فن الجدار سلاح ضد المحتل

الملحق الثقافي- نداء الدروبي:

يرسم الفنانون على الجدران كي يُجسِّدوا يوم التحرير من أجل القضية فقد اقترن الفن الجداري بالانتفاضة الفلسطينية الأولى وبالرسومات والكتابات والشعارات الاجتماعية العاكسة لهوية الأرض والمُعزِّزة لمكانتها، لذا اتخذ الفن الجداري شكلاً ثورياً يُعبِّر الفنان فيه عن المأساة ومخيمات اللجوء، عاكساً واقعه المعاش ومسائل مهمة تشغل الشارع الفلسطيني، وتحكمه الأوضاع الجارية من احتلال وغطرسة وتوسُّع.. ومع مرور السنين تحوَّلت الجدران إلى بيوت وحارات وأزقَّة وألوان تتكوَّن منها لوحات فنية، حيث تحمل بين طياتها رسائل إنسانية تخاطب العالم في أغلب الأحيان وتحثُّهم على إرساء ميزان العدل، وعادةً ما يشارك في الأعمال الجدارية فنانون فلسطينيون وعرب وأوروبيون، نظراً لكبر حجمها ومن أجل لفت انتباه الناس للواقع الفلسطيني، وخاصةً في قطاع غزة المحاصر منذ أعوام ويقدِّمون فيها مجموعة من الموضوعات بأساليب عدة مثل: فن الكتابة والخطوط العربية والرسوم الجدارية كجدار الفصل العنصري على سبيل المثال ورفضه، وهو وسيلة لإيصال أصواتهم ورسائلهم من المدن والقرى والمخيمات، ففي أحد الأعمال صوَّر فنان تشكيلي مدينة القدس على جدار الفصل العنصري المحيط ببيت لحم، كونه يحجب الرؤية عن المدينة المقدَّسة سامحاً للناس أن يتخيَّلوا المدينة من وراء هذا الجدار.

إيصال الرسائل:
كان الرسم الجداري هو الأسرع لإيصال الرسالة تلوَ الأخرى إلى العالم وحثِّ اللجان الإنسانية للتحرُّك من أجل إنقاذ الطفولة والإنسانية إذ رسموا الشهداء والجرحى والأمهات الثكالى والنضال الفلسطيني المستمر والأسرى والمعتقلين بأبيات من الشعر ورسومات وعبارات سهلة القراءة من قبل عامة الناس بألوان مختلفة أو بالأبيض والأسود وأسلوب واضح وصريح بمذاهب: واقعية، تعبيرية، رمزية، لخدمة النضال في وجه «المحتل».
فن الجدار سلاح ضد المحتل:
ولعلَّ الفن التشكيلي والتنوّع في الرسم والشعارات المخطوطة هي الأكثر وضوحاً في التعبير عن روح المجتمع وتطوراته المستمرة، إذ اُستُخدم هذا الفن كسلاح لكشف جرائم «الاحتلال» الكثيرة ولتأليف وتوثيق النضال الفلسطيني على مدار تاريخه الطويل الكامل المملوء بالنكبات والملمَّات.. فلسطين من بحرها إلى نهرها ولا سيَّما في أحياء القدس والشيخ جرَّاح وبلدة سلوان، ثمَّ انتقلت الجداريات إلى الضفة الغربية وغزة والداخل المحتل عام (١٩٤٨)، ليكون فن الكتابة على الجدران فنَّ شارع على غرار فن الكتابة والرسم على جدار برلين الذي اشتهر عقب الحرب العالمية الثانية، وفيه يقوم الفنان بالكتابة أو الرسم على الجانب الفلسطيني من «الجدار الإسرائيلي العازل» بين المدن والقرى التابعة للسلطة الفلسطينية وبين المدن التي يسكنها المستوطنون «الإسرائيليون» في الضفة الغربية تجاه جدار الفصل العنصري حيث يتراوح ارتفاع أجزائه بين (٨) إلى (١٠) أمتار، وتضمَّنت الرسومات لوحات مستوحاة من الأحداث الراهنة وهوية المكان ورسائل الصمود والتحدي مثل: (لن نرحل، هنا باقون)، ورسم العائلات المهدَّدة بالتهجير القسري من أحياء القدس المحتلَّة وهويتها…… إلخ.
لكن هل ترك الاحتلال الفنانين يُقدِّمون أعمالهم الفنية دون أن يقوموا بنزعها؟
كلا، لم يترك الاستعمار هذه الأعمال لتبقى، بل سحق كلَّ أثرٍ لها؛ ولكن أهالي الحي أعادوا رسمها من جديد، ووجدوا فيها متَّسعاً للتعبير عن مشاعر الغضب تجاه السياسات «الإسرائيلية العنصرية».
لغة الكتابات:
تكون الكتابات عادةً بالعربية أو الإنجليزية وتصوِّر معاناة الشعب الفلسطيني القابع تحت نير الاحتلال إلى جانب شعارات مناهضة للاحتلال وسياسات التقسيم والفصل العنصري تتخلَّلها بعض الرسوم وأعلام رموز المقاومة.. وفي بعض الأحيان تتخلَّل الكتابات أيضاً بعض عبارات الهجاء.. وكانت أكثرها انتشاراً على أجزاء جدار الفصل في الضفة الغربية عام (٢٠١٧) حيث تشير إلى معاني الحرية والسلام والمحبة والعدل والتضامن والمقاومة والوحدة والأمل مثل عبارات: (فلسطين حرَّة، الله يبارك بفلسطين، الله محبَّة).
ووثَّق فنانون فلسطينيون الكثير من الأحداث بأسلوبهم الفني الخاص الذي يواجهون من خلاله المحتلَّ السَّاعي لتشويه صورتهم، فكانت جدارية المسجد الأقصى واحدة من أبرز الجداريات إلى جانب جدارية أخرى للشهيدة شيرين أبو عاقلة.
غزة تناضل عبر الفن:
وثَّق فنانون فلسطينيون الكثير من الأحداث بأسلوبهم الفني الخاص الذي يواجهون من خلاله «المحتلَّ» الساعي لتشويه صورتهم إذ رسموا جدارية في ثانوية عوني الحرثاني للبنات شمالي قطاع غزة، وكان لفناني المنطقة بصمة خاصة عندما اشترك عدد من الفنانين في رسم جدارية (لن يصمت الأذان) بدعم من وزارة التربية والتعليم وإدارة المدرسة.
إذن، هم شعب يكافح ويناضل بالطرق كافةً، لذا مُنعَ الأذان في المسجد الأقصى.. وبهذا أصبح الفنان الفلسطيني جزءاً من نسيج مجتمع مقاوم بطبيعته لأنَّه مازال يعاني من ظلم الاحتلال.
وإذا مرَّرت بغزة يوماً وجلت ببصرك في أيِّ اتجاه ستجد عبارة أو لوحة فنيَّة تُجسِّد وتُوثِّق أبعاد القضية الفلسطينية وأحداثها، وهكذا يُحاول الفنانون الفلسطينيون التعبير عن مكنوناتهم ومكوناتهم الثقافية والحضارية.
رموز الكفاح الفلسطيني:
جسَّد الفنانون من خلال الجدارية الكثير من رموز الكفاح الفلسطيني وتراثه كالحطة والعقال، والطاحونة، والمنجل، وعناقيد العنب، ومفتاح العودة، إضافة للبيوت من أقواس وأبواب وإثبات الهوية الفلسطينية ولا سيما في القدس المتعرِّضة للتهويد.
قال النشطاء المشاركون في الرسم: (مهما أزلتم ومحوتم ما رسمنا سوف نعيد الرسم، ونحن المقدسيين سنظلُّ متواجدين على أرضنا، وستظلُّ الجداريات موجودة طالما نحن موجودون هنا).
إذاً الفن الجداري يُعزِّز ويُوثَّق الهوية والرواية الوطنية الفلسطينية ومدى فعاليتها كشكل من أشكال الأسلوب النضالي في الزمن الحالي، وهي واحدة من أهم فن التعبير الفلسطيني لأنَّها استخدمت في الأماكن التي تُعبِّر عن المأساة بجرأةٍ كبيرةٍ وتحدٍّ واضح لكلِّ أشكال الهيمنة والسلاح بالريشة والألوان الموجَّهة ضدَّ المحتل الغاشم، وهي أيضاً ذاكرة وجغرافيا وأرض موجودة.. إنها حكاية وطن وشعب وتاريخ أمة، وتأكيد على أنَّ القدس عاصمة فلسطين وأرضها حرَّة مستقلَّة.. إنَّه فنٌّ يحكي عن الذاكرة، ويُعطي عدة انطباعات مرئية عن الهوية وخطاب الشارع والمجتمع الفلسطيني وصوته صوت الشعب الهدَّار.

                            

العدد 1193 – 11 -6-2024      

آخر الأخبار
نصر الحريري: الانتهاكات الإسرائيلية تنسف أي فرصة للوصول إلى اتفاقيات مستقبلية "قسد" تماطل في تنفيذ اتفاق آذار وتحرم السوريين من ثرواتهم الوطنية الكهرباء تضيف 37 بالمئة إلى تكاليف إنتاج قطاع الدواجن حملة أمنية في منبج لضبط المركبات غير النظامية "أربعاء المواطنين".. جسر تواصل مباشر بين الدولة والمجتمع في حمص غرفة زراعة دمشق تعيد تفعيل لجانها وتدعم مربي النحل والمزارعي نائب وزير الخارجية التركي: أمن سوريا جزء لا يتجزأ من أمن تركيا "الأوقاف" تؤكد قدسية المساجد وتدعو لتوحيد الصف الوطني بازار "بكرا أحلى".. حين يلتقي التسوّق بروح المجتمع "تين الهبول" صناعة ما زالت تحافظ على ألقها في الأرياف دموع في الظل.. جريمة ختام الناعمة وكشف أزمة حماية أطفال اللاجئين فرط الحركة.. سلوك يجمع المتناقضات سوريا تعود بثقة.. الرياض مفتاح الدور الإقليمي بطاريات الليثيوم ..ضرورة العصر أم تهديد محتمل ؟ كيف تشكل العلاقة بين الأسرة والمدرسة مستقبل التلميذ؟ زيت الزيتون بزمن الشح .. مزارعون يطمحون فقط لتأمين مؤونتهم ! انطلاق فعاليات اليوم الحقلي للبطاطا في بنش بإدلب ترامب يُرحّب بزيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض ويشيد بإدارته للبلاد قطبا ميلان يزيدان الإثارة في الكالتشيو اجتماع أهلاوي موسّع بعد الخروج من “درع الوزارة”