تلاشي القدرات الشخصية

في تسعينيات القرن الماضي كانت علاقتي طيبة جداً مع المدير العام للشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية السورية الدكتور (عدنان فارس) رحمه الله، ولم تبقَ مجرد علاقة صحفي بمسؤول، بل تطورت إلى ما يشبه الصداقة وبمحبة، الأمر الذي كان يدفعنا للتعمق بالأحاديث والحوار فيما بيننا بما يتعدى أحوال الشركة التي يقودها، سواء بإنتاجيتها ومبيعاتها وطرائق التسويق، أم بأرباحها وخسائرها، وعلى حدّ علمي أنه دخل إليها خاسرة، واستطاع الانتقال بها إلى حالة الربح، وقد أبديتُ غير مرّة إعجابي – نشراً في صحيفة الثورة – بحنكته الإدارية التي نقلت الشركة من حالٍ إلى حال.
أُصيب الدكتور عدنان – في عزّ إدارته – بقصور كلوي، واضطر لعملٍ جراحي مُعقد بعد أن تبرّع له شقيقه بكليته وتمّ زرعها في جسده، وما إن استأنف العمل في الشركة حتى قمتُ بزيارته إلى مكتبه، كان أصفر اللون شاحب الوجه، هنأته بالسلامة، وأبديتُ له إكباري للموقف النبيل الذي بدا من أخيه، فأعرب لي عن مشاعره التي تفوق الخيال تجاه شقيقه، وأن ما تبقى له من الحياة فهو بفضل هذا الموقف الإنساني الكبير الذي لا ينسى ولا يُقدّر بثمن.
بالفعل إنه موقفٌ إنساني نبيل ولا يُقدّر بثمن – قلتُ له – فهو إلى جانب ما يرمز إليه فإنه على الأقل سيؤدي إلى الحفاظ عليك كمدير ناجح ومنقذ لهذه الشركة التي حوّلتها من خاسرة إلى رابحة، فضحك الدكتور عدنان – رحمه الله – وقال لي :لا .. أبداً ليس الأمر كذلك .. ! فقلتُ له: ولكن كل الأرقام والبيانات التي بحوزتنا تؤكد ذلك، وأنا كنتُ جاداً بهذا القول دون مجاملة لأن الواقع هكذا.
فقال لي باسماً : سأروي لك حكاية تشبه حالة الشركة وكل شركات القطاع العام .. مرةً كان أحد الآباء الكادحين المُتعبين – وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب – يبني آمالاً كبيرة على نجاح ابنه في المدرسة، وكان ابنه يتوجس خيفة وقلقاً من مادة اللغة الأجنبية التي لا يفقه فيها شيئاً، وعندما قدّم بها امتحاناً سأله أبوه : كيف قدّمت مادة اللغة يا بني ..؟ ارتبك الولد وقال لأبيه: ممتازة يا أبي ممتازة .. فقذف بالمشكلة إلى الأمام.
ومع صدور النتائج سأله أبوه متفائلاً : هات وطمئني .. كم علامة أخذت ..؟
صمتَ الولد ولم يُجب .. فقال الأب : ما بك يا بني .. كم علامة ..؟!
قال الولد منكسراً : صفر ..
انتفض الأبُ مذهولاً وقال : يقطعكَ الله .. صفر ..؟! لو أنني أنا الأمّي قدّمتُ الامتحان لاستطعتُ أن آخذ صفراً.. – متلي متلك – صفر يا أهبل صفر ..؟!!
وبعد أن فرغنا من الضحك على هذا المشهد قال لي الدكتور عدنان : وهكذا نحن في شركاتنا العامة كل مدير عام مثله مثل غيره يستطيع الوصول إلى النتائج نفسها، لأن الأنظمة والقوانين والأعراف المعمول بها تجاه الإدارة العامة لا تتيح لأي مدير أن يمارس قدراته الإدارية الشخصية كي يفكر بطريقة إبداعية تسهم في تحسين الأوضاع، فنحن كمديرين عامين لا نستطيع اتخاذ أي قرار مؤثر في الشركة، القرارات الرسمية المهمة والمؤثرة كلها تأتي من الخارج، من المؤسسة أو الوزارة أو رئاسة الحكومة، هذا فضلاً عن الرّهاب المعرقل والمنبثق من الجهات الرقابية، نحن مقيدون جداً وكي ننجح ونبدع لا بد من فك القيود ووضع الخطط أو السياسات الواجبة التنفيذ وتفويضنا بتنفيذها دون أي تدخّل وليكن الحساب على النتائج، وإلاّ كلنا سنكون كذلك الطالب الأهبل.
المشكلة أن هذا النمط من التدخلات لايزال سائداً، ولا مجال لنجاح أو إبداع.

آخر الأخبار
الربط البري بين الرياض ودمشق..فرص وتحديات اقتصادية  في عالم الأطفال ..  عندما  تصبح الألعاب أصدقاء حقيقين   الأسعار الجديدة للكهرباء تشجع على الترشيد وتحسن جودة الخدمة  تعادل سلبي للازيو في السيرا (A) بايرن ميونيخ يشتري ملعباً لفريق السيدات ميسي يتحدى الزمن ويُخطط لمونديال (2026)  مونديال الناشئين.. (48) منتخباً للمرة الأولى ونيجيريا (الغائب الأبرز)  اللاذقية تُنظِّم بطولة الشطرنج التنشيطية  ملعب في سماء الصحراء السعودية سوريا في بطولة آسيا للترايثلون  "بومة" التعويذة الرسمية لكأس العالم تحت (17) سنة FIFA قطر  رسمياً.. سباليتي يخلف تودور مدرباً لجوفنتوس بطولة الدرع السلوية.. الشبيبة وحمص الفداء إلى المربع الذهبي "ما خفي أعظم" بين الناس والمؤسسات المالية والمصرفية !      السوريون يستذكرون الوزير الذي قال "لا" للأسد المخلوع   خطة الكهرباء الجديدة إصلاح أم عبء إضافي ؟   العثور على رفات بشرية قرب نوى في درعا  محافظ حلب ومدير الإدارة المحلية يتفقدان الخدمات في ريف حلب الجنوبي   "الاتصالات" تطلق الهوية الرقمية والإقليمية الجديدة لمعرض "سيريا هايتك"   إطلاق حملة مكافحة التسول بدمشق وريفها