل مجرد “جماعة إرهابية” يمكن التعامل معها تماماً كما تتعامل دول أخرى مع جماعات مماثلة.
يعتقد نتنياهو أنه من الحماقة تدمير حماس فقط لمكافأة السلطة الفلسطينية بالسيطرة على غزة، مما يسمح لها بالظهور منتصرةً في هذه الحروب وإقامة دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع.
وقد عمل نتنياهو شخصياً على منع هذا السيناريو، معززاً علاقة تكافلية مع حماس منذ الأيام الأولى لحكمه من خلال تمكين الحركة من حكم غزة.
نتنياهو فاسد وانتهازي، ولكنه ليس أحمق. فهو يدرك أن تسليم مفاتيح غزة إلى رام الله يعني تلقائياً بدء العد التنازلي لقيام الدولة الفلسطينية.
بعد انتصاراته السريعة والمبهرة على حزب الله والأسد وإيران، يواجه نتنياهو الآن حساباً مشابهاً للحظة ما بعد حرب الخليج عام 1991. في ذلك الوقت، هزم التحالف الأميركي الخليجي صدام حسين، وحرر الكويت، وقضى على تهديد كبير لإسرائيل ــ ثم طالب بثمن: حل القضية الفلسطينية.
في العام نفسه، عُقد مؤتمر مدريد رغم تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير، لكنه قبل في النهاية، ممهداً الطريق لاتفاقيات أوسلو اللاحقة، التي سمحت لأول مرة للفلسطينيين بالعودة من المنفى.
إن نتنياهو يعرف هذا التاريخ ــ ويخشى أن تؤدي انتصاراته إلى “الانحراف” بالمثل نحو إقامة دولة فلسطينية.
عملياً، تستطيع إسرائيل – بعد أن قضت على حزب الله وتعقبت زعيمه حسن نصر الله تحت الأرض – أن تفعل الشيء نفسه مع حماس. وكما رأينا، لا تردع الخسائر في صفوف جنودها، ولا يُمثل أسراها أولوية قصوى، وبالتأكيد، لا يُثير حجم الخسائر الفلسطينية أي قلق.
من بين 251 رهينة أصليين، لم يبقَ على قيد الحياة سوى حوالي 23 منهم في الأسر.
اليوم، وصلت مفاوضات المبعوث الأميركي إلى مرحلة متقدمة لإنهاء المأساة في غزة، وتأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين – حوالي 50 أسيراً، أحياءً وأمواتاً – ونزع سلاح حماس. ومع ذلك، يبقى هم نتنياهو الرئيسي: عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة.
حتى بدون اتفاق من المبعوث بريت ماكغورك أو ديفيد ساترفيلد، يستطيع نتنياهو إنهاء الحرب بالقضاء على ما تبقى من قوات حماس.
لقد أثبت استعداده لقبول المزيد من الخسائر، كما فعل في الحروب الموازية. لقد خاطر بسلامة شعبه بفتح جبهات مع حزب الله وإيران والحوثيين، وهو مستعد للمخاطرة وقبول الخسائر في المواجهة النهائية مع حماس.
مع اقتراب الصراع من حلٍّ محتمل خلال الشهرين المقبلين، أعتقد أن معضلة نتنياهو تكمن في إيجاد تسوية تمنع قيام دولة فلسطينية، ما يمنعه من إنهاء حرب غزة ليس قلقه بشأن سقوط المزيد من الضحايا الإسرائيليين أو حتى فقدان منصبه كرئيس للوزراء، لا سيما أن ترامب يعمل علناً على حمايته من المساءلة ومساعدته على البقاء في السلطة.
ومن منظور استراتيجي، فإن المسألة تتجاوز الأحداث الجارية: فإسرائيل لا تريد عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتوحيدها مع رام الله ــ حتى لو كان ذلك يعني إعادة حماس أو تسليم غزة إلى إبراهيم العرجاني لإدارتها.
المصدر _Alarabiya english