الثورة – حسن العجيلي:
تحوّل الزواج من بداية لحياة سعيدة تتوج قصة حب.. إلى دفتر ديون يؤرق ليالي وأيام العروسين لسنوات وليسددوا تكاليف سكن بسيط وفرش وفرحة ليلة الزفاف، فتحول الزواج في حلب من مشروع اجتماعي تكلله العواطف إلى مشروع استثماري تحكمه الديون في ظل غياب مبادرات مجتمعية تأخذ بيد الشباب.
مهور مرتفعة
“صرفت كل مدخراتي وما ساعدني به أهلي من نقود لاستئجار منزل وتأثيثه بأثاث بسيط.. واليوم أحاول الاستدانة لتغطية تكاليف ليلة الزواج”.. يقول إبراهيم الشاب الثلاثيني من سكان حي مساكن هنانو، الذي كان يعتزم الزواج خلال الفترة القادمة.
ويصف إبراهيم حاله في حديثه لـ”الثورة” أنه لا يختلف عن حال الكثير من الشباب في هذا البلد، مع اختلاف فقط في التفاصيل، يقول: “أعجبت بزميلتي في الجامعة وتقدمت لخطبتها إلا أن طلبات أهلها لم تكن منطقية وفوق طاقتنا المادية، فغلاء المهور وطلبات الأهل من ذهب وتفاصيل حفلات الخطبة والعرس تجعل الزواج صعباً للغاية، والمهر حالياً يحدد بغرامات الذهب والبعض يطلب نحو 50 غراماً مهراً معجلاً، ومثلها أو أكثر مهراً مؤجلاً، ما عدا “المليك” الذي لا يقل عادة عن نفس وزن المهر، الأمر الذي تسبب بعزوفي عن الزواج والابتعاد عن الفتاة التي أحببتها.
خلافات قبل العرس
يروي هاشم- شاب ثلاثيني، يستعد للزواج قصته التي يصفها برحلة معاناة ومغامرة، يقول: بدأت رحلتي بعد الخطبة والاتفاق بالتجهيز للعرس بدءاً من استئجار المنزل الذي لا يقل عن مليون ليرة شهرياً في حي شعبي، ومن ثم فرش المنزل واشتريت غرفة نوم مستعملة وذات نوعية متوسطة بسبعة ملايين ليرة، وغرفة جلوس مستعملة أيضاً بأربعة ملايين ليرة ومستلزمات مطبخ من براد وفرن غاز وغسالة أيضاً مستعملات بمبلغ عشر ملايين ليرة.
ويضيف: المفاجأة كانت بتكلفة ليلة الزفاف ومع أنني اختصرت الكثير، فقد ألغيت حفل الرجال واقتصر الحفل على سهرة مع أقاربي وبعض أصدقائي على سطح منزل قريب لنا، إلا أن حفل النساء لابد منه وهنا ظهرت التكاليف الكبيرة التي تفوق تجهيز منزل بسيط، فيبلغ آجار صالة العرس بدءاً من 5 ملايين ليرة ويصل إلى 20 مليون لبعض الصالات والبعض الآخر أغلى بكثير عدا عن تكلفة الضيافة والـ DJ، ليتبعها أجور فستان الزفاف وتصفيف شعر العروس والمكياج، مؤكداً أنه اختلف وخطيبته أكثر من مرة بسبب هذه التفاصيل وكادا أن ينفصلا قبل العرس بفترة لا لشيء إنما بسبب الخلاف على سعر آجار فستان الزفاف.
فرحة بالأجرة
فستان الزفاف حلم كل فتاة لكنه أصبح كابوساً بسبب ارتفاع ثمنه أو حتى آجاره.. تقول سعاد- خطيبة هاشم، وهي توافقه الرأي على كل ما قاله حتى الخلافات بينهما بسبب تكاليف الزواج، مضيفة: مع أن آجار فستان الزفاف مرتفع ويتم ارتداؤه لمرة واحدة، لكنه ضروري وحلم كل فتاة في ليلة العمر لها ولعريسها، فآجار فستان العروس يبدأ من مليوني ليرة في حين أن شراء فستان يبدأ بخمسة ملايين وينتهي بعشرات الملايين، أما تصفيف الشعر فيبدأ من مليون ليرة ويستمر بالصعود حسب موقع الصالون وشهرة المصفف أو المصففة، عدا عن الإكسسوارات.
اختصار الفرحة
تؤكد سعاد أن تكاليف العرس مرتفعة وتحاول هي وخطيبها الاختصار قدر الإمكان، لكنها تضيف بابتسامة حزينة: تبقى ليلة العمر ونحاول أن نرسم فيها شيئاً من سعادة مسروقة في ظل ما نعانيه من أحزان وآلام ترافقنا منذ سنوات، ونسعى لاستئجار كل شيء لهذه الليلة لنفرح حتى وإن كانت ” فرحة بالأجرة ” كما تصفها.
ولا يخفي هاشم وسعاد استغرابهما من ارتفاع تكاليف الأعراس، مؤكدين أن سعر صرف الدولار انخفض منذ التحرير، ولكن هذا الانخفاض لم ينعكس بشكل كبير على أسعار العديد من المواد، مضيفين: إجابة أكثر العاملين في مجال مستلزمات الأعراس بأن تكاليف المواد مرتفعة من أقمشة وإكسسوارات ومستلزمات صالات الأفراح وهو ما يتسبب بارتفاع تكاليف الأعراس على حد زعمهم.
ويشير هاشم إلى أن تكاليف الزواج قبل الحرب كانت أقل بكثير ومن الممكن تأمينها وكانت كلها لا تتجاوز تكلفة استئجار منزل حالياً لعدة أشهر، لكن التكاليف حالياً تضاعفت كثيراً بدءاً بأسعار الذهب مروراً بإيجارات المنازل وتأثيثها وانتهاء بتكاليف العرس، مؤكداً أن التجار يرجعون هذا كله إلى التضخم وتضاعف سعر صرف الدولار خلال سنوات الحرب.
أفراح مؤجلة
تتكرر معاناة الشباب حول تكاليف الزواج وليلة العمر، والبعض يؤجل زواجه بسبب هذه التكاليف، كما يروي وائل في حديثه، مضيفاً: تم تأجيل زواجي للعام القادم بسبب تكاليف حفل الزواج، ومع أنني أملك منزلاً إلا أن تكاليف ليلة العرس تحتاج إلى ميزانية كبيرة لا أملكها حالياً، وأرغب أنا وخطيبتي في أن يكون زفافنا ذكرى جميلة ترافقنا مدى العمر بالرغم من تكاليفها التي سترافقنا هي الأخرى لسنوات.
ارتفاع تكاليف الزواج في سوريا يطرح العديد من الأسئلة على أبناء المجتمع لعل أبرزها هل الزواج يبنى على الحب أم على الملاءة المالية؟ فما بين ديون متراكمة وحفلات بالأجرة تضيع أحلام الشباب وتتحول إلى كوابيس وأعباء تطاردهم من بداية حياتهم الأسرية.