الثورة- منهل إبراهيم:
يبدو أن التأثير الواضح للسياسات الجديدة الأمريكية في ظل الرئيس المنتخب دونالد ترامب هو فرض ضغوط متزايدة على أوروبا في انعكاس أولويات أمريكا تجاه روسيا وربما الصين، وتلعب المجر تحت قيادة فيكتور أوربان وسلوفاكيا تحت قيادة روبرت فيكو بالفعل مع كل الأطراف، وبمرور الوقت، قد ينتشر هذا إلى دول أوروبية أخرى.
وفي هذا الصدد قال مدير برنامج الجنوب العالمي في معهد “كوينسي” الأمريكي، سارانغ شيدور في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، إنه “في ظل عودة دونالد ترامب المذهلة إلى الرئاسة الأمريكية، يتدافع حلفاء أمريكا لتهنئته، وخلف رسائلهم الرصينة التي يبعثونها، ينشأ قلق ملموس من أن تعاملهم واشنطن قريباً باعتبارهم مجرد بيادق على رقعة الشطرنج العالمية”.
وأضاف في المقال أنه “سوف يكون هذا بمثابة تغيير كبير، وتحت قيادة الرئيس بايدن، أولت الولايات المتحدة، التي تعمل على شحذ تنافسها مع الصين وتسعى إلى مواجهة حرب روسيا مع أوكرانيا، أهمية كبيرة لتعزيز تحالفاتها وشراكاتها”.
واعتبر الكاتب أن “هناك الكثير مما يشير إلى نجاحها، فقد حشد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، قوته بقوة ضد روسيا، والآن تحاكي أوروبا استخدام أمريكا للتجارة سلاحاً ضد الصين، أما اليابان، فقد اقتربت من الحلف من خلال زيادة إنفاقها العسكري، والانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، وتشكيل علاقات أقوى مع كوريا الجنوبية، الواقع أن الفلبين، بعد فترة من الاغتراب، بدأت في تشكيل جبهة مشتركة ضد الصين، وظلت الهند شريكاً وثيقاً.
وقال “نحن أقوى من أي وقت مضى”، هذا ما استطاع أن يتباهى به بايدن في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي هذا الصيف”، وفقاً للمقال، مشدداً على عدم قدرة الولايات المتحدة في عالم يتسم بشكل متزايد بالتعددية على الاعتماد على ولاء حلفائها، مشيراً إلى أن القوة الأمريكية المهيمنة لم تعد صالحة.
ولكن إذا أمعنت النظر، حسب الكاتب، فسوف يظهر اتجاه آخر تكشف بهدوء.
فقد كان حلفاء وشركاء أمريكا يتحوطون برهاناتهم أيضاً، ويبحثون بشكل متزايد عن ترتيبات بديلة مع بلدان ليست في فلك الغرب، وهذا التطور، الأقوى في الجنوب العالمي لا يحركه قادة فرديون بقدر ما يحركه هيكل النظام الدولي. وفي عالم يتسم بشكل متزايد بالتعددية والمعاملاتية، لم يعد بوسع أمريكا أن تعتمد على ولاء أصدقائها. وهذا يحدث بالفعل، ولا علاقة له بترامب.
وقال شيدور إنه “منذ سنوات، ابتعد حليفان أمريكيان في العالم النامي، تركيا وتايلاند، عن الولايات المتحدة، فقاما بالوقوف في الوسط بينها وبين منافسيها، فقد أدانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن تركيا لم تنضم إلى العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، بل عمدت بدلاً من ذلك إلى تعميق علاقاتها التجارية والطاقة مع موسكو وإشراك روسيا وأوكرانيا في صياغة اتفاقية تصدير الحبوب للأسواق العالمية والتي استمرت حتى الصيف الماضي”.
وفي تايلاند، لفت الكاتب إلى أن “الجهود الرامية إلى السعي لمشاركة أكبر بكثير مع الصين تسارعت بشدة. ونظراً لعدم وجود نزاعات إقليمية مع بيجين والحاجة إلى إدارة التداعيات المترتبة على الحرب الأهلية في ميانمار المجاورة، فقد عززت تايلاند علاقاتها الاقتصادية، وعززت التدريبات العسكرية، وهي الآن تشتري أكثر من 40 بالمئة من أسلحتها من الصين”.
وفي هذا العام، وكأنها تؤكد على انفصالها عن الولايات المتحدة، انضمت تركيا وتايلاند إلى مجموعة “البريكس” غير الغربية، بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، كدول شريكة، حسب المقال.
وقال الكاتب إنه “صحيح أن التحوط لايزال اتجاهاً ناشئاً وليس مهيمنا بين حلفاء أمريكا وشركائها الأمنيين، ولكن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لمزيد من ذلك، فبدلاً من الإقصاء والطرح، يمكن لواشنطن في الاستجابة أن تجرب حساباً جديداً: الجمع. وهذا يتطلب منها التخلي عن فكرة الاستثنائية الأمريكية ــ أمريكا كزعيمة للحضارة نفسها، تحارب الهمجية ــ وتبني استراتيجية تحوط خاصة بها”.