سوريا تبحث طباعة عملة جديدة… تبديل العملة بداية الإصلاح أم خطر الانهيار ؟قوشجي لـ”الثورة”: النجاح مشروط بإصلاحات لمواجهة التضخم واستعادة الثقة
الثورة -محمد راكان مصطفى:
بدأت السلطات السورية استكشاف إمكانية طباعة العملة في ألمانيا والإمارات في وقت مبكر من هذا العام، وسارعت الجهود بعد أن خفف الاتحاد الأوروبي بعض عقوباته على دمشق في فبراير الماضي.
تجري السلطات السورية محادثات متقدمة بشأن صفقة طباعة العملة مع شركة «Oumolat» الإماراتية، والتي زارها محافظ البنك المركزي ووزير المالية السوري خلال رحلة إلى دولة الإمارات في بداية مايو، وفقاً لما نقلت رويترز عن مصدرين ماليين سوريين.
التحديات الاقتصادية الحالية
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي، قال في تصريح لـ«الثورة» عانت سوريا أزمة اقتصادية حادة كانت من أهم ملامحها انهيار قيمة الليرة السورية، التي فقدت أكثر من 95% من قيمتها منذ 2011. ما أدى إلى تضخم مفرط، وتراجع الثقة بالعملة المحلية، وانتشار الاقتصاد الموازي.
حول تبديل العملة
ورأى قوشجي أنه وبعد رفع العقوبات الاقتصادية أصبح خيار تبديل العملة كإصلاح نقدي جذري وضروري.
ولفت إلى أن تبديل العملة (إصدار عملة جديدة محل القديمة)، يرمي لاستعادة الاستقرار النقدي، ومكافحة التضخم، وإعادة هيكلة النظام المالي. معتبراً أن أهم أهدافه استعادة ثقة المواطنين والمستثمرين عبر تبني سياسات نقدية ناجحة تعمل على إدارة النقود بشكل علمي سليم، مضيفاً: ودور تبديل العملة في معالجة التضخم هو ضبط الكتلة النقدية والابتعاد عن سياسة التمويل بالعجز الذي عمل عليها النظام البائد لعقود من الزمن.
إجراءات قانونية ومصرفية
ويرى قوشجي أنه وقبل البدء بتبديل العملة لا بد من وضع إجراءات قانونية ومصرفية لمكافحة الاقتصاد غير الرسمي عن طريق إجبار التحول إلى النظام المصرفي، وحرق النقود الدنسة المجمعة في أيدي عصابات المخدرات ومجرمي فلول النظام البائد، ولذلك لابد من اتباع آليات حماية العملة الجديدة من الأموال غير المشروعة بتشريعات صارمة لمكافحة غسل الأموال لتعزيز الاعتراف الدولي بجهازها المصرفي والاقتصادي منها تطبيق معايير “فريق العمل المالي الدولي (FATF)”، مثل تحديد هوية المودعين (KYC) ومراقبة التحويلات الكبيرة، وتحديد سقف استبدال العملة القديمة وفرض حد أقصى للتحويل دون إثبات مصدر الأموال، للتخلص من الأموال المنهوبة في دول الجوار والتي تتاجر بالمضاربة بالدولار الأمريكي، مضيفاً: من المعروف سوف يعرف مصرف سورية المركزي بالعملة الجديدة وميزاتها لكل مصارف المركزي العالمية ومع ذلك لا بد من تعزيز التعاون الدولي لمتابعة التحركات المشبوهة، كما لابد من الحملات التوعوية للمواطنين بأهمية الإفصاح عن الأموال المشروعة.
تجارب عالمية
وأكد قوشجي ضرورة الاستفادة من تجارب عالمية، كتجربة ألمانيا (1948) والتي سجلت نجاحاً استثنائياً بإطلاق “المارك الألماني” بدعم من الإصلاحات الهيكلية وخطة مارشال، مما أعاد الاستقرار الاقتصادي، وتجربة زيمبابوي (2009) والتي واجهت فشل تبديل العملة بسبب غياب الإصلاحات المؤسساتية، مما أدى إلى تبني الدولار الأمريكي، وتجربة فنزويلا (2018) التي أطلقت “البوليفار السيادي” دون معالجة الأسباب الهيكلية، فاستمر التضخم وانهارت الثقة، وتجربة الهند (2016) بإلغاء العملات فئة 500 و1000 روبية لمكافحة “الأموال السوداء”، لكن النتائج كانت مختلطة بسبب نقص التخطيط.
إعادة هيكلة السياسة النقدية
لذلك يرى قوشجي أنه ولكي يكون دور العملة فعالاً في النظام النقدي ومتوافقاً مع النظام الاقتصادي، فلا بد من إعادة هيكلة السياسة النقدية والسيطرة على التضخم عبر تحديد كتلة نقدية متناسبة مع الطلب الكلي على النقود بالاقتصاد السوري وزيادة الكتلة عند الحاجة.
وكذلك لابد من إصلاحات اقتصادية سريعة بهدف تحفيز الاستثمار وآليات ضبط سعر الصرف، بتحفيز استخدام الليرة السورية داخل الجغرافية السورية في جميع المناطق والعمل على دمج الاقتصاد غير الرسمي عبر إلزام تحويل الأموال إلى النظام المصرفي.
إزالة الأصفار
وحول الشروط الاقتصادية السليمة لإزالة الأصفار من العملة، قال: أما فكرة إزالة الأصفار من العملة (Redenomination) هي حذف أصفار من العملة الجديدة لتصبح بقيمة أعلى من العملة القديمة، فنجاح هذه الخطوة يتطلب شروطاً اقتصادية وسياسية ومؤسساتية صارمة، وإلا تحوّل إلى إجراءٍ فاشلٍ يُفاقم الأزمات.
واستعرض قوشجي لشروط لنجاح هذا الإجراء، وأهمها أن تكون الأسواق الداخلية تتمتع بالمنافسة والحرية التجارية ويكون تسعير المنتجات والسلع والخدمات حسب قانون آلية السوق، لتتوافق الأسعار مع قيمة العملة الجديدة وتتناسب مع الرواتب والأجور وتكون عاملاً حقيقياً في تحقيق ثقة المستهلكين وضمان تحسين حياتهم المعيشية، مع ضرورة السيطرة على التضخم مشدداً على ضرورة خفض معدلات التضخم إلى مستوياتٍ معقولة (أقل من10% سنوياً)، إزالة الأصفار دون ضبط التضخم تؤدي إلى فقدان قيمة العملة الجديدة سريعاً، كما حدث في زيمبابوي (2008) وفنزويلا (2018).
وأكد ضرورة تحقيق توازن بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازي، عبر سياسات نقدية ومالية صارمة، وشفافية السياسات عبر إعلان خطة واضحة لضبط الكتلة النقدية، مع تحديد سقف لطباعة النقود الجديدة، وأن يترافق ذلك مع إصدار تشريعات صارمة تمنع التلاعب بالأسعار أو المضاربة على العملة الجديدة.
تجارب ناجحة
وذكر الخبير الاقتصادي بعض التجارب العالمية في حذف الأصفار من عملتها المحلية، كتجربة تركيا (2005) والتي نجحت بإزالة 6 أصفار من الليرة بعد خفض التضخم من 150% إلى 10%، بدعم إصلاحات هيكلية واستثمارات أجنبية، وتجربة البرازيل (1994) حيث أطلقت “الريال” بعد خطة اقتصادية شاملة (Plano Real) قضت على التضخم المفرط.
وقال قوشجي: تبديل العملة السورية ليس حلاً سحرياً، بل جزء من عملية إصلاح شاملة تتطلب إصلاحاً سياسياً واقتصادياً لاستعادة الاستقرار، من خلال آليات حماية متعددة الطبقات لمنع اختراق الأموال غير المشروعة. بغياب هذه العوامل، قد يتكرر سيناريو زيمبابوي وفنزويلا، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.
في ختام هذا المقال، يتضح أن الإصلاحات النقدية تمثل خطوة حيوية نحو استقرار الاقتصاد وتحقيق النمو المستدام. إن التحديات التي تواجهها البلاد تتطلب استجابة شاملة تضمن تحسين الظروف المالية وتخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطنين. من خلال تنفيذ استراتيجيات فعالة، يمكن للحكومة أن تعيد الثقة في النظام المالي وتعزز من قدرة الاقتصاد على التعافي والنمو. لذا، يجب أن تكون الإصلاحات المصرفية والنقدية أولوية قصوى، مع التركيز على الشفافية والمشاركة المجتمعية لضمان تحقيق النتائج المرجوة. إن العمل الجماعي والتعاون بين جميع الأطراف المعنية سيكونان المفتاح لتحقيق مستقبل اقتصادي أفضل.