الثورة – رفاه الدروبي:
نظَّمت مديرية ثقافة دمشق ندوة قراءة في كتاب “مات البنفسج.. إنَّها الحرب” للأديب بديع صقور شارك فيها الأديبان: الدكتور عبدالله الشاهر، وأيمن الحسن في ثقافي أبي رمانة.
مقطوعة شعرية حكائية
الأديب بديع صقور بيَّن بأنَّه يُجرِّب ويتَّبع في تجربته الحياتية ما يجري مع كلِّ إنسان، ويحتوي العمل على الحكاية مع النص الشعري، وأقرب للشعر عن بعض الحكايات المارَّة حيث جرَّب جنساً من الأجناس الأدبية ليس قصة ولا روايةً، ولا شعراً ولا حتى سيرة ذاتية بل يُدخل بعض الحكايات من التاريخ في النصوص، مبيِّناً بأنَّه يتحدَّث عن زمن الحرب، فالقتل لديه منبوذ بأيّ شكل من الأشكال، والشاعر يدافع عن أهله ووطنه لكن البنفسج رمز الجمال والمحبة، إنه حزين ممَّا يجري على أرض سورية وفلسطين، لاسيَّما عندما يرى أُمّا وزوجة وحبيبة فقدت ابنها وزوجها، وكلّ الحكايات صاغها بحالة إنسانية ترتقي لأن نُسمِّيها مقطوعة شعرية.
أبدع الوصف
ورأى الدكتور عبدالله الشاهر بأنَّ الشاعر أبدع في وصفه للفجيعة، وأغرق المتلقي بالدموع المسكوبة حتى تحولت إلى بحار بلا نوارس، وأرض بلا غطاء أخضر، وديار بلا أناس، بينما كان بهاء حزنه أعلى من موت بنفسجه كفاه نحيباً وعويلاً لأنَّ الحرب مات فيها كلُّ شيء فلم تقض مضجعه بقوله في افتتاحيته: حين موت بنفسجك انهمر الرصاص حيث أنشد:
تخضَّب وجه التراب بدم الزهور
جفت مآقي السماء
ابتعد الصديق المطر
هاجر السنون
تيتَّمت زغاليلُ روحي
انكسرت شبَّابتي القصب
ذبُلت رياحين الفرح
متى مات العزيز البنفسج
إنَّها الحرب
أيقظ شهوة الحياة
كما لفت الدكتور بأنَّ توصيف الشاعر أيقظ في المتلقي شهوة الحياة، ولتكن ناياته حصاد حزن، وموت حرب، وبداية أغنية الحياة، وعلامة 42 نصاً مدمجاً بالموت، علمنا كيف تكون الحياة فمن بشاعة الحرب نرى جمالها، وتتضمن مجموعة “مات البنفسج.. إنها الحرب”، حكايات ألم لكنَّها في الوقت ذاته شهوة حياه لذلك أتت أغلب القصائد بسردية أساسية يحكيها موضوع واحد وتنسحب سرديته القصصية بتوصيف جميل يختتمها بدعوة إلى الحياة لأنَّ الراعي يريد أن يُغنِّي إلى الأبد، منوِّهاً إلى أنَّ القصيدة تتضمن 13 مقطعاً موضوعها واحد ومشاهدها متعددة، تنسحب المشهدية القصصية على قصيدة تحتها أضلع الصدى مكوّنة من 24 مشهداً مقطعياً وسبعة عشر مشهداً وقصائد أخرى، تميزت بأنَّها تحمل في ذاتها موضوعاً محورياً واحداً استخدم الشاعر تقنية قصة استعار سرديتها، وتميزت السردية بالبانورامية حاول من خلالها أن يجمع في نصه مشاهد الموضوع الأكثر بشاعة، إذ مالت القصائد إلى الرمزية الشفيفة، ويمكن من خلالها ان يلتقط المتلقي مراميها بسهولة، حيث أغرق الشاعر نصه الشعري بمفردات: “الطيور، العصافير، هديل الحمام، النوارس، البلابل، وهناك حضور مكثف للناي والقصب في النص”، والمعلوم أنَّ الناي آلة موسيقية حزينة والقصب مادته الأولية، كما أراد الشاعر أن يقول: ناح الناي في كلِّ مكان.. أيُّها الموت ابتعد.
ثم انتقل الدكتور عبدالله إلى ميزات الكتابة عند الشاعر في المجموعة فبدا بأنَّ بدايتها السردية سمة بارزة في النص لا يكترث بالوزن، ولا حتى بالقافية، ونصه محكوم بفكرته، وكيف يمكن التعامل معها لغوياً، وهناك حكاية سردية فيها شواهد ومشاهد وقدرة الشاعر على التثبيت في الإيحاء بالإيجاز والإخبار بأن يوصل إلى المتلقي ما يريده، وهناك إثراء لغوي موظف لصالح الموضوع في جميع النصوص بحيث يمنح القارئ تفكيراً أو استرجاعاً أو إسقاطاً، وبالتالي يوصله إلى متعة في المشاركة المعرفية، واستخدم التكرار في موقعه، من خلال الحرف والكلمة والجملة، كما في نص “دمعتان”، وأجاد في توصيف حالة الحرب بكلمات موجزة بدت في نص “حينما”، مستخدماً في نصوص المجموعة بكسر الانزياح من خلال التقديم والتأخير.
يرخي الليل سدوله
بدوره الروائي أيمن الحسن أشار إلى أنَّ “مات البنفسج” مجموعة قصصية لعبد الله عبد صاحب القصه المشهورة “الضحك في آخر الليل”، مُتسائلاً: هل المجموعة الشعرية عنوان خاص لإحياء ذكرى كاتب لم يُعمّر طويلاً، وفاته حظ الشهرة في حياته. إنَّها الحرب مستشهداً من الكتاب حيث يرى المؤلف صقور “بأنَّها وقت لاتمنحنا الآلهة سوى العتمة والرصاص، وشواهد القبور المُزيَّنة بأسمائها البهية تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة. الكلّ صار يتيماً في الحرب” إذ بدأ في مقدمة الكتاب بقول الشاعر رسول حمزاتوف علمني أبي ألا أمشي على الطريق السالكة في الشعر، لافتاً الحسن إلى أنَّ الأديب صقور يخطُّ طريقاً خاصاً بين السرد والشعر أوينزله من برجه العالي كي يمشي على ألسنة الناس ليكون حديث المعتاد: “اقتربت ساعة الأفول، انطفأت نجمة الصباح، كل الطرق مغلقة ووحده طريق الموت سالك إلى المقبرة”، مشيراً إلى أنَّ المجموعة ذاخرة بالتناصات مع شعراء عدة من الشعر الجاهلي إلى شعراء العالم المعاصر وأمريكا اللاتينية كي يبرهن بأنَّ الحق لابدَّ أن يسود وكلِّ الطغاة والمجرمين مصيرهم إلى زوال.