الثورة – عمار النعمة:
عرفته منذ سنوات من خلال لقاءاتنا المتكررة في الأنشطة الثقافية والأمسيات الشعرية والفكرية، لايختلف اثنان على محبته للآخرين ودماثته أولاً، وثقافته وطلاقته بالشعر ولغته الجميلة الرصينة ثانياً، ناهيك عن أنه شاعر حقق بصمة جميلة بين زملائه الأدباء، فهو الحريص على ايصال كلماته وأفكاره بكل وضوح وشفافية، أنجز العديد من المؤلفات والكتب الشعرية، وهو يكتب في الدوريات والصحف والمجلات العربية والسورية. إنه الدكتور جهاد بكفلوني الذي التقته صحيفة الثورة لتقلب معه صفحات من تجربته الإبداعية فكان اللقاء التالي:_ بعد النصر والتحرير ماهو دور المثقف اليوم برأيك؟ دور المثقّفِ اليوم وغداً يقوم على ضخّ جرعاتٍ عاليةِ التّركيزِ في عقول الطّبقات الاجتماعيّة على اختلاف مذاهبِها ومشاربِها العقائديّة والمذهبيّة، المثقّفُ مطالبٌ بشدّ ابنِ سوريا إلى الوطن الجريح الذي طالما نزفَ جرحُهُ قيحاً وصديداً؛ ليشمّرَ السّوريّ عن ساعدهِ في عمليّة النّهوضِ بالوطن الذي رسفَ في قيود التّّقوقع والانغلاق والقهرِ والحِرمانِ زمناً طويلاً، يجب أن ينصهرَ أبناء سوريا كلُّهم كتلةً واحدةً، عقلاً واعياً يحترم القانون، يبتعد عن الأنانيّة، يعمل بقول الشّاعر: إن كنتَ محترِماً حقّي فأنت أخي آمنتَ بالله أم آمنتَ بالحجرِ، يترفّعُ عن الحقد متمثّلاً قولَه تعالى: ((يا أيّها النّاسُ إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم))، _ ماذا يعني لك الشعر وأنت تكتبه منذ زمن، ولمن تكتب؟ الشِّعرُ قضيّتي الكبرى، همّي، نصَبي، راحتي، قلقي، اطمئناني، حبيبةٌ لا أملُّها مهما عشْتُ معها، وأراها تزيد جمالاً عاماً بعد عامٍ: وأشهرتْ عنُقاً كالفجرِ معترضاً عارٌ عليكَ أمنّي يتعبُ النّظرُ يزيدُكَ وجهُهُ حُسْناً، إذا ما زِدْتَهُ نظَراً أكتبُ لأبناء وطني وأمّتي، لكلّ مؤمنٍ برسالةِ الشِّعر، نِعمةُ الشِّعرِ، نِعمةُ الشّمسِ لا يُحمَدُ فيها الجحودُ والنّكرانُ وأعيرُ الحزينَ سحْرَ بياني فيعزّيهِ لو يُعارُ البيانُ . _ بدأت العمل في صحيفة الثورة هل هي محطة مهمة في حياتك؟ بالتأكيد ..سقى اللهُ تلك الأيّامَ في صحيفة الثّورة، فهي تنسكبُ أطيابُها في جفاف الرّوح فتهتزّ وتربو، وتنبتُ من كلّ زوجٍ بهيجٍ، وليستْ عشيّاتُ الحِمى برواجعٍ إليكَ ولكنْ خلِّ عينيكَ تدمَعا، بلى إنّ تلك المحطّة كانت واحةً وارفةَ الأفياء يعاودني الحنينُ إليها، فالعمل في حقلِ الإعلام أتاحَ لي الغوصَ العميقَ في قيعان بحار لغتنا العربيّة وما أغناها من بحارٍ، وفتح لي أبواب مغاراتٍ غرفتُ من كنوزها ما أسعفتني الظّروف في الغرْف، _ تجربة التقديم التي قدمتها في التلفزيون ماذا أضافت لك؟ البرامج الحواريّة التي قدّمتُها والبرامج التّلفازيّة الأخرى فتحتْ لي آفاقاً صقلتْ لغتي الإعلاميّة وأغنتْها، فللّهِ الحمدُ على ما أعطى، _ أنت تفضّل شعر الشطرين.. لماذا؟ قصيدة الشّطرين هي القصيدة التي فتحتُ مقلتيّ على مفاتنها منذ سنوات الطّفولة، أنتِ النّساءُ جميعاً ما من امرأة أحببتُ بعدكِ إلاّ خلتُها كذباً، الوزنُ عطرٌ جميلٌ أخّاذٌ يشدُّكَ إلى ما في القصيدة من جمالٍ وجلالٍ، وتأتي القافية وموسيقا الألفاظ فتكتمل أنوثة المرأةِ القصيدة أو القصيدة المرأة، الحسنُ أمرٌ وحقُّ الأمرِ طاعتُهُ وإنّ أمراً هنا تُلقيهِ عيناكِ، _ وماذا عن قصيدة النثر برأيك؟ النّثر جميلٌ وفيه صور مشرقة نضِرة، ولكنّي منحازٌ إلى قصيدة الشّطرين، ولستُ على خصومةٍ مع قصيدة النّثر. _ هل ترى تراجعاً في المشهد الشعري؟ لا أستطيع إنكار وجود حالةٍ من التّراجعِ في المشهد الشِّعريّ، ولم نعدْ نقرأ تلك القصائدً التي يتناقلها النّاس معجبين ببيانها وصورِها وشدّة أسْرِها، وجيلُ الشّباب يستعجلُ قطفَ الثّمرات قبل نضجِها، وأتمنّى أن يعبّ من سلسبيلِ أدبنا العربيّ ما استطاع، ففي هذا العبِّ صقلٌ للموهبة وتحريض لتفجير ينابيعِ الشِّعرِ الذي يبقى، يموتُ رديءُ الشِّعرِ في موتِ أهلِهِ وجيّدُهُ يبقى وإن ماتَ قائلُهْ.

السابق