الثورة – سومر الحنيش:
في عالم اليوم، لم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي أو تنافسي، بل أصبحت واحدة من أكبر الصناعات الاقتصادية التي تدر مليارات الدولارات سنوياً، كرة القدم وحدها على سبيل المثال، تتحول في العديد من الدول إلى مهرجان اقتصادي، حيث تجذب استثمارات هائلة من خلال البث التلفزيوني، والإعلانات، والرعايات التجارية.
في سوريا، يمكن أن تصبح الرياضة فرصة اقتصادية مهمة في مرحلة ما بعد النظام البائد، إذا ما تمت إعادة هيكلتها برؤية استثمارية حديثة، ومع ذلك فإن الطريق طويل ومليء بالتحديات التي تتطلب استلهام تجارب ناجحة وآراء خبراء وممارسين.
الواقع المرير.. والفرص الضائعة
لا يخفى على أحد أن الرياضة السورية تعيش في غرفة إنعاش، ملاعب متهالكة، إدارات رياضية تفتقر إلى الكفاءة، وأندية تعتمد على الدعم الحكومي الذي بالكاد يغطي احتياجاتها الأساسية، بينما العالم حولنا ينجح في تحويل الرياضة إلى مصدر دخل قومي، على حين بقيت سوريا على الهامش.
تجربة قطر وتركيا، على سبيل المثال، تثبت أن الاستثمار في الرياضة قادر على دفع عجلة الاقتصاد، قطر على سبيل المثال، أصبحت وجهة رياضية بفضل تطوير بنيتها التحتية واستضافتها بطولات كبرى، وهو ما ساهم في جذب الاستثمارات وخلق آلاف فرص العمل.
آراء وتجارب من الميدان
يقول المدرب ياسر المصطفى: “الملاعب السورية تفتقر إلى أبسط المعايير التي تجعلها جاذبة للاستثمار، عندما كنت أشارك في بطولات خارجية، كنت أرى كيف أن الملاعب الحديثة تتحول إلى مراكز تجارية ورياضية في آنٍ واحد، فعوضاً عن ملاعب تُغلق أبوابها بعد نهاية المباريات، لماذا لا تتحول إلى مجمعات متعددة الاستخدامات؟ تخيل ملعباً يضم مقهى، صالات عرض، وحتى مراكز تدريب تدر دخلاً على مدار الساعة، الأمر ليس خيالاً؛ ففي تركيا، تجني الأندية ملايين الدولارات من حقوق البث وحفلات النجوم العالمية التي تقام على ملاعبها!
ويضيف الخبير الاقتصادي محمد الأحمد: “تحويل الرياضة إلى قطاع اقتصادي ناجح يتطلب استثمارات طويلة الأجل في الملاعب والمنشآت الرياضية، إذا تمكنت سوريا من تنظيم بطولات إقليمية أو دولية، وتطوير شبكات البث التلفزيوني، فستكون هذه خطوة كبيرة نحو تحويل الرياضة إلى صناعة مربحة.”
كيف نُحوّل الرياضة إلى صناعة اقتصادية؟
من خلال إعادة تأهيل الملاعب، نحن بحاجة إلى ملاعب حديثة تفي بمعايير الاتحاد الدولي، وتضم مرافق تجارية وخدمية تدر أرباحاً إضافية.
وخصخصة الأندية الرياضية وتحويلها إلى شركات استثمارية، مما يتيح تنويع مصادر دخلها عبر الرعايات، وحقوق البث، وبيع التذاكر، وهو ما ثبت نجاحه في دول مثل تركيا ومصر.
واستثمار البث التلفزيوني، فحقوق بث المباريات يمكن أن تكون مصدراً كبيراً للدخل، خاصة إذا تم تحسين مستوى الدوري المحلي، وجعله جذاباً للجماهير داخل سوريا وخارجها.
وفي خطوات لاحقة، تعزيز السياحة الرياضية، من خلال استضافة بطولات إقليمية ودولية والتي ستعزز السياحة الرياضية، خاصة في المدن ذات الطبيعة الجاذبة، مثل اللاذقية ودمشق.
وتسويق الرياضة، فيمكن للعلامات التجارية المحلية والدولية أن تجد في الرياضة السورية منصة للإعلان والترويج، إذا تم تحسين صورة الرياضة وتطويرها لتصبح منتجاً جاذباً.
تجارب دولية ملهمة
قطر استخدمت الرياضة كأداة دبلوماسية واقتصادية، من خلال استضافة كأس العالم (٢٠٢٢) وهو ما جلب لها استثمارات ضخمة ورفع مكانتها عالمياً.
تركيا حوّلت أنديتها إلى مؤسسات اقتصادية مدرة للدخل، مع بناء ملاعب عالمية المستوى، قادرة على جذب الجماهير والاستثمارات.
الرياضة ليست رفاهية بل فرصة اقتصادية،
ولا يمكن إنكار التحديات في البنية التحتية المدمرة، والعقوبات الاقتصادية، وضرورة إعادة الثقة للمستثمرين، لكن لو بدأنا بخطوات صغيرة، مثل تأهيل ملعبين رئيسيين، وإطلاق دوري مصغر برعاية شركات محلية، وتدريب كوادر إدارية على النموذج الحديث لإدارة الأندية، فسنصنع قاعدة صلبة لصناعة رياضية تعيد الحياة ليس فقط إلى الملاعب، بل إلى الاقتصاد السوري ككل، فالرياضة قد تكون أقصر طريق لإحياء سوريا، من أرض الملعب إلى العالم.