الملحق الثقافي- د. ثائر زين الدين:
تمثل هذه القصيدة ملحمة تحمل في كل حرف منها , حكاية ألم سوري , ووجعا نعيشه , نعرفه , تحمل جمرا يتقد في حنايا الصدر , فجاءت فيلما شعريا , كأنما هي أنشودة مطر الحرب , أنشودة السوريين , وما قلوبهم , وكان الشاعرقد نال على هذه الملحمة
ميدالية بطل الاتحاد السوفييتي الكاتب فلاديمير كاربوف عن قصيدته «مشاهد سورية».
القصيدة التي نال بموجبها الشاعر زين الدين الجائزة نشرتها صحيفة الثورة وترجمتها إلى الروسية الروائية والشاعرة الروسية سفيتلانا سافيتسكايا.
وجاء في دبلوم الشرف المرفق مع الميدالية التي يمنحها اتحاد الكتاب المحاربين في القوات البرية والبحرية بروسيا «استحق ثائر زين الدين الميدالية المذكورة عن قصيدته (مشاهد سورية) لدوره الكبير وفنية عمله في قصيدته التاريخية الحربية».
وفي تصريح لـ سانا قال زين الدين: «هذه جائزة تحمل اسم بطل الاتحاد السوفييتي الكاتب فلاديمير كاربوف وتمنح للأعمال الأدبية المتميزة في روسيا وخارجها التي تعالج موضوعات تتعلق بأحوال الشعوب والمجتمعات والناس أثناء الحروب» معتبراً أن قصيدته نالت تقدير اتحاد كتاب محاربي روسيا كونها تتألف من مشهد كتبها منذ بداية الحرب حتى الآن واستخدم فيها تقنية عين الكاميرا.
ونوه زين الدين بترجمة قصيدته باقتدار وكفاءة من قبل شاعرة بلغتها الروسية الأم وتقديمها للقراء والمحكمين الذين تعاملوا مع النص باللغة الروسية لا العربية.
يذكر أن للدكتور ثائر زين الدين 57 كتاباً في النقد الأدبي والدراسات والشعر والمترجمة عن اللغة الروسية ونال العام الحالي جائزة الشاعر خليل مردم بيك من مجمع اللغة العربية لنقد الشعر العربي المعاصر.
مشهد 1
يزنّر شيخٌ ضريرٌ فتىً
بحزامٍ غريبٍ، ويصرخ:
«اللــــهُ أكبر».
يوزِّعُ قائدُ أغربةٍ
لعناصرهِ
كاتماتٍ … بنادقَ قنصٍ
ويصرُخُ:
«الله أكبـــر».
و تزرعُ أمٌّ
إلى جانب البيتِ زيتونةً
و هي تهمسُ: «اللهُ أكبــر».
السويداء 2015
مشهد2
مضى ولم ينظرْ إلى الوراءْ
مضى كأن العمرَ في راحتهِ
حفنةُ ماءْ!
تخنقني الغصّةُ
لا أسطيعُ أن أجهشَ بالبكاءْ.
السويداء 2/6/2014
مشهد3
تعال سريعاً إليّ
يقولون تعدو المنيّةُ خلفكَ
في كلِّ ركنٍ… و في كلِّ حيّ
يقولون: أنقذتَ صحباً
و أخليتَ أبنيةً!
ثم لم يبقَ من فوجك المتصدّعِ
إلاكَ أنت الشقيّ!
تعالَ فقد نهزمُ الموتَ
في نطفةٍ سأُخبِّئُها في عروقيَ
ننذُرها لزمانٍ بهيّ.
4/6/2015
مشهد4
تركتُهُ – لا حولَ لي-
أقسمَ أن يعودْ
وعادَ
محمولاً
على مناكبِ الجنودْ!
1/6/2016
مشهد5
إلى إياد
حيثما التفتوا
كان يبسمُ منتصباً في جفون الردى
قالَ:
«عشتُ زماناً سُدىً
لن أموتَ سُدى»!
24/4/2011
مشهد 6
إلى روح أبي
ووالدي لمْ يُكمِلِ الواحدَ والسبعينْ،
عاشَ حروباً سبعَةً.
تروي لنا الجدَّةُ:
– لا أعلمُ من قاتَلَ في لبنانَ؛
أسطولاً… ورجعيينْ!
لكنَّهُ كان فتىً ما طَرَّ بعدُ شارباهُ؛
عادَ مسكوناً بوديانٍ …
جبالٍ…
عَقَّبت أمّي:
– بألوانِ التنانيرِ القصيرَةِ… والنساء العينْ!
يَبسِمُ مَزهوّاً، فَتُكملُ:
– ربّما تذكُرُ كيفَ رجعتَ من «أيلولَ»؟
كيفَ غمستُ في الماء المُسخَّنِ، ساعةً
قدميكَ ثمَّ نزعتُ جورَبكَ المُدمّى!
ربّما تذكرُ كيفَ رجعتَ من «تشرينْ»؟
حَدَّقَ فينا مُشرِقَ القسماتِ…
ثمَّ تكدَّرَ الوجهُ الجميلُ،
تَخَضَّبتْ عيناهُ:
– ليتَ الجسمَ ظلَّ مُكفَّناً بالثلجِ
في الجولانِ…
ليتَ العينَ ذابت في الترابِ وما رأتْ
ولداً يقاتلُ أهلَهُ…
وأباً يُزنِّرُ طفلةً بالموتِ…
ليتَ العمرَ يرجعُ بي فأغفو هانئاً
في خندقٍ يرنو إليهِ «أبو الندى»،
فإذا تكاثفتِ الغيومُ
وجادَهُ الغيثُ…
استفاقَ العشبُ جذلانَ،
وغطّى جُثتي الدحنونْ.
5/4/2013
مشهد 7
لو كنت عاشقاً
لو كان في الديارِ من يرقبُ أن تؤوبْ
كنتَ الذي يبلغُ نسراً
موقعَ العدوِّ
لا يحفَلُ باللهيبْ!
28/ 5/ 2016
مشهد 8
لا شيءَ يدعوكَ لهذا الخوفِهذي الرِّعدةِ الخرقاءِ!لا شيءَ سوى حطامْنعم… نعم… و كفُّ طفلٍ
برزتْ كرايةٍ ذابلةٍ
فوق الركامْ!
26/ 6/ 2016
مشهد 9
صحوتُ من الحلم أبكي؛
«لماذا يقود أبي في ثيابٍ معفّرةٍ
جملاً أسوداً،
ثمَّ كيفَ تبسّمتَ لي فوق ظهر الجملْ؟!»
إلهيَ لا بدَّ أنَّ حبيبيَ
في خطرٍ!
ردَّ عنهُ الحديدَ… الرجالَ العبيدَ
فدتك المقلْ.
20/6/2016
مشهد 10
صَعَدوا الحافِلةْ
فتَّشونا
تَمَلَّوا وجوهَ النساءِ… الرجالِ،
بطاقاتِهمْ،
وبفوَّهّةِ البندُقيّةِ نَبَّهَ أطولُهُم لحيةً
مَرْأةً غافلةْ:
– أصلحي فوقَ رأسِكِ هذي الملاءةَ!
ثُمَّ تعالى صراخُ فتىً
سحبوهُ كما تُسحبُ الشاةُ:
– عنديَ طفلانِ
وامرأتي حاملٌ / يتوسَّلُ/
لم أؤذِ عصفورةً…
ما حملتُ السلاحَ على أحدٍ…
لم يقودُوهُ أبعدَ من خطوتينِ،
بكى…
انكبَّ فوقَ مداساتهم…
ضحكوا وأشاروا لسائقنا أن يسيرَ،
وكبَّرَ قائدُهم، ثُمَّ ضَجَّ الرصاصُ.
بكت جارتي.
وعلا صوتُ شيخٍ:
– إلى أينَ تأخُذُنا هذهِ السافلةْ؟
دمشق 2015
مشهد 11
على الجدارِ مزقةٌ من آيةِ الكرسيِّ،
في إحدى الزوايا
طفلةٌ تجمّعتْ
تذودُ عن قطَّتها البيضاءْ.
تبعثرتْ فوقَ الركامِ أنجمٌ ورديّةٌ
ومنذُ ربعِ ساعةٍ
توقَّفَ المواءْ.
7/7/ 2015
مَشهد 12
على حاجزٍ قربَ قريتهِ
أوقَفَوهُ…
وصَاحَ الكبيرُ به:
– هَلْ جُننتَ! أَتسرقُ باباً عتيقاً؟!
وقهقَهَ آخرُ:
– يا سيّدي رُبّما كانَ من خشبِ الزانِ
أو خشبِ السنديانْ!
وعَقّبَ ثالثُ:
– ما تركَ السابقونَ لهُ
ذهباً أو جُمانْ!
فصاحَ بهم:
– إنّهُ بابُ بيتيَ
ها دفترُ الذكرياتِ
تعالوا انظروا
وترونَ: مُسجّلةً سنواتُ صغاريَ
أطوالُهمُ كُلَّ عامٍ…
ترونَ عليهِ تعاوِيذَ أُمّيْ
/ بكى/
وعليهِ دماءُ أبي!
لم أجدْ مَحْمَلاً فأسجّيهِ
سِرْتُ بهِ… ساعدتني على حَمْلِهِ جارتانْ!
هَلْ رأيتُمْ نساءً «يَشلنَ» نُعوشاً
ويدفنَ مَيْتاً!
فخلّو سبيليَ…
ما عَادَ لي من دياري
سوى البابِ
ما عَادَ لي من مكانْ!
7/2016
مشهد13
سارتْ على مهلْ
والناسُ تعدو حولها كأنها الجيادْ
من حاملٍ حقائباً منفوخةً
لحاملٍ أولادهُ والخوفَ والأملْ.
بساطُها لفَّتهُ فوق ظهرها
وصورةٌ في يدها
لرجلٍ تجاوزَ الستينَ
أو يكادْ!
السويداء 13/ 7/ 2014
مشهد14
يسيرُ بين غرفِ المنزلِ
لا يلوي على شيءٍ سوى البكاءْ؛
لم يتركوا حتى «شريط َ» كهرباءْ
لم يتركوا صنبورَ ماءْ
فقط: بلاطاً سوّدتهُ كتبٌ محروقةٌ،
ولعبةً (تنامُ قربَ ابنتهِ)
تمزَّقتْ أشلاءْ.
السويداء 6/ 8/2014
مشهد 15
تقبِّلُ الأمواجُ رجليهِ
و يلهو نورسٌ أخرقُ «بالسترةِ»،
هلْ يشغلهُ الأحمرُ فوقَ الصفحةِ الزرقاءْ؟!
الناسُ جاؤوا… جاءتِ الآنَ الصحافةُ…
لمْ يُعرهُم أحمدُ النائمُ بالاً؛
كان قد ألقى قميصاً بالياً
للشاطئِ الغافي…
مضى نحوَ الجنوبِ حائراً
يبحثُ عن غوطتهِ الغنّاءْ.
29/8/2016
مشهد 16
يقولُ المهاجِرُ
وهو يهرولُ بينَ جذوعِ الصنوبر:
أعلَمُ… ما من صديقٍ
وما من غريبٍ
يزورُ ضريحيْ!
ولن تضعَ امرأةٌ زهرةً فوقَ قبريَ؛
وهي تُلملِمُ دَمعَتها،
غيرَ أنَّ عنادِلَ عابرةً
ستُغَرِّدُ فوقَ تُرابيَ عند الربيعِ
تُنَقِّرُ ما أنبتَ القبرُ،
ثُمَّ تُغادِرُ…
تتركُهُ ضائعاً
لصقيعٍ…
وريحِ…
دمشق 20/8/2017
مشهد 17
غَفوا كما لو أنهم في البيتْ!
ما جَمَّعتْ طفلتُهم أوصالَها،
وما احتمَتْ تحتَ جناحَي أُمِّها،
ولا هفا الوالدُ كي يدفَعَ شيئاً عنهما.
حقيبَةٌ صغيرةٌ ضائعةٌ تحتَ ركامِ الثلجِ…
معطَفٌ كقطعةِ الزجاجِ
مرميٌّ على الطفلةِ…
هلْ تاهتْ بهم بوصلةُ الروحِ؟
أو الوديانُ والقمّةُ… والعاصفةُ الهوجاءُ
ما أبقت لهم من سمتْ!
كونُ بياضٍ باهرٌ من حولهم،
وفي سوادِ المُقلِ الشاخصةِ الآنَ إلى الرَّبِ
يُرى طيفُ ملاكٍ دامعٍ
يحمي بقايا حُلمِهم
من هدهداتِ الموتْ.
15/1/2018
مشهد 18
لم تكنْ غرفةُ النومِ باذخَةً،
غيرَ أنَّ السريرَ العريضَ،
الذي صمدتْ بعضُ أجزائهِ
لمْ يزلْ ينضحُ الآن بالحبِّ،
حتى المرايا التي كسَّرتها القذيفةُ
ظَلَّتْ تخبئُ صورَتَها…
إنَّهُ الآن يَلمَحُ بسمَتَها تتراءى… وتهربُ.
نافذتانِ مخلَّعتان، بغيرِ زجاجٍ.
جدارٌ تنازلَ عن لوحةٍ ومصابيحَ خضرٍ
لعابرِ دربْ.
وشظايا تناثرُ في كلِّ صوبْ!
تنبّهَ؛ كيف نجا الفونوغرافُ العتيقُ!؟
أزاح الغبارَ، أدارَ الذراعَ
فضاعتْ من البوقِ أنغامُ ساحرةٌ،
رفرفتْ كالفراشاتِ…
أغلق عينيهِ بضعَ ثوانٍ…
فغابَ أزيزُ رصاصٍ بعيدٍ،
تلاشى انفجارُ قذائفَ…
ها هي ذي الآن غرفةُ حبِّهما جنّةٌ؛
لا يدُ الشرِّ عاثت بها…
لا نحيبٌ… دماءٌ…
نعم هو طيفٌ قبيحٌ؛
تشبّثَ في كلِّ شيءٍ
وها هو ذا الآنَ يهربُ
تقذفهُ النغماتُ بعيداً
وتذروه شرقاً
وغربْ.
6 أيار 2018
مشهد19
قربَ مفرقِ قريتها
وقفت تترقَّبُ حافلةَ الصُّبحِ:
– لن تتأخَّرَ، والدربُ آمنةٌ،
والحواجزُ صارتْ صدى.
وتُتابعُ سربَ فراشٍ
يحوِّمُ فوقَ أزاهيرِ نيسانَ…
تضحكُ لاهيةً:
قالَ لي أنتِ مسكونةٌ بالرياحِ،
ولكنَّ قلبكِ غِرٌّ…
وتضحَكُ ثانيةً؛
لا تحبُّ الدُّخولَ إلى قاعةِ الدرسِ
بَعدَ المُدرِّسِ؛
سوفَ يُحَدِّجُها الأشقياءُ بأنظارِهمْ،
وستَطفرُ من وجنتيها الزهورُ،
ويطفو الشذا،
تتأمَّلُ ساعتها…
أفقٌ من بهاءٍ تزيِّنه الطيرُ
ظلَّلَ أجفانها،
شَجَرٌ يتناوَحُ ملءَ المدى.
ما رأت كيفَ تنفَتحُ الآنَ
أبوابُ سيّارةٍ!
كيفَ حاقَ بها الليلُ!
تُحمَلُ ريشَةَ طيرٍ،
وتُرمى على مَقعَدٍ بينَ مَسْخينِ
تصرُخُ
يَجفَلُ سِربٌ من الطيرِ
يهجَعُ في الشجراتِ القريبةِ،
يزقو…
ويضربُ في الريحِ مُبتَعِدا.
16/6/2018
مشهد 20
إلى روح مهند
حبسَ الصحبُ أنفاسَهَمْ
واجمينْ!
كان علجٌ تلفّعَ بالليلِ
قد وضعَ الآن خنجرَهُ تحتَ ذقنِ الفتَى
وجثا مثلَ ثورٍ على الجسدِ الغضِّ
صَاحَ مُحمّدُ: «ما ذنبُهُ؟!»
رَدَّ صابِرُ: «ذنبُ العصافيرِ حينَ تُغرِّدُ!
ذنبُ الكرومِ تقدّمُ للناسِ لوزاً وتينْ!»
ثُمّ تمتمَ سلمانُ: «أجدادُهُ… قرؤوا ما تنزلَ
من سورٍ
مثلما يقرأُ العاشقونَ أناشيدَهم…»
قفزتْ من جواريَ ليلى
وقد بلَغَ النَصْلُ حنجرةَ الطفلِ…
خضَّلَ دمَعٌ دمٌ مُقلتيها…
فهبّتْ نسائمُ مثقلةٌ بزفيرِ «تلولِ الصفا»
بنحيبٍ بعيدٍ
وهمهمةٍ
ونواحِ مئات السنينْ!
السويداء 7/8/2018
المشهد 21
كانَ من قبلُ يحلمُ أن يعتلي مِنبراً،
أن يُحدِّثَ أحدوثُةً،
أن يُقدِّمَ نقداً عن الأدبِ العربيِّ؛
يقولَ الكثيرَ… القليلَ من الكلماتْ!
كانَ… كانَ…
وها فجأةً جاءتِ الحربُ
صارَ هو المتحدِّثَ باسمي وباسمِكَ،
صارَ لهُ الصدُر دوني ودونَكَ…
مَثّلَ كُلَّ الذين مضوا
في درُبِ الكتابةِ؛
من عاشَ منهم
ومن قدْ طواهُ المماتْ!
كانَ من قبلُ يَحْلُمُ أن يعتلي مِنْبَراً…
وهوَ اليومَ يُسْبِغُ مِنْ نُعمياتِهِ
ما قدْ يَرى للورى من صفاتْ!
وما شاءتِ البارحاتُ أواناً
وما شاءتِ السانحاتْ…
كانَ من قبلُ…
ثُمّ هو اليومَ
يكتبُ للمبدعينَ
صكوكَ الحياةْ.
3/12/2017
مشهد 22
طفلتانِ تنامانِ فوقَ بلاطِ الرصيفْ
توسَّدتا حُزمتي ورقٍ
ورمتْ فوقَ جسميهما جارةٌ
قطعةً من دثارٍ قديمٍ خفيفْ
يمرُ المشاةُ بقربِهما مُسرعينَ
ويخشى التوقّفَ سِربٌ من السيّداتِ الحِسانْ!
طفلتانْ
كزنبقتينِ
يرفرفُ حولهما حُلمٌ كالفراشةِ:
أمٌّ تُعدُّ الفطورَ… تناديهما
وأبٌ… أشَعَلَ الآن مدفأةً؛ تهدرُ النارُ فيها
وما زالتا تغرقانِ بدفءِ فراشٍ وثيرٍ
وأغطيةٍ من فراء وصوفْ!
12/11/2018
مشهد23
إلى روح الطفل وسيم
كان اسمُهُ وسيمْ
تعرِفُهُ الحارةُ من غَمَّازتينِ
تبسِمانِ فجأةً إنْ وَضَعتْ مُحسنَةٌ في كَفِّهِ
«عروسَةَ الزَّعتر»
أو فنجانَ شايٍ ساخِنٍ…
تَرتَجِفانِ قبلَ أنْ تنهَمِرَ الدمعَةُ
إنْ صَاحَ بهِ غليظُ قلبٍ عابرٌ…
كانَ اسمُهُ وسيمْ
يعرِفُهُ الرصيفُ من وقعِ حذاءٍ
باهتٍ قديمْ؛
تَركةٍ خَلَّفَها الوالدُ ما بينَ ركامِ منزلٍ،
أحالهُ القَصفُ إلى جَحيمْ،
تَركةٍ لا تدفَعُ البردَ ولا الطينَ،
وتُمسي لُعبَةً مُضحِكةً لصبيةِ الحيِّ؛
يعودونَ من الدرسِ
إلى نعماءِ بيتٍ دافئٍ…
هذا الصباحَ لمْ تجدْ دوريّةُ الجنودِ
إلَّا كيسَهُ… حِذاءَهُ الوفيَّ قُربَ جُثَّةٍ
أكلها الدودُ، وغَطّى ما تبقّى
ألفُ سربٍ من ذبابٍ أزرقٍ
يحومْ.
دمشق 4/12/2016
مشهد 24
– هذي الحياةُ طويلةٌ جداً،
كنهرٍ قادمٍ من ظلمةِ الأعماقِ
نحوَ النورِ- قالَ الجدُّ-
فانظُرْ ما الذي تسْطيعُ أن تُعطيهِ،
أنْ تُهديهِ للدنيا؟!
وبدِّدها كمالٍ زائلٍ،
في راحتي رجلٍ كريمْ.
– هذي الحياةُ طويلةٌ جدّاً – تقولُ المرأةُ الثكلى- كخيطِ العنكبوتِ،
كنصلٍ سيفٍ باردٍ،
– هذي الحياةُ قصيرةٌ جداً – يقولُ مُجنَّدٌ
ثقبَ الرصاصُ ضلوعَهُ-
روحي تَشبَّثُ بالحجارةِ،
تطرقُ الأبوابَ منذُ الفجرِ،
ثمَّ تفرُّ كالرجلِ الغريبِ…
وراءهُ تعدو كلابُ الحيِّ؛
لا ترتدُّ عنهُ مُضرَّجاً بدمائه،
إلّا وقد عبرَ التخومْ.
دمشق 8/2/2019
مشهد 25
ويُتمتِمُ الرجلُ السمينُ:
– أنا أبيعُ الفردتينِ معاً!
وحاولَ أن يعيدهما إلى رفٍّ أنيقٍ
خلفَ واجهةِ الزجاجْ.
فتبسَّمَ الجنديُّ،
قَرَّبَ نحوهُ الكُرسيَّ:
عندي من يُقاسمني الحذاءَ.
وأبصرت عيناهُ أجساداً
يطيِّرُها الجحيمُ،
نثارَ أشلاءٍ،
وأُفْقاً من عجاجْ.
دمشق 1/4/2019
العدد 1208 – 8 – 10 -2024