الثورة _ رفاه الدروبي:
لم يسعَ الكاتب والسيناريست غسان منذر حورانية حتى الآن أن يصف دمشق في كتاباته بشكل مباشر، إلا أنَّها تبقى دائماً وأبداً المدينة العزيزة والغالية الجاري حبّها في قلبه مجرى الدم في الشريان، وتنتمي عائلته إلى نسيجها، فتسكن وجدانه أينما حلَّ، ولا شك ودون شعور منه يشير في قصصه إلى بعض أحيائها وأزقتها وياسمينها وأنهارها، إنَّها مدينة احتضنت بطل روايته “الروائي المهاجر” قبل أن يهاجر، وأكل القط عشاءه في إحدى أحيائها، فما إن تداهمه فكرة تشبه أجواء دمشق حتى تهاجر مخيلته إلى أحد أحيائها ليكون مسرحاً لذلك النص.
فلسطين الصامدة
يرى عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتَّاب العرب في سورية أنَّ كتابة القصة أو الرواية عنده ليست قراراً يتخذه متى يشاء، بل إنَّ ذلك يخضع إلى حضور الفكرة إلى الذهن، ويعتقد أنَّه كلما زادت خبرة الكاتب نمت لديه القدرة على التقاط الفكرة ثم اختيار النص المناسب لها، سواء أكان قصة قصيرة أم رواية أم ربَّما فيلماً أم حلقة درامية، وهناك الكثير من الكتّاب مَنْ يتّكئون على تجاربهم ومشاهداتهم في بلورة النص بأذهانهم، كذلك يعتقد أنَّ استخدام الخيال يمنح النص فرصة أكبر للتميز والنجاح.كان أول عمل دفعه لكتابة قصيدة عن فلسطين الصامدة بطلب من الأديب والشاعر الفلسطيني الراحل طلعت سقيرق، لم يكن حينها مهتماً بالكتابة، وبعد لقاءات عدة مع الشاعر طلعت شجّعه على كتابة القصة القصيرة بعدما وجد لديه اهتماماً بالفن ذاته، فكتب قصة عنوانها: “جلسة تذمّر” واطلع عليها والده الأديب محمد منذر حورانية، أول من زرع في داخله حبّ القراءة والاطلاع، فوضع لمساته عليها ثم أرسلها إلى الشاعر طلعت، وكان محرِّراً للقسم الثقافي في مجلة صوت فلسطين، وعندما نشرت في المجلة لم تسعه الفرحة، فطبع منها نسخاً كثيرة، ووزَّعها على الأهل والأصدقاء ليعلموا أنَّه ولج الأدب من أوسع أبوابه.
الدهشة هاجسه
أحبَّ الحورانية القصة القصيرة منذ صغره، وقرأ للكثيرين عن روّادها، ومازال البحث عن فكرة جديدة تثير الدهشة في هاجسه الدائم، لم يُفكِّر يوماً بكتابة رواية حتى داهمته فجأة فكرة “الروائي المهاجر” فوجد أنَّها أوسع من مجرد قصة، فشرع يسترسل في كتابتها حتى أنجزها، وعلى الرغم من استمرار جرأته على الكتابة الروائية القصيرة خاصة للأطفال إلا أن متعته الحقيقية مازالت في الكتابة القصصية، بعد صدور مجموعته القصصية الأولى (القناع) عام 2001 أفاده بعض الأصدقاء أنَّ قصصه تصلح أن تتحوَّل إلى لوحات كوميدية، لكنَّه لم يكن حينها يعرف طريقة كتابة السيناريو والحوار، فانتسب إلى أحد المعاهد، وتعلم فيه طريقة كتابة سيناريو اللوحات التلفزيونية، والأفلام القصيرة، والمسلسلات، وغيرها، وعمل على تحويل بعض قصصه إلى لوحات كوميدية، وكتب مجموعة من الأفلام القصيرة استوحى أحداث بعضها من قصصه، لكنَّه فوجئ بصعوبة التسويق، واكتشفت أن عرض السيناريو على الجهات المختصة يحتاج إلى معارف ومقدرة على اختراق حرم المؤسسات الفنية، ووجد أنَّ هناك فجوة بين المؤسسات الأدبية، والفنية، تحتاج إلى من يعالجها.
ويبقى الليمون
بعد إصدار مجموعته الأولى “القناع” توقَّف عن النشر لسنوات طويلة وانتسب خلالها إلى معهد أكاديمي بدمشق، بينما التقى مصادفة مع الإعلامي المعروف ملهم الصالح في اتحاد الكتّاب العرب عام 2018، فلامه لتوقُّفه عن النشر مهما كانت الأسباب، وطالبه بإصدار مجموعة قصصية جديدة، فعمل على إصدار مجموعة “القط أكل عشائي” في العام ذاته، تلتها مباشرة رواية “الروائي المهاجر” ، ثم أصدر مجموعته القصصية الأخيرة “سلامي إلى أم حمدي”، وشارك قبلها بتأليف كتاب “إيران كما شاهدناه” ، وأخيراً أصدر رواية “ويبقى الليمون”، الرواية كتبها للكبار، لكنَّه عندما دفعها للدكتور حسن حميد لإبداء رأيه فيها أعلمه أنَّه مادام يتحدَّث بلسان الطير والشجرة والطبيعة فمن الأصح أن توجه الرواية للأطفال، فشعر خلال كتابة الرواية بقشعريرة سرت في جسده، وتوقع أنَّه أنجز من خلالها عملاً مهماً للغاية، فوضع فيها كلَّ ما لديه من مشاعر محبة لتراب أرضنا المقدّسة، وعندما أطلع عليها الروائي المعروف محمد الحفري قال: إنَّها أفضل عمل تكتبه حتى الآن.
لوحات كوميدية
فيما بعد حقق بعض الحضور على الشاشة الصغيرة من خلال لوحات كوميدية عُرض بعضها على الفضائية السورية من خلال مسلسل “جاري الانتظار”، وكتب القصة والسيناريو والحوار للفيلم السينمائي الطويل “الضياع” بالتنسيق مع المخرج الأردني خميس المجدلاوية، وقبل ذلك عهد إليه بتشكيل فريق مسرحي ضمَّ مجموعة من الطلاب الموهوبين من كلية الصيدلة في الجامعة السورية الخاصة، وحصدوا في مسابقة أجريت بين عدة فرق مسرحية من كليات تلك الجامعة على المركز الأول، ومنحته الجامعة درعاً مع شهادة تقدير، وهناك أيضاً مجموعة من السيناريوهات للوحات بيئة شامية يجري تصويرها الآن، ويعتبر أنَّ نصوصه لم
تحظَ حتى الآن بالفرصة المتوقعة بينما تعتمد أسس وقواعد كتابة السيناريو الناجحة على امتلاك الكاتب فكرة قوية ومميزة تشكِّل فرصة كبيرة لنجاح عمله الفني، وإن أتيح لصاحب النص الأدبي أن يكتب بنفسه السيناريو ربما تكون فرصته في النجاح كبيرة، لكنَّه لا يعتبر أن ذلك شرط لنجاح النص، وإنما يتوفر لدى شركات الإنتاج كتّاب سيناريو محترفون متميزون قادرون على تطوير النص وإغنائه بالمزيد من لمساتهم الإبداعية.
الحبكة لترتيب الأحداث
بيد أنَّ الحبكة المسؤول الأول عن ترتيب أحداث النص الأدبي، وعلى الكاتب أن يعمل على ربط الأحداث بعضها ببعض بطريقة متناسقة ومشوّقة لتحقيق النجاح للعمل، ويعتقد أن جودة الحبكة تبدو أكثر وضوحاً في النص الدرامي، وكذلك كان لصلته الوطيدة مع المخرج بشار الملا، دور في إفادته كثيراً لما قدمه له من نصائح تتعلق بنقل النص الأدبي إلى عمل درامي، وسعيا معاً بشكل مستمر لتذليل العقبات للتعاون في مشروع درامي ناجح، ومنذ عدة سنوات صوَّر المخرج وضاح شاهين مسلسلاً كوميدياً بعنوان جاري الانتظار كانت له مشاركة فيه، وتمَّ عرضه على شاشة الفضائية السورية، كما كتب للمخرج خميس المجدلاوية الفكرة والسيناريو والحوار للفيلم السينمائي الطويل “الضياع”، ويقوم بتسويقه الآن، وهناك العديد من المخرجين مَنْ تواصل معهم لمناقشة عرض بعض أعماله على شركات الإنتاج الفني، فأعماله لم تقتصر في مضمونها على المكان الأوحد والغرف المغلقة في الكتابة، حتى لو أنجز قصة أو حلقة ضمن أربعة جدران بإمكانه أن يُحلِّق بأفكاره بعيداً ليعطي النص أبعاداً لا حدود لها ويترك لخياله العنان بالتحليق في الطبيعة بجبالها ووديانها، فلا يعتقد أن هناك كاتباً مبدعاً لايحب أن تكون الطبيعة بكلِّ آفاقها مكاناً لإبداعه فيجوب من خلال نصه كلَّ بقاع الأرض، والكاتب مَنْ يكتب عن حيه أو حارته أو بيته أو غرفته الصغيرة بلغة حاذقة متبصّرة وينقل ما يريد بطريقة متقنة جذابة يخطو من خلالها سريعاً نحو النجاح.