ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير-علي قاسم :
لم تكن الممارسات الغربية تحت مجهر الوقائع كما هي اليوم، في ظل معطيات ترفع من منسوب المغالطات في مقاربة المسائل الملحة بوجوهها المتعددة خصوصاً ما برز منها بعد الأحداث الإرهابية في فرنسا.
الواضح أن تلك المقاربات محكومة بما توافر من نسق سياسي غالى في تجاهل الحقائق، ومارس إلى حد سافر دور المحرض على نشر التطرّف وتغذية أدوات دعمه وتمويله، وغض الطرف عن إمبراطوريات إنتاجه المدججة بالمال والفكر الظلامي بوجهه الوهابي ونسخته الإخوانية المعدلة لاحقاً.
الأخطر ما تغفله هذه المقاربات اليوم من متلازمة الربط بين ما جرى وبين ما قامت به على مدى السنوات الماضية، حيث ترى فيه مجرد التباس في الوجهة، لأن ما أنتجته وما عملت عليه لم يكن يفترض به الاتجاه الى أراضي الغرب، بل أمامه خياران إما المكوث حيث أوجدته، أو الاتجاه نحو الشرق وليس الارتداد، لأن أياديه التي رسمت مساره كانت تتحضر لرسم خرائط للمنطقة إحداثياتها تنتجها ما تؤول إليه عمليات الإرهاب, الذي تعرفه بالإسم والنوع والتبعية والمكان والزمان، والمفارقة ليست في النتائج فحسب، بل أيضاً تطول التدابير التي تعاني من خلل مطابق لمقاربة الغرب وعلاقته بالإرهاب، حيث الجدل لا يتطرق إلى الأسباب بقدر ما يحاول أن يستغل النتائج لتسويق خطاب قاصر ومهزوز يشبه ساسة الغرب في طغيان حالة الهذيان السياسي، محاولاً تجيير ما نتج ليحصد مجداً شخصياً أكثر مما يبحث عن جذر المشكلة، ولو كان بطريقة العلاج الاستباقي، التي لا يلجأ إليها إلا حين يمارس عدوانه على الشعوب الأخرى.
ولعل التعليقات والتصريحات الأوروبية -الفرنسية تحديداً- بعد الاعتداء الإرهابي المدان، تعكس الحالة السياسية وإن حاولت تقمص دور غير دورها أو المزاودة بالشعارات والأكاذيب المفضوحة أمام الملأ، خصوصاً حين تخلط بين الإرهاب والسياق الذي أنتجته الأصابع الأوروبية ومختبرات أجهزتها الاستخبارية، التي تعرف بدقة وبالتفصيل ماذا لديها وكم دربت من الإرهابيين، وكم أرسلت او سهلت مرورهم، وكم معسكراً احتاجت لتضمن وجودهم، وكم دولة في المنطقة قدمت تلك المعسكرات تبرعاً وبعضها هبة تحت الطلب أو لاحقة الدفع السياسي في سياق الدور الوظيفي المنوط بها، أم كان مبادرة من تلك الدول وبالحاح لم يتردد الغرب في تلقفه والاستزادة عليه.
لسنا بوارد الاستفاضة في عرض القرائن والأدلة التي لا تنتهي، ولسنا في حاجة لإعادة التذكير بها وقد باتت ممسوكة بالشواهد لدى الشعوب الغربية والأوروبية، التي تستشعر خطر ساستها وقراءتهم لما يجري، أو قد يجري، بل المهم ألا تبدو تلك ذريعة ليوغل الغرب في سياسة النعامة، أو أن يعمل ساسته لتجيير ماحدث لإثبات عدائيتهم المطلقة تجاه الشعوب الاسلامية، تحت حجة مكافحة الإرهاب وليكون حصان طروادة من أجل فصل جديد من فصول المجون الغربي.
هنا تبدو النقطة الفاصلة بين ما كان وما يجب أن يكون، حيث الإرهاب عدو الجميع حتى الذين زرعوه ومولوه مع حماته ومنتجيه، ويتساوى خطره مع الأدوات الإقليمية التي لاتزال تحتضنه وتموله وتتشارك مع أميركا في إقامة معسكرات تدريبه، وتنسق لافتتاح المزيد من تلك المعسكرات كما بات معروفاً عن الخطوات الأميركية التركية في هذا الشأن.
إن الفرصة لا تزال متاحة للتشارك في مكافحة الإرهاب، ولكن تشترط وجود إرادة سياسية حقيقية، وتشترط أيضاً إنهاء تحالف الغرب مع الأدوات المنتجة له من دول وظيفية، ويتطلب الخروج من حالة الالتباس أو الوهم بأن الإرهاب يمكن أن يحصر حركته في اتجاه واحد، أو أن فتح قنوات مروره باتجاه واحد قد تحول دون أن يجد مساربه ومسالكه الخاصة للعودة من حيث انطلق.
a.ka667@yahoo.com