الثورة – رفاه الدروبي:
ترك الدكتور سامي الخيمي لمخيلته أن تنبش صندوق ذاكرته في أمسية عنوانها: “خواطر حول المجتمع الدمشقي السوري عامة” مساء أمس في المنتدى الاجتماعي بدمشق، واستهلَّ حديثه عن شهرة الدمشقيين بالتجارة وتعليمهم أصولها إلى كلِّ مَنْ قصدهم، إذ نشرت مجلة بريطانيا عام ١٩٥٠ عموداً كتبه أحد الصحفيين مضمونه: “احذروا من تقدُّم سوريا فالتجارة والصناعة تنشط فيها، والدولة ستصل إلى مراحل متقدِّمة في وقت قياسي، وستنافس دولها ويجب الانتباه لنموها السريع”.
لكن كلّ الظروف أتت لتنهي الحلم، الكاتب دافيد كريغ مسرحي اسكتلندي كتب مسرحية عنوانها “داماكس”، كانت نتيجة زيارته إلى سوريا كي يدرس الإخراج الحديث لمخرجين سوريين فأحبَّها لدرجة أنَّه عندما عاد إلى بلده كتب مسرحيته وتتناول رجلاً يريد أن يبيع منهاجاً لتعليم الأطفال، جاء من بريطانيا، فيحاول إقناع مسؤولي ذلك الوقت عن فضيلة اتباع برنامجه المقترح كي يبيعه، ثم حصل بينه وبين المسؤولين خلاف كبير حول حذف بعض المصطلحات، وكان يحاول تعليم الأطفال كيفية التعاون بين المتنوعين في الأوجه كلها، واحترام المرأة وكثيراً من المفاهيم ،وكان مسؤولو تلك الفترة لا يؤمنون بها، لذا طلبوا بعض التعديلات.
وأشار الدكتور خيمي إلى أنَّ بلاد الشام كينونة الحقيقة، وعلى الإنسان السوري أن يسعى لها لأنَّها تدلُّ على كتلة متجانسة لا تصل إلى السيادة الكاملة إلا إذا كان هناك نوع من التمازج بين أنحاء بلاد الشام كافةً، لافتاً إلى أنَّ الدمشقيين يتصفون بالنعومة في التعامل مع الناس ما يجذب القريب منها.. وهناك ثلاث مدن في سوريا ولبنان تشمل “دمشق، بيروت، حمص” لديهم خاصية انجذاب القريب لأهلها عن بقية المدن، كونها تسمح للغريب أن يُنَصِّبَ نفسه حكماً بين سكانها، وعادة في معظم دول العالم يتحزَّب أبناء المدينة مع بعضهم البعض ويصدون الغريب، كما تنعم جلَّق بجمال طبيعتها، أما غوطتها فتزود العاصمة بالأمن الغذائي، وتعتبر رئتها الحقيقية.
كما انتقل الدكتورالخيمي للحديث عن سكان سوريا الأصليين- حسب قول الكاتب البريطاني جوناثان توب، أكبر خبير في المتحف البريطاني- إذ ألَّف كتابين: الأول عن الكنعانيين، وآخر عن العموريين، وقال: “إنَّ الكنعانيين سكان جنوب سوريا والساحلين اللبناني والفلسطيني يُشكِّلون الأكثرية، وإنَّ العموريين سكان شمال سوريا في حلب وإدلب وشمال شرقي سوريا كان منذ ٤٠٠٠ سنة، ثم تساءل عن عدم حصول مذابح بين الشمال والجنوب رغم أنَّهم عرقان متماثلان، وكان ردُّ الخيمي عن استفسار الكاتب البريطاني ما يلي: لو حدثت مذابح بينهما لانعدمت التجارة ولما أزهرطريق الحريرالتاريخي، وكان من مصلحتهم أن يمتزجوا مع الحوثيين والرومان والفرس والآشوريون والتركمان وشعوب غرب آسيا، ثم جاء العرب كي يُحدِّدوا هوية البلاد، وفرضوا على سوريا التنوع، ليس على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم، وكان المسيحيون يُمثِّلون سواد الشعب، وبعد دخول الإسلام تسيَّدوا البلاد فتنوَّعت الأصول المختلفة، ما شكَّل غنى كان لا بدَّ من الانسجام معه.
ولفت إلى أنَّ حبَّ دمشق يتسلّل إلى أفئدةِ جميع الوافدين، لما تتصف به من جمال طبيعتها ونبع الفيجة الرقراق، واتصاف شعبها باللطف والكياسة الاستثنائية، واللهجة الشامية المحكية القريبة من اللغة العربية، كما تحمل نفساً سريالياً في بطء ألفاظها ذات الفتحات الخفيفة أكثر من اللهجة المصرية السريعة الفتحات، والمغربية تفرض عليها السكون، إضافة إلى غياب الطبقية في بساتينها بين المالك والفلاحين أو المرابعين لأنَّ أراضيها صغيرة.
خاتماً الدكتور الخيمي حديثه عن مصدر القهوة أنَّه بدأ من دمشق حين أحضرها أحد التجار من اليمن وطحنها وغلاها وتذوَّقها الناس فأُعجبوا بها في الفترة الممتدة من ١٥٢٠ إلى ١٥٣٥، لكنَّ المشايخ وقتها منعوا شربها معتقدين أنَّها مادة مخدرة؛ لكنَّ تاجراً أرمنياً حلبياً صدَّر البنَّ إلى اسطنبول فأُعجب أهلها بها وانتشرت في أنحاء أوروبا.