الثورة – حلب – جهاد اصطيف:
مع انطلاق تجربة الدفع الإلكتروني في سورية بداية العام الحالي، وبرغم أن الحكومة أعلنت مسبقاً أن الدفع سيكون إلكترونياً بشكل ملزم للكل، إلا أنه يمكننا القول إن التجربة فاجأت الكثير من المشتركين بعدم تمكنهم من دفع فواتيرهم عبر شبكة الأنترنت، الأمر الذي تسبب بالعديد من المشاكل للمواطنين، أهمها الضغط على الشبكة، وسواها..
الغاية من التجربة
بالطبع كان الهدف من تعميم عملية الدفع الإلكتروني هو على ما يبدو وجود حساب إلكتروني لكل مواطن، والتخلص من حمل النقود، إذ إن العديد من المؤسسات الحكومية، مثل شركات المياه – التي لم توفق حتى الآن بالتجربة – والهاتف والإنترنت والكهرباء ومؤسسات وزارة النقل وغيرها لاحقاً، قد أعلنت نهاية العام الماضي أنها سوف تتوقف عن استقبال عمليات الدفع لفواتيرها يدوياً، وقصر ذلك على الدفع الإلكتروني.
وفي تعليقات على هذه المسألة، طالب وقتها العديد من أصحاب الخبرة والرأي بإيقاف إلزامية دفع الفواتير إلكترونياً إلى حين تنتهي معالجة البديهيات التي لم يتم الانتباه إليها ولا حسبانها قبل هذا التحول، مؤكدين وقتها أنه لا توجد أصلاً تغطية لشبكة الأنترنت في أقسام واسعة من الأرياف، وحتى المناطق المغطاة لا تتحمل شبكاتها ضغط ملايين عمليات الدفع في نفس الوقت، وأن مخدمات عمليات الدفع لا تتحمل هذا العدد من العمليات في وقت واحد، وليس ذلك فحسب، بل إن الوضع الحالي للدفع الإلكتروني لا يتوافق مع الغاية منه، لأن الموظفين يلزمهم أن يسحبوا رواتبهم من بطاقاتهم ليصرفوا منها مصاريف حياتهم، وإذا أرادوا دفع فواتير الهاتف الخلوي مثلاً، يجب عليهم تغذية حسابهم نقداً، ثم إجراء عملية الدفع الإلكتروني، أي أن الدفع الإلكتروني يضيف إلى معاناة المواطنين والموظفين، ولا يقدم فائدة للطرفين!.
الاتصالات أنموذجاً
في حين نجد أن الشركة السورية للاتصالات على سبيل المثال استعدت حقيقة “فنياً وتقنياً” لخطوة الدفع الإلكتروني، وقامت وقتها بحملات توعية للمستخدمين الذين لا يمكنهم التعامل مع الأمور الفنية عبر قنوات الدفع الإلكتروني، شملت كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقدرت في حينها تنفيذ نحو ٢٠٠ ألف عملية دفع إلكتروني في اليوم الواحد، واعتبرت مع مرور الأيام الأولى من التجربة أن هذا مؤشر جيد لاستجابة المواطنين لثقافة الدفع الإلكتروني.
المواطن يبقى مستاء
غير أن العديد من المواطنين ممن التقتهم صحيفة الثورة، عبروا عن استيائهم من عدم تمكنهم من الدفع الإلكتروني، لأن التطبيق المخصص للدفع لا يستجيب بسبب شدة الضغط عليه كما يبدو.
وقال “هاني”: إنه أخفق مرات عدة في تسديد فاتورة الهاتف إلكترونياً، لينتهي به المطاف إلى قطع الخدمة عنه نتيجة عدم الدفع، وقال مشترك آخر: إنه لم تظهر في التطبيق قيمة الفاتورة، وإنه لم يتمكن من الدفع لأن التطبيق كان لا يعمل في الكثير من الأحيان.
في حين وجد كثيرون في مسألة الدفع الإلكتروني لتحصيل فواتيرهم عبر تطبيق مرفق بالحسابات البنكية، طريقة للاستفادة في تحصيل دخل جديد أو زيادة دخلهم الشهري إن كانوا موظفين.
سمية – موظفة، قالت؛ إنني أقدم خدمات الدفع الإلكترونية لزملائي في العمل وجيراني في الحي، حسابي البنكي في المصرف نشط، لذا أستطيع دفع الفواتير مقابل عمولة بدأت بـ ١٠% بعد فرض تسديدها بطريقة إلكترونية بأيام، ثم ارتفعت بعد ذلك لتصبح نحو ١٥ %.
وتضيف أنها تقدم الخدمات لكثيرين لا يملكون حساباً بنكياً في المصرف، أو لكبار السن الذين لا يعرفون كيفية استخدام نظام الدفع.
وتردف: هؤلاء الكبار في السن، لا يجيدون استخدام نظام الحسابات البنكية، ويخافون من الاستخدام الخاطئ الذي قد يتسبب بفقدان مبالغ كبيرة من أموالهم، لذا أنا أساعدهم في الدفع وآخذ ثمن تعبي، وما أحصل عليه من عمولات يصل إلى ضعف راتبي الشهري، ما يساعدني على مواجهة موجات الغلاء المستمرة.
أحد المتابعين وافق “سمية” فيما قالته عن أسباب اللجوء إليها لتسديد الفواتير إلكترونياً، وأضاف أن انقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم وعدم توفر شبكة الإنترنت وعدم تمكن الكثيرين من استخدام الصرافات، يدفعهم لتقليل العناء والذهاب نحو من امتهن دفع الفواتير كمهنة لتسديد ما عليهم من التزامات.
“يزن” يعمل لدى محل لبيع وصيانة الهواتف قال: إنه يمتلك حساباً في المصرف، ونجح بالحصول على تطبيق الدفع الإلكتروني ورمز تفعيله بفترة قصيرة، لكن هذا لم يفده كثيراً في تسديد الفواتير، خاصة عندما يغلق التطبيق أو يقف لأسباب متعددة، مضيفاً أن فترة توفير الخدمة قصيرة وفي حال عدم تسديد الفاتورة سيفرض على صاحبها غرامة تأخير، لذلك رغم امتلاكي للحساب والتطبيق ومعرفتي بطرق الدفع إلا أنني مضطر للذهاب إلى مندوبي شركات تسديد الفواتير الخاصة مقابل عمولة كبيرة.
خطوة رائدة ولكن!
إذاً.. مما تقدم نجد أنه مع كل قرار تتخذه الحكومة، تظهر بعد فترة وجيزة مجموعات تستغل هذه القرارات لمنفعتها الخاصة، والمطلوب دون أدنى شك إزالة عقبات الدفع الإلكتروني، أهمها تقوية الشبكة وتأمين ما يلزم لتوعية وتشجيع المواطن للإقدام على استخدام هذه الخطوة الرائدة، إن طبقت بالشكل المثالي والمطلوب.