الثورة – رفاه الدروبي:
الإعلام الثقافي يُشير إلى القدرة على الوصول للمحتوى الإعلامي وتحليله وتقييمه وإنتاجه في أشكال مختلفة. إنَّه يشمل مجموعة من المهارات والكفاءات والمعرفة كونه يُمكِّن الأفراد من التنقُّل ضمن واقعه وفهم تعقيداته، بما في ذلك تأثيره على المجتمع والثقافة، كلُّ الأفكار الواردة كانت في ندوة نقاش وحوار دعا لها النادي الأدبي الثقافي بعنوان “من ذاكرة الإعلام الثقافي” شارك فيها الإعلاميون: نضال زغبور، فادية جبريل، عماد نداف، سعد القاسم، بإشراف الدكتور راتب سكر، وحضور رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد، وجمهور من قادة الرأي في ثقافي أبي رمانة.
تطوير أدواته
نضال زغبور عاد بتداعيات ذاكرته إلى بذور ثقافته الأولى، وكان للبيت دور لا يُستهان به حين تلقَّى تشجيع والديه بالاطلاع على روائع الآداب العربية والعالمية والروايات والقصص والحكايات منذ مرحلة التعليم الابتدائي، ماشكَّل لديه مخزوناً فكرياً وحافزاً وجد تلك البذور تنبت ثمارها عندما عُيِّن في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري بعد نيله شهادتي الحقوق والمعهد العالي للفنون المسرحية، فحقق حلمه وسط قامات أدبية وفكرية، لافتاً إلى أنَّ الإعلامي يتوجَّب عليه تطوير أدواته، فتوجَّه إلى الجمعيات والنوادي الثقافية آنذاك المُسجَّلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد بلغ عددها ٤٧٥ جمعية، وأطلق برنامجه “مدارات” ليكون علامة فارقة على المستويين الثقافي والسياسي حسب رأيه، وجسراً خاصاً، ورؤى استشرف من خلالها المستقبل حين التقى بشخصيات ثقافية وفكرية مهمة، وأساتذة كبار على دراية بالممرات الصعبة، بعد أن قرأ أمهات الكتب قبل أن يُنظِّم الندوات معهم. وفي إحدى الحلقات طالع ٣٠٠٠ صفحة من أجل استضافة شخصية لكنَّ الإعلامي يصطدم دائماً حين يجد نفسه يعمل وحيداً رغم أنّه موجود ضمن فريق متكامل، لكن يتركونه منفرداً حتى توجَّه العقوبة له، وقلة قليلة من الإعلاميين يمكن الوثوق بهم للمحاورة على الهواء مع ضيوفهم خوفاً من الوقوع بمطبات، فيتوجَّب عليه أن يعرف كيفية التصرُّف مع الضيف.
ولفت لافتاً إلى عدم وجود إعلام حر في كلِّ دول العالم؛ وإنما إعلام موجَّه لكنه يطرح رسالة، وأغلب البرامج الإعلامية لدينا تعرض دون الإعلان عنها “تسللاً” كما أطلق عليها حتى لايلغى البرنامج بين ليلة وضحاها في ظل غياب الضوابط، ولن يصبح نجماً نتيحة عدم الترويج له، عارضاً النقطة الأهمّ المتمثلة بالحل ويكون بأن يجري العمل ضمن فريق متكامل، ووفق رؤية وإدارة مُتبصِّرة.
وضع استراتيجيات
الإعلامية فادية جبريل اعتبرت أنَّ الإعلام الثقافي صلة الوصل ما بين الإعلام عامة، والثقافة والجمهور خاصة، ومهمته الأساسية الحفاظ على ثقافة الدولة والمجتمع، بشكل أساسي من أجل شيء له غاية في الأهميَّة تثبت معنى الهوية الوطنية، وحمايتها تجاه أي غزو ثقافي، مُنوِّهةً إلى أنَّ العمل جارٍ ليخلقوا إنساناً أو مواطناً بلا انتماء، ولاهوية حقيقية له، ولا يعرف من يكون وما تاريخه الحضاري، وإنَّ أغلب مايؤدِّيه الإعلاميون يكون بجهود فردية، ومانحتاجه يتلخَّص بوضع استراتيجيات وطنية تُعنى بمفردات واقعنا الحضاري، حاضراً ومستقبلاً، مُبيَّنةً أنَّ أيَّ حدث في منطفة الشرق الأوسط لا يمكن أن يكون بلا جذور والكثير من الأحداث وخلفياتها ترتبط بعصور محددة، أو بمعتقدات وروايات توراتية لا أساس لها على أرض الواقع، خاصةً فيما تتعرَّض له غزة من ضخ إعلامي غير عادي منذ بدء الحرب عليها، فكانت حرباً لتزوير التاريخ، ومحاولة إثبات أنَّ لا وجود لفلسطين وشعبها على الخارطة منذ آلاف السنين؛ لكن بطولة أبناء الأرض المقدَّسة أفشلت ادعاءاتهم الكاذبة، موضِّحةً دور الإعلام الثقافي واعتماده على الجهد الشخصي الفردي في الوقت الراهن، إضافة إلى غياب استراتيجيات يتمُّ وفقها إنجاز برامج بمستوى عالٍ وذات قيمة، وتحمل عناوين مهمة يُبنى عليها، ويكون لها تأثير مضيف كالملف المنجز في مجلتها حول الجولان المحتل، وأهمية موقعه وسط سورية ومطلب بلدنا إعادته باعتباره ممرَّ طرق بلاد الشام ودمشق إلى القدس المحتلة بالتوازي.
وبينت أنَّ الفلسطينيين اشتغلوا ونبشوا في وثائق التاريخ حول مايدَّعيه الكيان الصهيوني من افتراءات، واستطاعوا إثبات عدم صحتها، مؤكِّدة على ضرورة وضع استراتيجيات في ظل ما يحيط بنا، تعتمد على برامج تعكس الهوية والانتماء وبناء مواطن حقيقي لديه مناعة، يعرف تاريخه بشكل صحيح، وتراثه المادي واللامادي لإعلام ثقافي يكون مؤثراً للحاضر والمستقبل.
عاصر آخر الكبار
بدوره الكاتب والإعلامي عماد نداف أكَّد على غياب استراتيجية إعلامية ثقافية فكرية في الإعلام السوري، متناولاً تجربته في العمل الإعلامي الممتدة على مدار أربعة عقود، إذ بدأت في عام ١٩٨١، بعد أن تلقى تدريبه بجهوده الفردية على يد كبار الإعلاميين في سورية ولبنان، لكنَّ فشل الإعلام الثقافي يعود لعلاقة البنية الفوقية بالتحتية، مقدِّماً دليلاً على لقاء ضمَّ مفكرين وكتَّاباً كباراً كمحمد الماغوط، الشاعر أدونيس، الفنان أسعد فضة، بإدارة التشكيلي فاتح المدرس؛ لكنَّ اللقاء لم ينشر وخلال الحرب طالب النداف بعرضه، وبعد البحث لم يجدوه في أرشيف التلفزة السورية، رغم أنَّه منشور على برنامج”يوتيوب” عبر الشابكة الإلكترونية.
وتساءل عن كيفية المحاسبة للكوادر العاملة في ظل غياب الاستراتيجيات؟ مُجيباً بأنه لتحقيق النهوض لا بد من إعطاء هامش من الحريات إلى جانب الخطط الاستراتيجية، ثم بيَّن أنَّ الإعلامي عادل يازجي كان مكتبه يعجَّ بالمفكرين، والكتَّاب، والأدباء أمثال: ممدوح عدوان، شوقي بغدادي، الدكتور نبيل الحفار وغيرهم؛ بينما في الوقت الراهن دائرة الثقافة في مبنى الإذاعة والتلفزيون يوجد فيها وجوه شاحبة لامعنى لها في الواقع الثقافي، إذاً كيف ستنجز المؤسسات الإعلامية صوتاً أو تفاعلاً إلا وفق مبادرات فردية لصحفي يجب أن يكون مثقفاً ملماً باللغة العربية ومعرفة تاريخ بلده وفنه، كلها معطيات لايتقنها الجيل الصاعد ولابدَّ من التأسيس لإعلام جديد.
بلا ذاكرة
من جهته الإعلامي سعد القاسم أثنى على ضرورة وضع استراتيجية لأنَّ غيابها يؤدي لأزمة حقيقية في الإعلام الثقافي وبكلِّ تفاصيل حياة البلد والجغرافيا والأشخاص، حيث تستهدف العولمة جيل المراهقين، مستشهداً بمقولة تشير إلى أنَّ أعدادهم ستصل إلى ٣ مليارات عام ٢٠٣٠، وهؤلاء يجب أن لا يشبهوا بعضهم ولا آباءهم، مشيراً إلى أنَّ أغلب الجيل الحالي يحبُّ ما يرتديه الممثلون ويميلون للتفاهة، ومن يريد نشر إعلام ذي رسالة لابدَّ من امتلاك وسائله فالإعلام يجب أن يكون مدروساً.
خاتماً الإعلامي القاسم حديثه عن الخطة الإعلامية المارَّة بمرحلتين: الأولى تأسيس الإذاعة الوطنية وآفاقها وصدور مجلة “هنا دمشق”، وكانت تلتقي بشخصيات كبيرة لكنَّها أوقفت لأسباب شخصية ودمِّر أرشيفها نهائياً، وتحول الاسم إلى “مجلة فنون” والأسباب غير معروفة رغم أنها طرحت أسماء غير معروفة في الأدب والثقافة، منوِّهاً إلى عمله في صحيفة الثورة حيث استطاع إيقاف هدم بيت يوسف العظمة وتمَّ نشر الخبر على صدر الصحيفة، ونقل على أثرها ليكون مديراً لمجلة فنون، فطرح كل الأسماء المهمة في الأدب والفنون التشكيلية، واستطاع خلال فترة ستة أشهر النهوض بها عام ١٩٩٦، متخذةً طابعاً ثقافياً لإعلام بات بلا ذاكرة.