الهوية والتحديات المصيرية

الملحق الثقافي -عبد الحميد غانم :

يعد موضوع الهوية واحداً من الموضوعات السياسية، التي تتصدر الندوات والنقاشات السياسية والفكرية العربية في الآونة الأخيرة، وفي السابق.
يبدو أن إثارة هذا الموضوع تأكيد على تزايد التحديات التي تفرضها العولمة على الشعوب والتحديات الراهنه العالميه التقنيه والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
المهم اليوم في ظلّ هذه التحديات الراهنة، يواجهنا تحدي سؤال الهوية.. وهو سؤال حقيقي ومصيري تواجهه الأمة العربية.
وعندما نقول: «إن العرب أصيبوا بصدمة عميقة زلزلت كيانهم ومزقته، وفرضّت بقوة سؤال الهوية في مواجهة الآخر الغربي (العدو)».
سؤال يطرح نفسه أمام التحديات التي تواجهها الهوية العربية لاسيما في مضامينها القومية والدينية ورفضاً لما يروّجه الغرب وحداثته جملة وتفصيلاً، ولأنها كانت خط الدفاع الأول عن الذات القومية الغزوالاستعماري.. فقد كانت الهوية مقبولة من الجميع حتى في صورتها الأكثر إمعاناً في المغالاة.
يقول المفكر العربي التونسي الدكتور محمد صالح الهرماسي في كتابه :»مقاربة في تأصيل الفكر القومي»: «لقد بدأ في سنوات الاستقلال الأولى أن الايدولوجيا الوطنية التحديثية نجحت إلى حدّ ما في تهميش الهوية العربية الإسلامية وبناء هوية عديمة الصلة بالعمق الحضاري على أساس وطني وقطري.. التي هي مزيج من الأحداث التاريخية والبطولات الوطنية وقيم الحداثة الغربية وشعارات التنمية والرفاهية.».
لكن تفجر الأزمات السياسية والاقتصادية في العالم، لم يلبث أن كشف ضعف وتهافت الهويات المصطنعة، وأعاد الهوية الأصلية المهمشة بقوة إلى الفضاءات السياسية والثقافية.
لذلك نحن أمام ما نشهده اليوم من عوده قويه إلى التأكيد على ثوابت الهوية يبدو أن رداً طبيعياً على التحديات الداخلية تواجهها الأمه والتحديات الخارجية مصدرها الاختيارات السياسية والحداثة المشوهة وخارجية العولمة المتوحشة والليبرالية الجديدة الأميركية الزاحفة.
مفهوم هوية أي مجتمع ما متصلة إلى حدّ كبير بما يسمى المصطلح الشائع والقوميات، وهو مفهوم حديث نسبياً ومرتبط أساساً لتمييزالقوميات في القرن التاسع عشر.
ولعلّ خطاب الهوية وثيق الصلة بالخطاب القومي، فهل يعتبر خطاب الهوية الوريث التاريخي للخطاب القومي، كما يتساءل الدكتور الهرماسي.
لا شك أن هذا السؤال هو اعتراف ضمني باستنفاد مضامين الخطاب القومي لاسيما عند من يقولون بموت الايدولوجيا القومية، ويرون أنه ليس من المعقول في العالم المعاصر التحدث عن الشخصية القومية.
هذا ما يتروج على الصعيد العالمي والعربي.. ونحن نقول :إن الثقافة لا ترث القومية، ولا تحل محلها، وما يحدث في حالتنا العربية هنا هو أن القومية العربية تستنفر كلّ قواها لاسيما الثقافية منها في مواجهة الغزوالثقافي الجديد الذي يستهدف ثقافتنا، والتي تستهدف ثقافتنا، وتكون مدخلاً لتذويب هويتنا، ذلك لأن استهداف الثقافة مدخل لتذويب الهوية.
والهوية القومية تختلف عن الهوية الوطنية، فالأولى تتعلق بالأمة، والثانية تتعلق بالدولة.. ويمكن القول: إنه إذا أقامت الأمة دولتها الواحدة كانت لها هوية وطنية، يمكن اعتبارها لقاء طبيعياً بين الأمة والدولة.
كما أن هويتنا القومية، تؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك بأنها أمة متميزة عن غيرها من الأمم. أما إذا كانت الأمة مقسمة إلى دول متعددة كالأمة العربية مثلاً فإن هويتها تبقى عرضة للضعف والتآكل والانتكاس بسبب ما يخترقها يومياً من عوامل التفتت والهدم متمثلة في الدعاوي القطرية والعشائرية والطائفية وغيرها داخل هذا الصعيد الداخلي.
أما على الصعيد الخارجي، هناك الاحتلال والعدوان والغزو الثقافي والغزو الإعلامي، وإذا كان غياب الوحدة السياسية العربية لا يلغي الهوية العربية، فمن المؤكد كما يقول الدكتور الهرماسي إن قيام الوحدة سيصبغ على الهوية عمقاً ومتانة وشرعية لا تتمتع بها الآن.
إن حصر الهوية الوطنية بالنسبة الى الأمة متعددة الدول في توحيد الأمة في دولة قومية واحدة لا يكون دقيقاً ولا واقعياً لأن هذا الموقف يتخالف بين الدول القطريه ذلك الموقف الذي كلسته بعض المفاهيم القومية المتطرفة بعيداً عن الموضوعية.
لكن في حال الأمة متعددة الدول، كالأمة العربية، تبرزأمامنا الهوية القومية رغم ضعف التعبيرعنها في أقطارأخرى، تبرز كهوية عامة ومشتركة بين هذه الدول.
كما تبرز الهوية الوطنية الخاصة بكلّ دولة كالهوية المصرية والهوية السورية والهوية التونسية والهوية العراقية والهوية السودانية، وكلّ الهويات الأخرى.
لكن علاقة الهوية الوطنية بالهوية القومية الأم ليست علاقة انفصال وصراع ونفي متبادل، كما يقول الدكتور الهرماسي، بل هي علاقة تفاعل وتكامل بين العموميه القوميه والخصوصيات الوطنيه.
وهنا نأتي إلى الحديث عن الهوية القطرية أي الهوية الوطنية للدولة لكن ما يشاع في الخطاب القومي من استخدام مفهوم القطرية يكون عاده نقيضاً لمفهوم القومية ومقالات بعض التيارات الوطنيه في انكار الهوية القومية، ما حمل الهوية القطرية معنى مناقضاً، وحتى معادياً للهوية القومية، وربما كان من الأكثر دقة أن نتحدث عن نزاعات وطنية أو قطرية متطرفة، وحتى عن نزعات طائفيه وإثنية.
كما أن مفهوم الهوية القومية، لم يخل من نزعات متطرفة أيضاً ترى في هذه الهوية جوهراً ثابتاً منغلقاً ومعطلاً لا يحتمل المناقشة مما يؤدي إلى النظرة الخاطئة للعلاقة بين الهوية الوطنية والهوية القومية القائمة على العداء.
مفهوم الهوية – عند الجابري – حالة ديناميكية ونزوعها نحو الهدف في العربي ليس وجوداً جامداً، ولا هي ثابتة جاهزة، إنها هوية تتشكل وتصير، ولذلك فإنه يكون الإنسان عربياً وليس فقط مغربياً أو مصرياً أو عراقياً أو سورياً إلى آخره.. هو أن يكون عروبياً أي نزولاً نحو تعزيز الوحدة الثقافية العربية القائمة بوحدة اقتصاديه ونوع ما من الوحدة السياسية.
كما أن هوية العربي عند الجابري هي أن يشعر بأنه عربي فعلاً عندما يتعرض شعب أو فرد إلى عدوان أجنبي، وهذا ما نلمسه في الواقع عامة، وفي واقعنا العربي تخصيصاً، حيث يتأجج الشعور بالهوية العربية، كلما نشطت آلة العدوان الصهيوني، وازدادت صلافة قادتها، كما يحدث اليوم في غزه وما يجري على الأرض الفلسطينية المحتلة، وما يستهدف في العدوان الصهيوني لجنوب لبنان ولليمن ولسورية.
هناك ممن يحمل مفهوم الهوية حتى السمات السيكولوجيه والمعطيات السياسيه بما في ذلك الدوله الواحدة التي تضم الأمة. يقول الدكتور الهرماسي إذا كانت الدولة ضرورة لاكتمال الهوية الثقافيه وبروز خصوصيتها الحضارية، فإنها ليست مكوناً ضرورياً من مكوناتها وإلا فإننا سنضطرلانفارالهوية الثقافية لأمم وشعوب ما زالت تناضل من أجل أن يكون لها وطن ودول.
أما بالنسبة إلى الأمة العربية التي لم تحقق دولتها القومية الواحدة بعد فإن الثقافة القومية لا تتوقف في وجودها على قيام هذه الدولة ولكن قطعاً ستكون هوية أقوى وأقدر على الفعل عالمياً لو قامت تلك الهوية.
يبدو أن المتغيرات المصيرية الخطيرة التي تصيب الهوية، وقد تقضي عليها تتعلق بتغيير مكوناتها الثابتة كلياً. أما المتغيرات المألوفة لها، فهي تلك التي تتعلق بتغيير مكوناتها الثابتة منظوراً لها على أنها مرجعيات أساسية في تحديد الهوية، فقد تجد جماعة ما في إحدى المكونات الثابتة مرجعاً أساسياً في تحديد الهوية.
التاريخ 17 – 9 – 2024

العدد 1205

آخر الأخبار
حرائق اللاذقية الأكبر على مستوى سوريا... والرياح تزيد من صعوبة المواجهة تحذير من خطر الحيوانات البرية الهاربة من النيران في ريف اللاذقية مدير المنطقة الشمالية باللاذقية: الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف هكتار عودة جهاز الطبقي المحوري إلى الخدمة بمستشفى حمص الوطني الشيباني يبحث مع وفد أوروبي تداعيات الحرائق في سوريا وقضايا أخرى تعزيز دور  الإشراف الهندسي في المدينة الصناعية بحسياء وحدة الأوفياء.. مشهد تلاحم السوريين في وجه النار والضرر وزير الصحة يتفقد المشفى  الوطني بطرطوس : بوصلتنا  صحة المواطن  الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بريف دمشق  تعقد أولى اجتماعاتها  لأول مرة باخرة حاويات كبيرة تؤم مرفأ طرطوس  فروغ المحال التجارية والبحث عن العدالة.. متى ظهرت مشكلة الإيجار القديم أو الفروغ في سوريا؟ وزارة الإعلام تنفي أي لقاءات بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين معرض الأشغال اليدوية يفرد فنونه التراثية في صالة الرواق بالسلميّة تأهيل شبكات التوتر المتوسط في ريف القنيطرة الشمالي مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب 1000 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة لمتضرري الحرائق بمشاركة 143 شركة و14 دولة.. معرض عالم الجمال غداً على أرض مدينة المعارض مناهج دراسية جديدة للعام الدراسي القادم منظمة "بلا حدود" تبحث احتياجات صحة درعا "18 آذار" بدرعا تدعم فرق الدفاع المدني الذين يكافحون الحرائق