عمالة الأطفال.. هل أصبحت بديلاً عن التسلية والأنشطة الصيفية

الثورة – زهور رمضان:

كل أحلامهم أن ندعهم يلعبون، ويركضون، ويلاحقون الفراشات، ويقطفون الأزهار في شقاوة بريئة، ويسابقون النهر في جريانه.. وعندما يتعبون يفترشون على العشب الأخضر وتغفو عيونهم حالمة بالغد الأجمل.. فهل بقي شيء من هذا الحلم..!؟.

يبدو أن الواقع تغير كثيراً وانقلبت موازين العمل على عكس التمنيات، عانى الكثير من أطفال سوريا خلال السنوات الماضية وحتى اليوم من شظف العيش طيلة سنوات حياتهم جميعاً، وذلك نتيجة الضغوط الاقتصادية التي أجبرت الأطفال على التخلي عن المدارس ودخول سوق العمل، إذ لم يعد بإمكانهم سوى أن يحلموا بما هو شكل الصف من الداخل، إذ لم يحصلوا على أي تعليم دراسي.
تدهور الوضع المعيشي

تشير بعض الدراسات أن ما لا يقل عن ثمانية عشر بالمئة من الأطفال في سوريا منخرطون في سوق العمل، وذلك لأسباب خاصة ومنوعة، كتدهور الوضع الاقتصادي لأسرهم، أو التفكك الاجتماعي، وغياب وجود الأهل، فأصبحت ترى الأطفال ينتشرون هنا وهناك يفترشون بضاعتهم التي سيبيعونها بدلاً من افتراش ألعابهم التي اعتادوا أن يتسلوا بها أثناء إجازتهم أو عطلتهم الصيفية.

فالضائقة المادية التي تعاني منها أغلب العائلات السورية، أدت إلى تجدد فكرة عمل الأطفال في فصل الصيف، إذ لجأت الكثير من الأسر لتشغيل أبنائهم من خلال البحث عن عمل ملائم لمرحلتهم العمرية مع الخوف من المخاطر التي قد يتعامل بها الطفل مع الآخرين في سنّ مبكرة، وهم يعتمدون على أهلهم بشكل أساسي.

أصبح المنظر معتاداً أن ترى الكثير من الأطفال الصغار ممن تتراوح أعمارهم بين 10- 15 سنة، يعملون على بسطات لبيع الخضار والفواكه أو المواد الغذائية، وقد يمتد عملهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة بمرتب شهري بسيط، وإجازة يوم واحد في الأسبوع.. وأحياناً يكون العمل في بيئة غير صحية، ما يجعل الطفل عرضة للمرض والعنف والصدمات الجسدية.

دموع وحرقة قلب

ولكن أصعب ما شهدته في أحد أسواق دمشق الشعبية مؤخراً هو منظر طفل لا يتجاوز عمره عشر سنوات، كان يفترش على الأرض تحت مظلة صغيرة لا تحمي حتى نفسها من لهيب أشعة الشمس الحارقة، وهو يضع أمامه على قطعة قماش بعض المواد المتواضعة التي يبيعها برفقة والده العجوز الذي كان يصرخ عليه بصوت عالٍ موبخاً إياه على خطأ ارتكبه في عملية حساب مع أحد الزبائن، لتغدو دموع الطفل المتساقطة على وجنتيه السمراوتين تغني عن ألف سؤال وسؤال.. وهو يحمل همّ النقود التي خسرها، وكأنه خسر أغلى ما لديه في الحياة.

وبعد أن تجاوزته بخطوات أيضاً، هناك طفل آخر يبيع الألبان والأجبان والمواد الغذائية، وينادي بأعلى صوته ليجذب الزبائن إليه، وعند سؤاله عن أسباب عمله في هذا الجو الحارق، بين لنا أنه اعتاد هو وأخوه على العمل طيلة أيام العطلة الصيفية لمساعدة والده الذي هرم وهو يعمل طيلة النهار ليؤمن لعائلته ما تحتاج إليه مما تيسر من طعام وشراب، فالغلاء أرهق العائلات الفقيرة ولم يعد بإمكانهم، إلا أن يؤمّنوا عملاً لأولادهم لمساعدتهم أثناء العطلة الصيفية.

أما المشهد الأكثر إيلاماً، حين ترى العائلة من الأب والأم والأبناء يفترشون مساحة من الأرض، وكل واحد منهم يبيع بعض المواد الأساسية منفرداً عن الآخر لعلهم يؤمّنون ما يحتاجونه من مصاريف أساسية، إذ كانوا يتناولون الطعام على الرصيف تحت أشعة الشمس لأنهم لا يريدون أن يعودا إلى المنزل قبل بيع كمية كبيرة من بضاعتهم خلال اليوم.

وعند استكمال جولتنا في السوق ذكرت لنا الطفلة سالي التي لم تتجاوز العاشرة من العمر بأنها تساعد والدها في عمليات البيع لتعيل أخوتها الصغار وأمها المريضة وما تحتاجه من دواء، وبالتالي تساهم في سدّ بعض حاجات المنزل إلى جانب أبيها.

وبين الطفل محمد قاسم كيف أن والده يعمل على بسطة للخضراوات والفاكهة منذ ساعات الصباح الباكر صيفاً وشتاءً، وهذا ما أتعب وأنهك جسده، ما دعاني إلى مساعدة أبي في العمل لإيفاء الديون المترتبة عليه، هذا ناهيك عن مصاريف الأسرة الكبيرة من طعام وشراب وغيره.

لقد أكدت الدراسات في سوريا أن العائلات السورية تدفع أبناءها للعمل أحياناً من دون حاجة اقتصادية، وذلك لأن ثقافة الكثير من السوريين تعتبر العمل وتعليم المهنة طريقة للتربية الجيدة والإعداد للمستقبل.

تنمية للمواهب وحصرها بوقت

فيما يرى الباحث الاجتماعي الدكتور جمعة حجازي أنه علينا ألا ننظر إلى عمالة الأطفال بأنها هدر للطفولة، فأحياناً تكون لأسباب اقتصادية، وأحياناً أخرى تكون تنميةً للمواهب وإعداداً لطفل المستقبل.

فيما أوضحت رهادا عبدوش- الناشطة في مجال حقوق المرأة حول ظاهرة عمالة الأطفال، بأنه لا يجوز العمل للأطفال ممن هم دون الثانية عشرة من العمر.. كما أنه من الضروري أن نقيد عمل من هم في عمر الثالثة عشرة حتى الثامنة عشرة بساعات عمل قليلة، وبأعمال غير مجهدة وفي أماكن غير خطرة على صحة وسلامة الطفل الجسدية والنفسية، علماً أن هذه القوانين تواجه صعوبة كبيرة في التطبيق في ظل حالات رضا الأهل عن عمل أطفالهم وقبولهم بفكرة غياب الأطفال عن المدرسة وفي حالات عدم وجود الأهل، فهذا يسبب نسيان الطفل للتعليم ويجعله يحصر فكره فقط في النقود التي سيجنيها من العمل وهي من الممكن أن تزيد من فرصة التدخين لدى الأطفال في عمر مبكر.

تنظيم العطلة الصيفية

ونوهت عبدوش بأن عمالة الأطفال في سن مبكرة تنعكس سلباً على شخصياتهم بعكس ما يعتقده الآباء، خاصة في ظل الأوضاع المادية الصعبة. فالعمل بالنسبة لهذه الشريحة مجهد، وقد لا يتحمله الكبار، فما بالك بالصغار الذين قد يتعرضون للعنف بسبب العمل وقد يخفونه عن الأهل حتى لا يظهروا كأشخاص غير مسؤولين في نظر الآباء، لذلك من الضروري مراعاة الأطفال الصغار وإعطاؤهم الحق في تنظيم عطلتهم الصيفية من خلال تنمية مهاراتهم وممارسة الرياضة والزيارات العائلية وتشجيعهم على العودة إلى المدارس وقضاء وقت جيد مع الأصدقاء بحيث يمكنهم التخلص من فكرة قيود العمل في العطلة الصيفية.

أخيراً.. كلنا يعلم أن عالم الطفولة هو أنفاس عذبة وسحائب ماطرة وأريج عبق، وقصة حلم وقصيدة أمل، قلوبهم عذبة، لا يعرفون الكره أو الحقد.. تأسرهم الكلمة اللطيفة الرحيمة التي قد تنسيهم ما حصل في الأمس من عذابات.

فهل يعيد المجتمع بمؤسساته المختلفة النظر بقوننة عمل هؤلاء من خلال العمل التكاملي بين جميع الأطراف؟!.

آخر الأخبار
سوريا: الاعتداءات الإسرائيلية تصعيد خطير وخرق فاضح لمبادئ القانون الدولي   رئاسة الجمهورية: ضرورة التزام كافة الجهات العامة والخاصة بمنع أي شكل من أشكال التجاوز أو الانتهاك  "يداً بيد".. ثلاث سيارات إسعاف بالخدمة بريف حمص واقع مياه الشرب بحمص في اجتماع مجلس المحافظة مشروع رقمي متكامل للأمن والمراقبة في حسياء الصناعية نساء طرطوس يبدعن في المشاريع الصغيرة لمساندة أسرهن محافظ حلب: تعزيز حضور المرأة في ميادين العمل المجتمعي والوطني التحدي النهائي للمسابقة البرمجية ينطلق في جامعتي اللاذقية وطرطوس تمكين طلاب الدراسات من أدوات البحث العلمي وربطه بالواقع الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز ترحب بدخول قوى الأمن والجيش إلى السويداء خريطة تنفيذ محدودة ومصير غامض لحيي الشيخ مقصود والأشرفية بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة.. "الدفاع" تعلن وقفاً تاماً لإطلاق النار في السويداء تأكيد على الشراكة واستمرار التعاون.. اختتام أعمال اللجنة الأردنية - السورية المشتركة في عمّان تربية القنيطرة تنجز تصحيح 6 مواد بشهادة التعليم الأساسي برنامج تدريبي للّقاح الوطني الموسّع في القنيطرة حشرة بسيلا.. آفة خطيرة تضر بحمضيات طرطوس تعزيزاً للشراكات التعليمية.. "التربية" تبحث التعاون مع شبكة الآغا خان انطلاق فعاليات المدرسة الصيفية الدولية للذكاء الصنعي الطبي افتتاح أعمال اللجنة الوزارية الأردنية - السورية المشتركة في عمّان يُحقّق فرصَ عمل وجدوى اقتصادية.. تدوير أنقاض الأبنية المُدمَّرة يخفف كلفة البناء