الثورة – ثناء عليان:
تتجلَّى حضارةُ البلدان في قدرة الجماعات المتعدِّدة فيها على العيش بسلام في بقعة جغرافيّة واحدة، وتقاسُمِ موارِدِها، واحترامِ قوانينِها، بعيداً عن الاستعلاءِ العِرْقيّ والفكريّ، وهنا تترسخ أهمية السلم الأهلي والحوار.
صمام الأمان
يؤكد الدكتور سلمان عيسى- دكتوراه في الرياضيات، أن السلم الأهلي والحوار والتعايش بين السوريين ليست مجرد مفاهيم نظرية أو شعارات مثالية، بل هي الأسس التي تقوم عليها أي دولة مستقرة ومجتمع سليم.
وفي ظل ما مرّ به الشعب السوري من صراعات وأزمات، بات من الضروري إعادة بناء النسيج الاجتماعي عبر السلم الأهلي، فهو صمام الأمان للمجتمع.
وبرأي د. عيسى، عندما ينكسر السلم الأهلي، تنهار الثقة بين الأفراد والمكونات، وتُفتح الأبواب أمام العنف والفوضى والاقتتال الداخلي، لذلك فإن الحفاظ عليه واجب وطني وأخلاقي على الجميع.
ثقافة الحوار
ونوه بأنه لا يمكن لأي مجتمع متنوع، كالمجتمع السوري، أن يعيش من دون ثقافة الحوار، فالحوار هو السبيل الوحيد لفهم الآخر والبحث عن القواسم المشتركة بدلاً من التركيز على الخلافات. مؤكداً أن التحديات الكبيرة لا تُواجه إلا بروح جماعية، لذلك فالتعاون بين السوريين، في الداخل والخارج، مهم لإعادة الإعمار على كل المستويات: الاقتصادي، الاجتماعي، والثقافي.
ودعا عيسى إلى نبذ الانتقام والثأر، لأنهما يدمران المجتمعات من الداخل، ويُنتجان دوائر لا تنتهي من العنف، فالعدالة برأيه تعني إنصاف الضحايا عبر القانون، وليس بتكرار المآسي.
ولفت عيسى إلى أنه لا يمكن بناء دولة من دون مؤسسات عادلة وقانون موحد يُطبق على الجميع، فالأمن الوطني ليس فقط حماية الحدود، بل أيضاً حماية المواطنين من الفوضى، وضمان حقوقهم، وبسط العدالة، بعيداً عن التحيز والانحياز لأي طرف، وعلى الدولة أن تكون الحاضنة لكل السوريين،وهذا مايتم العمل وفقه.
وختم عيسى: إن عودة السلم الأهلي، وبناء الثقة، وتحقيق المصالحة الحقيقية بين السوريين، هي الطريق الوحيد لبناء سوريا قوية، عادلة، وآمنة، لذا المطلوب من الجميع، سواء أفرقاء سياسيين أو مواطنين، أن يضعوا مصلحة البلاد فوق كل اعتبار شخصي أو طائفي أو حزبي.
نشر السلام
بدوره، بين الشاعر مجد إبراهيم أنه منَ التَّسمياتِ التّجميليّة إطلاقُ اسم الحرب الأهليّة، التي هي خلافُ السِّلمِ الأهليّ، على النِّزاعِ الدَّمويّ بين جماعتين أو أكثر في بلد واحد، فالأهل لا يصلون إلى مثل ذلك.
في سوريا ذات التَّعدُّدِ العِرْقيّ والدِّينيّ تَبْرُزُ أهمِّيّةُ أنْ ينتشرَ السَّلامُ والعَيْشُ المُشْتَرَك، أو على الأقلّ التَّعايُشُ وعدمُ الاعتداء، مِن أجل الانتقال والبَدءِ ببناء الدَّولة، وتنظيف حُطامِ المرحلة السَّابقة.
وأشار إبراهيم إلى أن العُقول المحشوّة بالأيديولوجيا العدائية عندَ أيّ جماعة، كفيلةٌ بالقضاءِ على كلّ أَمَلٍ ببناءِ الدّولةِ أو العيشِ خارجَ حدودِ الخَطَر.
ويرى أن الحل بسيادةُ القانون في دولةٍ تقفُ على مسافةٍ واحدة من كلِّ مكوِّناتها، فالقانونُ يحقِّق أقلَّ نسبة ضرر للجميع بالتَّساوي، أمَّا تطبيق أيّ أيديولوجيّةٍ خاصّةٍ بجماعةٍ ما، فمن شأنهِ تحقيقُ أكبرِ نسبةِ نفعٍ لتلك الجماعة، وأكبرِ نسبةِ ضررٍ لبقيّة الجماعات.
التشاركية وتكافؤ الفرص
فعلينا –يضيف إبراهيم- أن نَعِيَ ماهيّةَ فكر المؤسَّسات، وضرورة التَّشاركيّة، وتكافؤ الفُرَص، واعتماد المرونة في التَّعاطي مع المشكلات داخليّاً وخارجيّاً، والابتعاد عن التَّصنيف الحادّ للأصدقاء والأعداء، فعدوّ الأمس قد يصير صديق اليوم أو الغد، والعكس بالعكس.
ولا بدَّ من الاستفادة من أصحاب الكفاءة والخبرة بعيداً عن اصطفافهم السّياسيّ، أو انتمائهم الدّينيّ، وأنْ نبتعدَ عن أخطاءِ المرحلة السّابقة بَدَلَ أنْ نَتَمَثَّلَها.
وختم قائلاً: حينَ نخوضُ طريقَ استكمال البنية التّحتيّة والبنية الفوقيّة في آنٍ معاً، لا بُدَّ أنْ نَصِلَ إلى غير ما نحنُ فيه الآنَ، وأساسُ ذلك كلّه هو الإنسان المُتسامي على الانتماءات الضّيِّقة.