الثورة – حسين صقر:
مع تفافم الأزمات أثناء الحروب والصراعات، تعلو أصوات نشاز تدعو للانقسام وإثارة الفتن والفوضى، وهنا يجب التمسك بالإسلام الحنيف ومبادئه وقيمه، وذلك من أجل الاتحاد والتعاون والعمل على تأسيس مجتمع يسوده العدل والأخلاق الرفيعة، ويقوم على المحبة والتعاضد والتفاعل والتسامح والتعايش السلمي.
وللحديث عن أهمية هذه القيم، تواصلت “الثورة” مع الشيخ محمد علي درويش، إمام وخطيب جامع الزهراء في حرستا، والذي قال: دائماً نحن بحاجة لتقوية العلاقات الاجتماعية المبنية على الصدق، فالشريعة الإسلامية قدمت رؤيةً فريدةً لتعزيز الوحدة الوطنية، والتي فاقت فيها جميع القوانين الوضعية، لا كشعاراتٍ نظريةٍ فحسب، بل كنموذجٍ عمليٍّ جسّده النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام ومن تبعهم عبر التاريخ.
– التنوع مصدر قوة:
وأضاف الشيخ درويش، لهذا كان من أولويات الرسول عليه السلام، فور هجرته إلى المدينة صياغة دستور ينظم حياة المسلمين مع بعضهم، ومع اليهود وغيرهم، تحت مظلة الصحيفة التي كتبها صلوات الله عليه، والتي تعد أول دستور مدنيٍّ ينظّم العلاقات بين أفراد المجتمع على أساس العدل، وحفظ حقوق للمسلمين وغيرهم، و قد نصت الصحيفة آنذاك على حفظ أديان الغير وأعراضهم ودمائهم مع ضمان التعاون في الدفاع عن المدينة، وهو ما يؤكد أن التنوع ليس نقصاً، بل مصدر قوة إذا أحسنا إدارته.
– جسور الثقة:
وقال خطيب جامع الزهراء: لقد كرّس الإسلام قِيَماً عمليةً لبناء جسور الثقة بين الأفراد والمجتمعات، كإفشاء السلام، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم زار جاراً يهودياً له، ووقف عندما مرت جنازة يهودي من أمامه تعبيراً عن نبذ العداوة بين أفراد المجتمع، كما ربط النبي صلى الله عليه وسلم صلة الأرحام بالبركة في العمر والرزق، مؤكداً على التكافل الاجتماعي بقوله: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”.
– سلوكيات خطيرة:
وأضاف الشيخ درويش، في الوقت نفسه، حذّر الإسلام من السلوكيات التي تهدد النسيج المجتمعي، كالغيبة والنميمة، إذ يقول الله تعالى: “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؟!”، وكذلك حذر من فساد ذات البين، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “إِيَّاكُمْ وَفَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ”، كما نهى عن إيذاء الناس سواء كانوا مسلمين أم غيرهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: ” ألا مَن ظلمَ مُعاهداً، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئاً بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ “.
وجعل الإسلام الأسرة مؤسسةً قائمةً على المودة والرحمة لأنها اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات، فمنها تتخرّج الأجيال، فأمر الأبناء باحترام الآباء والأمهات، وحثّ الآباء على التربية وغرس القيم والأخلاق في نفوس أبنائهم، وحرّم الظلم داخل الأسرة، وجعل الطلاق أبغض الحلال للحفاظ على كيانها.
– البر لغير المسلمين:
و قال خطيب جامع الزهراء: لقد أمر القرآن بالبرّ والقسط مع المسلمين وغيرهم، إذ يقول ” لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ”، بشرط ألا تظهر منهم بادرة خيانة أوكيد للمسلمين ونقض لعهودهم، وشرح أنه في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، كتب لأهل إيلياء (القدس): لهم أمانٌ على أموالهم وكنائسهم ودمائهم وأعراضهم، كما أكد القرآن أن الاختلاف في الألسنة والألوان آيةٌ من آيات الله ” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ” ودعا إلى الحوار بقوله: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بيننا وبينكم”، وقد عاش المسلمون وعاش إلى جانبهم اليهود والنصارى وغيرهم قروناً عديدة، في ظل الحضارة الإسلامية إلى يومنا هذا، فأبدعوا معاً في العلوم والفنون، ما يبرز التنوع كإثراء لا صراع.
وقال: فالنموذج الإسلامي في التعايش يُعدّ أُنموذجاً حيّاً للعالم أجمع، في وقتٍ تكتفي فيه الكثير من الأنظمة برفع شعارات حقوق الإنسان وسَنّ القوانين دون تطبيقها، أما الإسلام، بقيمه العادلة والشاملة، فيقدّم حلولاً واضحة لمشكلات هذا العصر، ويؤكّد لنا أن التماسك بين الناس ليس أمراً ثانوياً، بل هو أساس ضروري لبناء مجتمع قوي ومتحضّر.