معركة مفتعلة

الملحق الثقافي-كمال الحصان :

موضوع بحثنا هذا ليس جديداً إنما هو موضوع مطروح للبحث وبتوترات مختلفة الشدة منذ زمن طويل وبخاصة منذ انتهاء الحكم العثماني الاستعماري للبلاد العربية مطلع القرن الماضي وفي أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.
فقد بدأ العرب محاولة جادة لاستعادة هويتهم القومية والوطنية التي انتهكت لقرون عديدة تحت شعارات ومسميات مختلفة ومتعددة كانت غايتها كلها القضاء على الهوية القومية العربية وإخماد الشعور القومي العربي لصالح قوميات وعرقيات أخرى ضاقت عصبيتها وعنصريتها عن فهم المدى والأفق القومي للعروبة وعن الاعتراف بها خلال تلك القرون.
بينما كانت العروبة دوماً وعبر التاريخ هي من يستوعب ويحتضن الآخر كونها قومية إنسانية الأبعاد والمحتوى والأحداث، لذلك كانت العلاقة بين العروبة والإسلام علاقة يكمن سرّها في الخلفية الثقافية والحضارية والإنسانية التي رسمت هذه العلاقة، بحيث كان التزاوج بينهما حالة خاصة لم تتكرر في أي حالة أخرى مشابهة أو في مكان من الأماكن التي انتشر، وساد فيها الإسلام.
فقد جاء في الحديث الشريف «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه» فأين هذا ممن يحاولون وضع العروبة في مواجهة ما يسمونه الإسلام السياسي الذي لا صله له بالإسلام الحقيقي، فالإسلام يزهد بالحكم لمصلحة البشر، وطالب الولاية لا يولى فلماذا يهلك بعض البشر من أجل الوصول الى الحكم والسلطة؟.
منذ اليوم الأول وفي صدر الإسلام لم يلغ الإسلام العروبة، ولم ينكرها بل على العكس تماماً، أعلن تكريسها واعترف بها صراحة في القرآن الكريم، وفي عده آيات وأحاديث نبوية، كما أنه حارب بها كل حروبه العادلة، وحقق بها فتوحاته العظيمة وإلا لماذا يقول الغرب قولته الشهيرة: «لم ير التاريخ فاتحاً أرحم من العرب».
إذاً الإسلام أعطى العروبة نكهة حضارية خاصة، كما سبق أن أعطت المسيحية أيضاً للعروبة نكهة حضارية أخرى، ويكفي سنداً للمسنود فترة وطبيعة..
هذا الحديث النبوي الشريف الذي يجسد العلاقة بين العروبة والإسلام يقول الرسول العربي الكريم «أحب العرب لثلاث لأنني عربي ولأن لغة القرآن العربية ولأن كلام أهل الجنة عربي».. وهكذا يكون من يعادي العروبة معادياً حكماً للإسلام، وإذا كان العداء المعروف بين الأمم وفي أحد جوانبه على الأقل هو عداء يكون عادة لأسباب حضارية أو لصراع حضاري معين، فمن الذي يستطيع أن يميز أساساً أو حضارياً بين العروبة والإسلام في المجال الحضاري والثقافي.. ومن العبقري الذي يستطيع أن يرى أي تمايز بين الإسلام والعروبة؟. وقد أكد القرآن الكريم أكثر من مرة أن العروبة هي حاضنة الإسلام وسيفه ولسانه.
منذ أوائل القرن الماضي بدأت، وبشكل منظم عملية افتعال المعركة بين الإسلام والعروبة والتنظير بأنهما النقيضان اللذان لا يلتقيان، والذين افتعلوا هذه المعركة هم هؤلاء الذين ما فتئوا بين الحين والآخر، وكلما سنحت لهم فرصه من الفرص يتآمرون ويخططون، ويشنون الحروب على العروبة باسم الإسلام، والإسلام منهم براء.
ولقد تمثل الهجوم المباشر على العروبة من قبل هذا التيار المتأسلم في إحدى جولاته التآمرية في محاولة إسقاط التيار العروبي الذي قاده عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي ثم بمعاودة المحاولة مرة أخرى بعد انتصار حرب تشرين التحريرية في سورية ولبنان ومصر عام 1973، وتآمر هذا التيار المستمر لإسقاط النظام القومي العربي في سورية بقياده القائد العظيم حافظ الأسد.. هذه المحاولات التي تم التصدى لها في حينه وبعدها في مهدها أو بمساندة واحدة واضحة وحقيقية من كل جماهير الأمة العربية من المحيط الى الخليج.
وفي كل الحالات، فقد تبنى الإسلام البعد الثقافي الإيجابي عند العرب وامتداداته، ولعل إيجابية فهم هذه الحقيقة تفسره السهولة الفائقة التي نقيها الانتشار السريع للإسلام في الجزيرة العربية وبقيه البلاد العربيه مقارنة مع عمليه الانتشار في بقيه أرجاع الأرض الأخرى.
ومع الزمن نرى مثالاً أوضح على تمازج التفاعل الحضاري بين العروبة والإسلام، حين نرى أن المسيح العربي مثلاً يتآلف ويتعايش مع العادات والتقاليد الإسلامية أكثر من المسلم غير العربي بكثير من ذلك، لأن الحضارة العربية أصلاً هي حضارته وهويته قبل الإسلام وبعده، وقبل المسيحية وبعدها.
وعبر التاريخ، نذكر حالات كثيرة كشواهد على ذلك منها على سبيل المثال القائد العسكري العظيم «ابن العوام» وهو المسيحي العربي الفلسطيني العكاوي الذي عمل كرئيس أركان جيش المحرر العظيم صلاح الدين الأيوبي في حروبه ضد الفرنجة وفي تحرير القدس، والتي تصدى مع صلاح الدين للدفاع عن أرض العرب كعربي، وكان في الصف الأول مقاتلاً ومدافعاً ضد الفرنجة.
وهذا مثال على أصالة الرابط العربي الإسلامي المسيحي، ولقد تكرر هذا المثال الذي هو تعبير عن المسلمات، وتكرر كثيراً عبر التاريخ.
لذلك فإن أحد أبرز أهداف الهجمة الغربية الصهيونية على العروبة هذه الأيام هي الأساس محاولة فك أواصر ووشائج العلاقة الراسخة والوطيدة بين العروبة والإسلام والمسيحية.
وطبعاً لمصلحة عدوّهم المشترك الصهيونية العالمية وشركائها وحلفائها وداعمي مخططاتها من ذوي القربى وطاعني الظهر والصدر من المستعربين مع الأسف.
ونحن نذكر ونؤكد أن هذه العروبة ببعدها الديني الإسلامي والمسيحي هي التي أعطت وأنتجت حضارة عظيمة سطعت شمسها طويلاً على الغرب والعالم، وخدمت أول ما خدمت البشرية جمعاء.
وحري بنا أن نشير كذلك إلى العلاقة الوطيدة أيضا بين العروبة والمسيحية التي حمل لواءها العرب قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، ومن ثم إلى العالم في معظمه.
لقد كانت العروبة هي أساس الحضارة والحاضن البشري الذي تم على أساسه التزاوج الثقافي والفكري بين العروبة والإسلام، وهذه الحالة من التزاوج والتمازج لا نشاهد مثيلاً لها عند الشعوب والأمم الأخرى، التي اعتنقت الإسلام خارج إطار العروبة، والتي لم يكن فيها الفكر الديني غالباً سوى تيار فكري منفصل عن القيم الحضارية والثقافية والاجتماعية الأخرى الخاصة عند تلك الشعوب والأمم لما لها من خصوصية قومية أو عرقية أو وطنية تميزها عن الشعوب الأخرى بين مرتكزات الحضارة الإسلامية والعربية، هي مرتكزات متماثلة وذات طبيعة متجانسة إلى حد كبير، وستظل الأمة العربية قائمة وخالدة، مهما تعدد الأعداء، ومهما تنوعت سيوف الغدر والعدوان.
                            

العدد 1204 –10 -9 -2024     

آخر الأخبار
حرائق اللاذقية الأكبر على مستوى سوريا... والرياح تزيد من صعوبة المواجهة تحذير من خطر الحيوانات البرية الهاربة من النيران في ريف اللاذقية مدير المنطقة الشمالية باللاذقية: الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف هكتار عودة جهاز الطبقي المحوري إلى الخدمة بمستشفى حمص الوطني الشيباني يبحث مع وفد أوروبي تداعيات الحرائق في سوريا وقضايا أخرى تعزيز دور  الإشراف الهندسي في المدينة الصناعية بحسياء وحدة الأوفياء.. مشهد تلاحم السوريين في وجه النار والضرر وزير الصحة يتفقد المشفى  الوطني بطرطوس : بوصلتنا  صحة المواطن  الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بريف دمشق  تعقد أولى اجتماعاتها  لأول مرة باخرة حاويات كبيرة تؤم مرفأ طرطوس  فروغ المحال التجارية والبحث عن العدالة.. متى ظهرت مشكلة الإيجار القديم أو الفروغ في سوريا؟ وزارة الإعلام تنفي أي لقاءات بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين معرض الأشغال اليدوية يفرد فنونه التراثية في صالة الرواق بالسلميّة تأهيل شبكات التوتر المتوسط في ريف القنيطرة الشمالي مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب 1000 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة لمتضرري الحرائق بمشاركة 143 شركة و14 دولة.. معرض عالم الجمال غداً على أرض مدينة المعارض مناهج دراسية جديدة للعام الدراسي القادم منظمة "بلا حدود" تبحث احتياجات صحة درعا "18 آذار" بدرعا تدعم فرق الدفاع المدني الذين يكافحون الحرائق