إيمان زرزور – كاتبة صحفية
تولد النجاحات من قلب المآسي، ويخرج الإبداع من رحم الصعاب، هذا ما جسّده طلاب سوريون انتقلوا قسراً إلى بلاد المهجر، تاركين وراءهم وطناً أنهكته الحرب، حاملين معهم عائلات متعبة وآمالًا كبيرة، وإرادة صلبة جعلتهم يتحدون الظروف، ويقهرون الصعاب، ويحولون الغربة من ألمٍ إلى منبرٍ للتفوق.
في بلاد اللجوء، حيث يُتوقع عادةً أن يبقى اللاجئ مهمّشاً وبعيداً عن دائرة الضوء، أثبت الطلاب السوريون أن التميز لا يعرف وطناً واحداً، بل يمكن أن يزدهر حيثما وُجدت الإرادة والرغبة في التحدي، كتبوا أسماءهم بمداد التفوق على مقاعد المدارس والجامعات، ورسخوا للعالم حقيقةً واضحة، مفادها: أن السوريّ قادرٌ دوماً على تحدّي الظروف، والتفوق مهما بلغت الصعوبات.
واجه الطلاب السوريون في بداية رحلتهم تحدياتٍ قاسية؛ الغربة بلغةٍ جديدة، وظروف معيشية صعبة، وصدمة نفسية ثقيلة، لكنهم أدركوا سريعاً أن النجاة لا تتحقق إلا عبر بوابة العلم، وأن التميز الدراسي هو الوسيلة الأهم لتحقيق الذات وكتابة فصلٍ جديد من الحياة.
كانت ظروف اللجوء مليئة بالصعوبات، بدءاً من حاجز اللغة والصدمة النفسية، مروراً بالفقر وصعوبات المعيشة، وصولًا إلى الشعور بالتمييز والغربة، لكنّ هذه العقبات لم تنجح في كسر الإرادة الصلبة التي امتلكها الطلاب السوريون، بل زادتهم إصراراً وعزماً على تحقيق النجاح.
عدة عوامل عززت تفوق الطلاب السوريين، يأتي في مقدمتها الدافع الداخلي والإرادة القوية، حيث وجدوا في التعليم رسالة صمود في وجه الظروف القاسية، وفرصة حقيقية لبناء مستقبل أفضل، ورغم ما عانته الأسر السورية من ويلات النزوح، لم تتخلَّ أبداً عن مسؤولياتها تجاه أبنائها، فالأمهات كنّ السند الأول في رحلة العلم، يدفعهن أمل بسيط في أن يتحول نجاح أبنائهن إلى نجاح وطنٍ كامل.
قدّمت العديد من الحكومات في دول اللجوء برامج تعليمية خاصة باللاجئين، شملت دروس التقوية، والدعم النفسي، والمنح الجامعية، كما ساهمت منظمات إنسانية ومبادرات محلية بشكل فعّال في تمكين الطلاب السوريين من تخطي التحديات.
وتمسك الطلاب السوريون بلغتهم وثقافتهم وقيمهم الأخلاقية، ما منحهم بعداً ثقافياً وإنسانياً مميزاً، وجعلهم رموزاً حقيقية للتميز والتفوق، وأصبحوا مصدر فخرٍ لمجتمعاتهم الأصلية في بلاد المهجر، محققين التفوق على أقرانهم في عدة مجالات تعليمية، لينالوا التكريم في مراكز متقدمة ويكونوا مثالاً يحتذى به.
أكد تفوق الطلاب السوريين أن الإنسان هو من يخلق القيمة، وأن اللاجئ ليس مجرد محتاج للمساعدة، بل طاقة كامنة إذا توفرت له الفرصة، يمكن أن يصنع فرقاً جوهرياً في مجتمعه الجديد وفي وطنه الأم يوماً ما.
وتبقى قصة الطلاب السوريين المتفوقين في بلاد المهجر درساً حيّاً في قوة الإرادة الإنسانية، فالمنفى ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة قد تُعيد بناء الإنسان من الداخل، وتفتح له أبواباً من النجاح لم تكن يوماً متوقعة، وهؤلاء اللاجئون الذين بدوا من الخارج غرباء، أثبتوا من الداخل أنهم قادة ورواد، قادرون على صنع مستقبل أفضل لهم ولأوطانهم.