دفع ثمن موقفه من الثورة السورية غربة وتهجيراً.. الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً للجمهورية العربية السورية
الثورة – فخر الصاحب:
قال كلمة حقٍ في وجه سلطان جائر، لم يخشَ لومة لائم، وقف مع أبناء وطنه بكل أطيافه، مدافعاً عن الحرية والكرامة، بوجه أعتى وأفجر نظام ظالم مجرم، فتحمّل أذى وحوش الإجرام في ليلة القدر في جامع عبد الكريم الرفاعي، في أعظم وأفضل الليالي عند الله، خرج من بلده مكرهاً ومهدداً بالقتل، لكنه عاد مرفوع الرأس كما خرج، وها هو اليوم يُعيّن مفتياً للجمهورية العربية السورية، إنه الشيخ العلّامة أسامة عبد الكريم الرفاعي.
منشأ الشيخ أسامة
ولد الشيخ أسامة بن عبد الكريم بن عبد الله الرفاعي في دمشق، عام (1944) لأسرة دمشقية من أصول حَمَوية، وقد سُئل عن نسبهم “الرفاعي” إلامَ يرجع؟ فأجاب: إن أصلهم يعود إلى مدينة حماة، إلى آل السَّبْسَبِي الذين لهم نسَب إلى الإمام الرفاعي الذي ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي.
تلقَّى الشيخ أسامة الرفاعي تعليمَه في مدارس دمشق، والتحقَ بقسم اللغة العربية في كلِّية الآداب بجامعة دمشق، وحصل منها على الإجازة في اللغة العربية وآدابها عام (1971) ولازم والدَه العالم المربي عبد الكريم الرفاعي مؤسس “جماعة زيد” التي ظهرت في الأربعينيات من القرن العشرين، وسُمِّيت بهذا نسبةً إلى جامع زيد بن ثابت الأنصاري بدمشق، الذي كان يدرِّس فيه الشيخ عبد الكريم، وأقام فيه نهضةً علمية ودعوية وتربوية.
موقفه المشرف من الثورة السورية المباركة
وقف الشيخ أسامة الرفاعي، مع شيخ القرَّاء كريِّم راجح، وأخيه العلامة الشيخ سارية الرفاعي رحمه الله، موقفاً مشرفاً مع الثورة السورية المباركة، فكانوا من أبرز العلماء والدعاة الذين أيَّدوا الثورة السورية عام (2011) وناصروها، من داخل سوريا، فجهروا على المنابر بانتقاد النظام وممارساته العنيفة تجاه المتظاهرين السلميين، والدعوة إلى ضرورة الإصلاح، ممَّا جعل النظام يشدِّد عليهم الخِناق، وفي فجر السابع والعشرين من رمضان (1432هـ) الموافق (27) آب (2011 م) هجم عددٌ كبير من شبِّيحة النظام المجرم على جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي، في صلاة التهجُّد، وضربوا المصلِّين والمتظاهرين سلمياً، في ساحات المسجد، وتعرَّض الشيخ أسامة الرفاعي إلى ضرب شديد على رأسه ويده، وأُسعِفَ على إثر ذلك إلى مستشفى الأندلس بدمشق، وأعقب ذلك منعه من الخطابة، وتلقَّى تهديدات بالقتل، فاضطُرَّ إلى مغادرة البلاد، بتاريخ ( 12- 12- 2013) إلى القاهرة، ثم انتقل إلى إسطنبول، واستقرَّ بها إلى أن عاد بعد تحرير سوريا، من نظام الظلم والإجرام، وردَّ النظام البائد على مواقفه بالحجز على أمواله وممتلكاته في سوريا، وبتغيير اسم (جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي) إلى (جامع تنظيم كفرسوسة الكبير) ثم غُيِّر مرَّة أُخرى إلى اسم (جامع عِباد الرحمن)، وعيَّن النظام في خَطابته أحدَ أكثر المشايخ تأييداً له ولرئيسه المجرم، محمد حسان عوض.
فكره وأعماله
أُعلنَ في اسطنبول إحياءُ “رابطة علماء الشام” برئاسته، وفي نيسان (2014) أُعلن عن تأسيسُ “المجلس الإسلامي السوري” برئاسته أيضاً، ودعم في بداية الثورة العملَ العسكري المناهض للنظام المجرم، وأكَّد الشيخ أسامة أنه لا مكانَ للفكر التكفيري في سورية، تلقَّى الشيخ أسامة عن والده الشيخ عبد الكريم العلومَ العقلية والنقلية، وتَتلْمَذ على أيدي عدد من كبار علماء دمشق، منهم إبراهيم الغلاييني، وعبد الغني الدقر، وخالد الجباوي، وأحمد الشامي، واعتنى بدراسة علوم اللغة العربية، والفقه الشافعي، وقد بدأ العمل الدعوي في وقت مبكر من شبابه، ومارس التعليم والتوجيه في حلَقات مسجد زيد بن ثابت، ثم في مسجد الشيخ عبد الكريم الرفاعي بعد إنشائه، وفي الجامع الأموي، وتنقَّل بين عددٍ من العواصم الإسلامية في مسيرته الدعوية، وتولَّى الخطابة في مسجد الشيخ عبد الكريم الرفاعي في ساحة كفرسوسة، وكان له درسٌ يومي دائم بعد صلاة الفجر، على مدار سنوات، كل يوم في علم من العلوم.
موقفه من نظام الأب المجرم
اقتصرَ نشاط جماعة زيد على العمل العلمي والدعوي والتربوي، ولم يكن لها أيُّ عَلاقة بالعمل السياسي، إلا أنها تعرَّضت كغيرها من الجماعات الدينية في سورية للملاحقة والإيذاء – ما عدا الجماعات الموالية للنظام البائد – بسبب الحملة التي شنَّها نظام الأب المجرم حافظ الأسد حينئذ على الجماعات الإسلامية، بتهمة الانتماء لحركة الإخوان المسلمين، وترافقت بمجازرَ واسعة في حماة وحِمص وحلب، اضطُرَّ الأخَوان الشيخان أسامة الرفاعي وسارية الرفاعي إلى مغادرة سورية، والهجرة إلى المملكة العربية السعودية عام (1981) هرباً من الاعتقال وبطش النظام، ومعهما بعضُ رؤوس الجماعة من أمثال المشايخ: محمد عوض، ونور الدين قره علي، وجمال الدين السيروان، واستقرَّ بهما المقام في المدينة المنوَّرة أكثر من عشر سنين، ثم تمكَّنا من العودة إلى دمشق عام (1993) بوساطات دمشقية، وسُمح لهما باستقطاب الجماعة من جديد وممارسة نشاطهم، مع تضييق الخناق والمراقبة الدائمة.
تعيينه مفتياً للجمهورية العربية السورية
عُيّن أمس في تاريخ (28) من رمضان (1446هـ) الموافق (28) آذار (2025م) مفتياً للجمهورية العربية السورية، بعدما أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع قرارين؛ ينصُّ الأول على تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، وينصُّ الثاني على تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى، والذي يضمُّ أربعة عشر عضواً، من جميع المحافظات السورية، ومهمَّته إصدار الفتاوى في المستجَدَّات والنوازل والمسائل العامَّة، وتعيين لجان الإفتاء في المحافظات والإشراف عليها، وأعضاء المجلس هم السادة العلماء: فضيلة الشيخ أسامة الرفاعي رئيساً، الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الشيخ الدكتور محمد أبو الخير شكري، الشيخ محمد نعيم عرقسوسي، الشيخ الدكتور عبد الفتاح البزم، الشيخ الدكتور خير الله طالب، الشيخ عبد الرحيم عطون، الدكتور مظهر الويس، الشيخ الدكتور أنس عيروط، الشيخ أنس الموسى، الشيخ الدكتور إبراهيم شاشو، الدكتور إبراهيم الحسون، الشيخ علاء الدين قصير، الدكتور محمد وهبي سليمان، الشيخ سهل جنيد.