الثورة – إيمان زرزور:
لم يعد البيت في السنوات الأخيرة مجرد مأوى للنوم والراحة، بل أصبح مركزاً حيوياً لممارسة الأعمال اليومية، حيث تحوّل إلى مكتب متكامل يضم الاجتماعات، والرد على الرسائل، وإدارة الفرق عن بعد من داخل غرفة المعيشة أو زاوية بجانب المطبخ، فبينما يبدو العمل المنزلي خياراً مرناً ومريحاً، إلا أنه غالباً ما يُخفي وراءه أعباء نفسية وجسدية تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية دون استئذان.
الراحة الموعودة: ما الذي يجعل العمل من المنزل مغرياً؟
يمنح العمل عن بعد للعديد من الأشخاص مزايا جاذبة، أبرزها “المرونة الزمنية” في إمكانية اختيار ساعات العمل بما يتلاءم مع نمط حياة الفرد وظروفه، و”خفض التكاليف” من خلال تقليص النفقات المرتبطة بالمواصلات والطعام، و”العمل في بيئة مألوفة” فالراحة التي توفرها أجواء المنزل قد تحفّز الإنتاجية لدى البعض، كذلك “الحد من التوتر الاجتماعي” مع غياب المراقبة المباشرة والتعامل المستمر مع الزملاء يقلل من الضغوط.
عبء خفي: حين تتحوّل الراحة إلى ضغط نفسي وجسدي
رغم هذه الإيجابيات، يواجه العاملون من المنزل صعوبات عميقة، منها “غياب الحدود بين الحياة الشخصية والمهنية” فكثيرون يعملون لساعات طويلة دون وعي بانتهاء الدوام، وأضف لذلك “الوحدة والعزلة” حيث إن ضعف التفاعل البشري قد يؤثر سلباً على الصحة النفسية، و”تشتت التركيز” من خلال وجود الأطفال أو المهام المنزلية يؤدي إلى صعوبة الحفاظ على الانتباه، علاوة عن “الآثار الصحية” فالجلوس المطوّل، ضعف الحركة، إرهاق العينين، والصداع من أبرز المشاكل الجسدية المرتبطة بالعمل المنزلي.
تحديات خاصة بالرجل: التوازن بين الحضور المهني والدور الأسري
بالنسبة للرجال، قد يبدو العمل من المنزل مريحاً في البداية، لكنه يصطدم بمسائل مثل “فقدان رمزية العمل” مع غياب الخروج اليومي لمقر العمل قد يُضعف الإحساس بالهيبة المهنية، و”انخفاض التقدير الوظيفي” في بعض المؤسسات، يُنظر للعامل عن بعد باعتباره أقل التزاماً، و”تداخل الأدوار” فالموازنة بين واجبات الأبوة والعمل قد تكون مرهقة نفسياً.
المرأة والعلاقة المعقدة مع العمل المنزلي
يحمل هذا النمط من العمل وجهين للمرأة “فرصة للتمكين” إذ يتيح لها الانخراط في سوق العمل دون مغادرة البيت، مع مرونة في تنظيم الوقت، لكنه يشكل “عبئاً مضاعفاً” فغالباً ما تتحمّل مسؤوليات المنزل والأطفال والعمل في آنٍ واحد، ما يؤدي إلى استنزاف بدني ونفسي، مع “غياب الاعتراف المهني” إذ إن كثيراً من العاملات من المنزل محرومات من الحقوق القانونية كالتأمين والإجازات.
بين الواقع والتوقعات: متى يصبح العمل من المنزل خياراً ناجحاً؟
يتوقف نجاح تجربة العمل المنزلي على عدة عوامل منها “وعي ذاتي بتنظيم الوقت، ودعم أسري متكامل يوزّع المهام بعدالة، وتشريعات تحمي حقوق العاملين عن بعد وتعترف بهم كجزء من سوق العمل الرسمي، وتهيئة بيئة عمل صحية داخل المنزل، من حيث الإضاءة والمكان والراحة”.
فالعمل من المنزل ليس مجرد نمط جديد، بل تحوّل ثقافي يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والعمل. وبين من يجده فرصة للراحة والتطور، ومن يراه عبئاً يقتحم الخصوصية، يبقى التحدي في إيجاد التوازن الذي يحفظ الإنتاجية والصحة النفسية، ويمنح الجميع، رجالًا ونساءً، مساحة عادلة للنمو ضمن بيئة مرنة، داعمة، ومحفّزة.