دمشق عمرانياً في تشريح واقعها التخطيطي السلطة السياسية استبدت بتخطيط خرب هوية المدينة
ابتسام المغربي :
للمرة الأولى تناقش قضايا الفساد في التخطيط العمراني والإعمار المنشود.. ونقابة المهندسين التي كانت غائبة تماماً عن الاضطلاع بمهامها في هذا المجال !! والتخطيط على الورق من دون تحديد أبعاد مكانية للمشاريع !! واستبداد الرأي السياسي في وضع المصورات التنظيمية خدمة لأزلام السلطة البائدة وشركاتهم وشركائهم الذين عاثوا في دمشق تخريباً ممنهجاً في تدمير ميثاقها وقدسيتها وصالونها المعماري جبلاً وغوطة ونهراً!!
عناوين مهمة اشتعلت في نقابة مهندسي دمشق يومي الثلاثاء والأربعاء الفائتين، فبدءاً من سيطرة القرار السياسي سابقاً على التخطيط وتنحية الخبرات الوطنية واستقدام خبرات ذات رؤى تخريبية وغير اختصاصية بالتخطيط والعمارة وأكثرها سوءاً ما كان من مهندس حصل بسبب نفوذه على بطاقة مهندس من النقابة أجازت له التخريب في عمله وهو مدير لمكتب عقاري في ألمانيا، وفي بلدنا سيطر في عهد البائد على التخطيط التنظيمي وخرب ما خرب بعد سرقة داتا العمران في سوريا . شركات عائلية ورأسمالية كبيرة كان لأهدافها مسار التنفيذ في استصدار قرارات لمصلحة طموحاتها بمناطق عقارية في دمشق، وتخطيط بلا تحديد للبعد المكاني واستملاكات جائرة أكلت ثلث سورية لتنفيذ مشاريع على الورق بعيدة عن النفع العام، والآن تضطلع نقابة المهندسين بدورها كفاعل رئيسي في مجال الإعمار وتصحيح مساره المخرب . نقيب المهندسين في سوريا مالك الحاج علي تحدث عن دور النقابة، مشيراً إلى أنه لا يجب فقط بناء المهدم، بل يجب أن تكون هناك آليات لوضع الحلول لعمارة خضراء وذكية وعمل تشاركي مع الحكومة وتواصل مع مهندسين بالخارج وتدريب ورفع كفاءة المهندسين لتطوير مرحلة الإعمار ، لتعكس سوريا الجديدة ومخرجات واقعية تتصدر المشاريع.
تخطيط من دون أبعاد مكانية
الدكتورة أروى شرف الدين – وكيلة كلية العمارة للشؤون العلمية، تناولت في محاضرتها المهمة والمفيدة المشكلات الرئيسية للإعمار التي تتعلق بمستوى المدن ومستوى التنمية والمستوى الإقليمي واستعمالات الأراضي، فالتخطيط العمراني حسبما قدمته، يجب أن يرتبط بهوية المكان، ويحتاج ذلك إلى وضع استراتيجية توضح أن المشكلات القائمة تتعلق بكون التخطيط ليس له تحديد مكاني، وكان يأتي نتيجة قرارات منفردة ومشكلات كثيرة تتعلق بمشاريع غير مدروسة والارتجال الواسع . الحضور في مجال التخطيط !!
ورأت شرف الدين أن سوء التخطيط والاستملاك كانا محفزين مباشرين للثورة، فالإقليم الجنوبي مثلاً، ما خطط فيه من مشاريع لم ينفذ، ولكن تم استملاك الأراضي بآلاف الهكتارات من أجله، والمساحات لم تتم الاستفادة منها بمخططات تفصيلية . وتؤكد شرف الدين أن يتم توثيق خطة الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، ما وسع من الاختلال الحضري كان كبيراً وذا تأثير كبير، فهناك مثلاً مدينتان تتركز فيهما كل الخدمات؛ دمشق وحلب ما يحمل أعباء للمدن وإهمالاً كبيراً لباقي المحافظات، والمطلوب الربط الإقليمي والحد من الاختلال الحضري وهيمنة المدن، وتقديم خدمات وبنية تحتية لكل المحافظات.
واقع الخلل التخطيطي
المهندس حسان الحاج تحدث عن واقع التخطيط وأخطائه وتخبطه، فمن نتائجه المخطط الأول إلى مصور ايكوشار الذي مازلنا نعمل به حتى الآن والمناطق القديمة كمناطق وضواحٍ عمرانية ومناطق تنظيمية لم ينفذ منها إلا القليل بسبب أخطاء المصور !! وأتى ليسرق المحيط الحيوي لدمشق ولم يضع فكراً جديداً ولم يحترم ميثاق دمشق الذي يؤكد قدسية المدينة والحفاظ على نهرها وجبلها وغوطتها وتحجيم التوسع على حساب الريف، حيث تم اقتراح تخطيط فيه انحرافات تمت بإيحاء سياسي، ففي وضع ماروتا مثلاً تخطيط حي مخالف تحول من أحياء وإسكان
١٦٠٠٠ نسمة إلى إسكان ٦٠٠٠٠ .
كل ذلك يوضح أهمية البدء بالتخطيط الاستراتيجي ثم الإقليمي ثم الهيكلي فالعمراني، ويرى الحاج أن تخطيط المدينة القديمة وأنظمة البناء وتثبيت مناطق تنظيم خلقت أخطاء تتعلق بالتقصير بوضع آليات التنفيذ، والدراسات لم تصدق بسبب مناطق النفوذ التي كانت محيطاً حيوياً لدمشق ومناطق زراعية داخلية ممتدة حتى المتحلق الجنوبي. نسعى لتجميع أفكار لمخطط جديد وتوسعات خارج المدينة ونحتاج إلى إدارة رشيدة للتخطيط الحضري ولجم الانحرافات تحت الضغوط السياسية. فلا يمكن مطلقاً قبول مخطط خطيب التخطيط بتأثير سياسي وتجاهل كل المقدرات والموارد والمناطق الخضراء والمياه وتأمينها الصعب والصرف الصحي وبناء أبراج خارج التنظيم. يرى الحاج أن وضع باسيليا أسوأ جداً من ماروتا بسبب المساحات الاستثمارية الكبيرة !! والاعتداء على ثالوث دمشق نهراً وجبلاً وغوطة، ويجب إعادة النظر بكل هذه المخططات الانفرادية التي كانت بإيحاء سلطوي وسياسي.
الاعتداء على الملكيات
المهندس عبد الكريم إدريس أكد أن هناك إخفاقات تخطيطية قاصرة، وأن التخطيط وتنفيذه لا يمكن أن يكون ناجحاً دون احترام الملكيات، فالملكية الخاصة المصانة بالقانون ورقياً فقط !! ، ولكن في التخطيط غير مصانة، والحلول التي كان يتم اتخاذها كانت دائماً باتجاه الاستملاك . أما قطاع إدارة الأراضي فيحتاج إلى تجميع المصالح العقارية، والتخطيط والمساحة في وزارة الإدارة المحلية، ورغم أن الحقوق القانونية واضحة ومسجلة بشكل شفاف فإن تنظيم الملكيات كلما كان محترماً يعدّ من أهم مداخل العملية التخطيطية، والواقع يؤكد أن هناك شبكات عقارية هشة كمخططات وطبوغرافيا معزولة وبنى تحتية متهالكة، والخارطة الوطنية الرقمية للمؤسسة العامة للمساحة ومديرية الطبوغرافيا غائبة .
أهمية دور النقابة
المهندس ماهر شاكر أشار إلى أنه إذا لم تؤطر المخططات بعمل نقابي، ويكون للنقابة دور أساسي بمرحلة العمران، فهذا يعني فشل شركات عائلية ورأسمالية كبيرة كان لأهدافها مسار التنفيذ في استصدار القرارات لمصلحة طموحاتها بمناطق عقارية في دمشق، ولجم الانحرافات التخطيطية التي كانت تحت ضغوط سياسية.
عبد الكريم إدريس أكد إخفاقات تخطيطية قاصرة، وأن التخطيط وتنفيذه لايمكن دون احترام الملكيات، فالملكية الخاصة بالقانون فقط، ولكن في التخطيط غير مصانة. الحلول كانت دائماً باتجاه الاستملاك، وقطاع إدارة الأراضي يحتاج إلى تجميع المصالح العقارية والتخطيط والمساحة في وزارة الإدارة المحلية، ورغم أن الحقوق القانونية واضحة ومسجلة بشكل شفاف، فإن تنظيم الملكيات كلما كان محترماً يعتبر من أهم مداخل العملية التخطيطية، شبكات عقارية هشة كمخططات وطبوغرافيا شبه غائبة !!
التركيز على دور النقابة
المهندس ماهر شاكر أكد وجوب تأطير المخططات بعمل نقابي، ويكون للنقابة دور أساسي بمرحلة العمران، ما يعني مدّ مسار نجاح الإعمار، ويرى شاكر أن تأخر أغلب الخطط والمشاريع كان بسبب خلل التوازن بين عوامل التكلفة والزمن والرؤى، وأن ازدياد عدد المهندسين لم يشكل أثراً ملموساً في العمل الهندسي .. لأنه لم يوفر فرصاً للعمل، وكان على حساب النوعية، ويؤكد أن النقابة هي الإطار الذي يجمع الجميع، ويجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن أي وصاية سياسية .. وأمام النقابة تحديات تتعلق برفع سوية الكفاءات المهنية، والمساءلة المهنية والحوكمة الرشيدة للنقابة، وتحدي النورمات والمعايير الهندسية . أما الأهم فهو تحديات الإدارة المحلية عمرانياً فيما يتعلق بآليات الترخيص وضابطة البناء وإشكاليات العلاقة بين أنظمة البناء والمخططات التنظيمية، ومطلوب تشجيع اللامركزية بالإدارة العمرانية من خلال تشجيع الوحدات الإدارية، وتعزيز دورها واستقلالها المادي والإداري، ومع أن دورها تصنيف المهندسين، فالآليات التي
كانت سائدة روتينية، وتهميش المكاتب الهندسية لاستيعاب المشاريع ونوعيتها ومساحتها، نحن نشكك بآلية تصنيف المكاتب ووجود العقلية المقاومة للتغيير، التي ستبقى معرقلة إن لم تنحَ . إذا ناقشنا المنتج العمراني الذي تمّ في سوريا، وهل كان جيداً أم لا نجد تحديات كثيرة تواجه ذلك، وأهمها : غياب دور النقابة عن تقييم المشاريع الهندسية، وخاصة شركات القطاع العام التي ابتلعت المشاريع كلها، وخلق المأساة الموجودة التي تعني أن السمسرة باقية طالما بقي القطاع العام مسيطراً، ودور النقابة في ممارسة المهنة سيبقى مشلولاً بسبب وصاية السياسة .
الفساد في التخطيط
المهندس عارف طرابيشي يرى أن الفساد هو سمة الحوكمة العمرانية السيئة، وهو تعريف لإساءة استعمال السلطة لتحقيق منافع خاصة، ويتجلى ذلك في الرشوة ومخالفة القوانين والأنظمة، والتساهل مع الانحرافات المهنية، وينتج عن الفساد ظلم كبير وخراب عمراني واضح، أما قنوات الفساد فتتعلق بالسلطة السياسية والحكومة وتمويل للعلاقات، وقطاع الأعمال والتطوير العقاري !! ، وقنوات الفساد تبدأ من السلطة السياسية وتتبعها السلطات الحكومية المختصة، والسلطات المحلية المعينة سياسياً.
سمير ستيفان – خبير اقتصادي ومدير مركز رحمون للدراسات – يرى أن عنوان الأطر الاستثمارية لإعمار دمشق الكبرى، وتحدّث عن سوريا التي تعيش الآن مرحلة تاريخية جديدة، عن دمشق الكبرى التي تشمل دمشق ومحيطها العمراني والغوطة الشرقية والغربية وكامل وادي بردى والترابط الاقتصادي، يتطلب وحدة التخطيط العمراني وأن تكون التنمية العمرانية تهتم بالجوانب الاجتماعية والثقافية والبيئية وبالهوية وبتوازن المصالح .
إرث وهوية
الحوار كان حاراً إثر المحاضرات.. وركز كثيراً على ضعف الآليات المتبعة وأهمية اضطلاع النقابة بدورها المركزي المطلوب بمشاريع الإعمار وتقييمها، والحفاظ على الهوية العمرانية ورفض المشاريع التي تم إقرارها بهيمنة السلطة السياسية كماروتا وباسيليا، التي ستقضي على القليل الباقي من اخضرار في دمشق. إن الهوية العمرانية يجب أن تتجلى في العمران الجديد ولو كواجهات وتصاميم مستلهمة من التراث، وأهمية حماية ما بقي من نسيج عمراني قديم، الجميل اعتراف الجميع بفشل التخطيط والذي يعتمد على عمارة بلا هوية ويسرق كل الجمال الذي يحيط بنا.. الأمر ليس سهلاً ويحتاج الى تنحية كل العوامل التي كانت مسيطرة وساهمت بهذا التردي!! وإعادة ما تعنيه الهوية العمرانية التي تميزت بها دمشق والتي تتسابق كثير من الدول على نقل جزء من تراثها العمراني وتخصيصه في المتاحف، فكيف نهدر ثرواتنا وإرثنا الحضاري ومطلوب عمارة تؤكد على الهوية وحماية ميثاق دمشق والحرص على بقائها العاصمة الأقدم في التاريخ .