الثورة – هلال عون:
خصّ الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور فادي عياش صحيفة الثورة بحوار يتضمن رؤيته حول استراتيجية تعافي الاقتصاد السوري الذي يعيش حالة خلل هيكليّ كبير- كما وصفه.
وقد أوضح في حواره أن التعافي الاستراتيجي الذي يقصده يعتمد على مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية التي تهدف إلى تطبيق “استراتيجيات التجنُّب”، بغية تحييد تأثير العقوبات والإجراءات أحادية الجانب الظالمة، والحصار الجائر الذي تفرضه الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها، والذي يعيق أي إمكانية للبدء الفعلي بإعادة البناء والإعمار، ولا يتوقع إلغاء هذه العقوبات والإجراءات في الأمد القريب.
إستراتيجية التجنب Avoidance strategy
ما هي إستراتيجية التجنب، سألته “الثورة” فقال: هي إحدى الإستراتيجيات الأهم لحل النزاعات، وتعتمد “إستراتيجية التجنب” على المواربة والالتفاف على العقوبات بدل المواجهة، ويتبعها الاستيعاب، ثم التسوية، والانتقال بعدها إلى التعاون ثم التنافس، ولكن عبر تكتيكات وأساليب قانونية، وتقوم على التالي:
أولاً: الدبلوماسية الاقتصادية النشطة التي تعتمد المصالح المتبادلة، وتتم من خلال قطاع الأعمال الوطني المحلي والمغترب كواجهة تدعمها الحكومة.
وتقوم الدبلوماسية الاقتصادية على خطط محترفة للترويج للاقتصاد السوري، وللفرص الاستثمارية المتاحة، من خلال خطة علاقات عامة دولية محكمة ومنهجية تقود مزيجاً ترويجياً متكاملاً للاقتصاد السوري والإدارة الجديدة من خلاله، وتهدف إلى تحقيق القبول الدولي.
ثانياً: التعاون والتنسيق التام مع المنظمات الدولية الأممية (منظمات الأمم المتحدة وبرامجها المتخصصة وكذلك الأوروبية) والمنظمات غير الحكومية (NGOs) الفاعلة والقادرة على تأمين منح ومعونات ومساعدات فنية وتقنية وتمويلية هامة ومؤثرة بالاعتماد على مفاهيم تعزيز سبل العيش- التعافي المبكر- البنى التحتية للخدمات الأساسية ولاسيما التعليم والصحة والمياه- برامج الصحة الإنجابية والطفولة والتعليم- الاستدامة.. وما شابهها.
ثالثاً: اعتماد سياسات “المثال المحتذى” لجذب وتعزيز الاستثمار من خلال تحفيز الاستثمار المحلي واستقطاب وتنظيم الرأسمال الوطني المهاجر والمغترب والذي يتجاوز 100 مليار دولار، كونه يقبل المخاطرة لاعتبارات وطنية لا يقبلها الرأسمال الأجنبي ومن خلاله يتم تسلل الاستثمار الأجنبي عبر مشاريع المنظمات الدولية الحكومية، وغير الحكومية من جهة، وعبر أساليب المشروعات المشتركة والشراكات المستترة ولاسيما للمستثمرين الخليجيين.
مقومات لا بدّ منها
يتطلب النجاح في تطبيق استراتيجيات التجنُّب المقومات التالية:
أولاً: فريق عمل مشترك من الرسميين ورجال الأعمال من ذوي الكفاءة والمهنية العالية والعلاقات الضرورية مع المنظمات والكيانات الاقتصادية الدولية.
ثانياً: التركيز وإيلاء الأولوية لدعم الدخل وتعزيز القدرة الشرائية مما يساعد على تنشيط الأسواق المحلية وتحفيز الإنتاج وكذلك تحسين مستوى المعيشة.
ثالثاً: ينبغي أن يتجنب البنك المركزي التشديد السريع لسياساته النقدية للحيلولة دون هروب رأس المال المحلي ونفور الرأسمال الخارجي.
رابعاً: يمكن التصدي لمشكلات الدين وميزان المدفوعات من خلال إعادة هيكلة الديون وزيادة مخصصاتنا من حقوق السحب الخاصة التي يوفرها صندوق النقد الدولي، والتي تعد أحد أشكال الاحتياطيات الدولية القوية والمقبولة.
خامساً: ينبغي توفير الإغاثة الإنسانية، في صورة أغذية وأدوية تحديداً عبر المنظمات الدولية، وهذا يوفر فاتورة ضخمة من الإنفاق العام الجاري الحكومي.
سادساً: تحفيز التكتلات الاقتصادية الكبرى حول العالم للقيام بالمزيد من أجل تنظيم الطلب على الغذاء والطاقة للحد من الضغوط السعرية الناجمة عن ممارسات الاكتناز والمزايدات التنافسية.
سابعاً: اعتماد مفهوم ” تيار الإقلاع” والذي يشكل جوهر مفهوم الاستثمار والذي يقوم على القبول بالتضحية في منافع آنية وتحمل مخاطر حالية للحصول على منافع أكبر بالمستقبل.
متطلبات نجاح تيار الإقلاع
ويتطلب تحسين المستوى العام للدخل من خلال:
أولاً: زيادة مؤثرة في الرواتب والأجور لا تقل عن 400%، ولو كانت من خلال التمويل بالعجز خلال الفترة المؤقتة الراهنة.
ثانياً: إعفاء الرواتب والأجور والإيرادات بجميع أشكالها من الاقتطاعات لفترة محددة ومحدودة لا تتجاوز السنة.
ثالثاً: تحديد دعم نقدي مباشر كمعونة توزع على البطاقة الذكية ولجميع الأسر وفق معايير تراعي عدد أفراد الأسرة، ومعدل الإعالة، وحالات المرض، والحاجات الخاصة، ولمدة محددة لا تتجاوز السنة أيضاً وحصرها في المواد الأساسية فقط.
رابعاً: رفع معدلات الفائدة على الادخار لقرابة 30% للعملة المحلية ولقرابة 6% للقطع.
خامساً: تخفيض تكاليف الإنتاج في كل القطاعات الإنتاجية من خلال الدعم الكامل لحوامل الطاقة للقطاع الإنتاجي، وإعفاء قطاع الإنتاج من جميع الأعباء المالية كالرسوم والضرائب بمختلف أنواعها.
سادساً: دعم الصادرات من خلال اعتماد مفاهيم العلامة التجارية الجغرافية ومفهوم منافسة الدولة في الأسواق الخارجية.
جميع الإجراءات محدودة النطاق وفق أولويات، ومحددة بفترة زمنية كافية للمساعدة على التعافي والنهوض فقط، وتنتهي بعدها ويجب ألا تتجاوز سنتين فقط.
سابعاً: تأسيس بنوك استثمارية لتوجيه وإدارة الاستثمارات ذات الأولوية وتحفيز مساهمة ومشاركة القطاع الخاص من خلال استعادة الثقة المفقودة.
ثامناً: اعتماد وتطبيق مفاهيم الحوكمة في جميع مفاصل العمل الاقتصادي، وهذا يتطلب بيئة تشريعية وقانونية مناسبة، وبيئة تنظيمية ومؤسساتية عالية الكفاءة.
تاسعاً: اعتماد وتطبيق مفاهيم التنمية المحلية والتي تقوم على الإدارة المحلية (المنتخبة واللامركزية) والاستثمار الأنسب للمزايا النسبية والتشاركية المجتمعية، ومبدأ التضافر من خلال التخطيط الإقليمي.