الثورة- نور جوخدار:
بعد حرب التصريحات والسجالات التي استغرقت عدة أشهر بين الجزائر وفرنسا، توصل البلدان إلى اتفاق بطي صفحة التوترات السياسية وإنعاش العلاقات الثنائية.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن استئناف شامل للعلاقات بين البلدين وخصوصا في المجال الأمني وملف الذاكرة عقب زيارته الجزائر ولقائه الرئيس عبد المجيد تبون وإجراء محادثات مع نظيره الجزائري أحمد عطاف.
تلك الزيارة جاءت بعدما أجرى الرئيسان تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في الـ 31 من آذار الماضي أول اتصال بينهما بعد انقطاع دبلوماسي دام ثمانية أشهر، وأفضى الاتصال لعدة تفاهمات سياسية واقتصادية والعودة إلى اتفاق الجزائر الموقع في آب 2022.
وزير الخارجية الفرنسي قال: “فرنسا تود طي صفحة التوترات الحالية والعودة إلى سبل التعاون مع الجزائر من أجل مصلحتنا المشتركة، ومن أجل تحقيق نتائج ملموسة لصالح مواطنينا.”
الزيارة تمخضت عن عدة نقاط أهمها إعادة إحياء الشراكة الأمنية بين الأجهزة من كلا البلدين المتوقفة منذ شهور، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة، وأعلن بارو عن تنظيم لقاء قريب بين كبار مسؤولي الأمن في فرنسا والجزائر، وفيما يخص الشراكة القضائية، حيث تنتظر الجزائر من باريس أن تستجيب لبعض المطالب المتعلقة بتسليم جزائريين متهمين بقضايا فساد واختلاس في فرنسا، أكد بارو استعداد النيابة العامة الفرنسية المتخصصة في القضايا المالية لاستقبال قضاة جزائريين متخصصين في هذا المجال لدراسة جميع الملفات.
وفي ملف الذاكرة، تطرق بارو للروابط التاريخية بين البلدين والعلاقات الإنسانية مع وجود “كثير من الأسر الفرنسية- الجزائرية التي تقسم حياتها بين ضفتي البحر المتوسط”، وعليه اتفق البلدان على إنشاء لجنة مشتركة للسماح للمؤرخين الفرنسيين والجزائريين من ضفتي المتوسط الاستمرار في أعمالهم، وفي مقدمتهم المؤرخ بنجامان ستورا، الذي دعاه الرئيس تبون إلى الجزائر لمواصلة العمل حول إعادة الممتلكات الثقافية الجزائرية وهي بحوزة فرنسا.
كما اتفق الجانبان على الاستئناف الفوري للتعاون في مجال الهجرة وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي نقلا عن الرئيس الجزائري، أن “لقاءات ستنظم بين القنصليات الجزائرية الموجودة في فرنسا والمحافظات الفرنسية بهدف تنظيم جميع جوانب الهجرة في فرنسا وتسهيل عمليات إبعاد المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين مع احترام جميع الحقوق التي يمنحها لهم القانون”.
ولم تغب القضايا الاقتصادية عن المحادثات بحسب وزير الخارجية الفرنسي حيث تم التأكيد على ضرورة تكثيف الشراكة الاقتصادية بين البلدين في مجالات الصناعات الغذائية والزراعة والسيارات والنقل البحري، والعمل على تنظيم لقاء بين ممثلي رجال الأعمال الفرنسيين والجزائريين في الـ19 من أيار المقبل في باريس للبحث عن سبل جديدة للاستثمار والتبادل التجاري.
وجدد بارو مطالبة بلاده الجزائر القيام بلفتة إنسانية تجاه قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال والمحكوم عليه بالسجن خمسة أعوام بتهمة “المساس بوحدة الوطن” والنظر في كبر سنه ومرضه والعفو عنه.
وفي هذا الصدد يرى مدير المرصد المغاربي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) بباريس إبراهيم أومنصور أن زيارة بارو إلى الجزائر فتحت صفحة جديدة للحوار والتواصل بين البلدين ووضعت حدا للتصعيد بينهما، لكن هذا لا يعني أن الأزمة قد حلت نهائيا، بل تتم إدارتها اليوم بوسائل دبلوماسية، إما عن طريق الرئيسين ماكرون وتبون أو وزيري الخارجية في البلدين.
من جهته، يعتقد أستاذ الإعلام السياسي والعلاقات الدولية في جامعة الجلفة الجزائرية كمال رعاش “أن زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر ستسفر عن حل الأزمة بشكل جذري نظراً لعمق الشرخ السياسي الذي حصل مؤخراً، وبسبب الفجوة في المواقف وقضية الذاكرة التي تبقى دون أفق فعلي وجاد من طرف فرنسا الرسمية”.
وأضاف رعاش: “في المقام الثاني هناك الحرب الضروس التي قادتها فرنسا سياسياً ونخبوياً وإعلامياً مؤخراً على الجزائر مما يُعبر عن عدم تقبلها تغير قواعد اللعبة”.
ومن المقرر أن يزور وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان الجزائر في غضون الأيام المقبلة لبحث مسألة التعاون القضائي بين الجزائر وباريس والمطلوبين للقضاء الجزائري كوزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب وقائد الدرك الوطني عبد الغالي بلقصير واسترجاع الأموال المنهوبة والعقارات لصالح الجزائر.
ولكن يبقى السؤال الأهم هل ستصمد هذه الهدنة طويلا أمام تدخلات بعض الأوساط السياسية الفرنسية التي تحاول تأجيج الوضع؟.