الثورة- ترجمة ختام احمد:
بعد سنوات من النفي في دول الجوار وأوروبا، بدأت العائلات السورية بالعودة إلى وطنها على دفعات، بعضها مدفوع بزوال المخاوف الأمنية بعد سقوط نظام الأسد، بينما يُجبر آخرون على العودة بسبب انتهاء صلاحية تصاريح الإقامة في بلدان اللجوء.
ويجد الكثيرون أن عودتهم ليست بالسهولة التي تخيلوها، فواقع الحياة اليومية في سوريا، بعد غياب طويل، يطرح تحديات جديدة ومعقدة، وخاصةً على الأطفال، ومن بين القضايا الأكثر إلحاحاً عدم إتقان اللغة العربية بين العديد من أطفال الأسر العائدة، الذين تلقوا تعليمهم بلغات أخرى.
قصة سامي الخاني مثالٌ على ذلك، بعد سنواتٍ قضاها في ألمانيا، عاد سامي إلى قريته في ريف دمشق مع عائلته الصغيرة، مدفوعاً بحنينه إلى وطنه وأمله في الاستقرار الذي غاب عنهم في المنفى، لكنه لم يتوقع معضلة جديدة، ابنه عمر، البالغ من العمر تسع سنوات، تلقى تعليمه في مدارس ألمانية، ولم يكن يجيد الفصحى، وهي اللغة الرسمية المستخدمة في الأوساط الأكاديمية والأدبية والإعلامية، فشكّل هذا عائقاً كبيراً أمام اندماجه في قطاع التعليم السوري، رغم حماسه في البداية للعودة إلى الوطن.
ويقول سامي: “حاولنا الحفاظ على اللغة العربية في المنزل قدر الإمكان”، “كنا نتحدث بالعربية أثناء الوجبات ومع العائلة عبر الهاتف”، لكن الحقيقة هي أن عمر درس في مدارس ألمانية وتأثر باللغة والمجتمع هناك، لغته الأم الآن هي الألمانية، وأصبحت العربية لغة عاطفية بالنسبة له، لا يستخدمها إلا في ظروف معينة.
“عندما بدأ عمر الدراسة في سوريا، كان الأمر بمثابة “صدمة حقيقية”، بحسب والده، حيث لم يستطع فهم المنهاج الدراسي، وشروحات المعلمين، وكان التواصل مع زملائه صعباً، ما جعله يشعر بالعزلة، وبدأ يرفض الذهاب إلى المدرسة بعد أيام قليلة.
إن حالة عمر ليست فريدة من نوعها، حيث يواجه العديد من أطفال الأسر العائدة تحديات مماثلة، ويشعر سامي بالقلق بشكل خاص لأن النظام المدرسي غير مجهز لمعالجة هذه القضايا، رغم جهود العائلة لتعليمه اللغة العربية في المنزل، يُقرّ سامي بصعوبة الأمر: “أعمل طوال اليوم، وزوجتي لا تملك أدوات تعليمية مناسبة، نحن بحاجة إلى مساعدة- برنامج حقيقي يُعيد دمج أطفالنا في هذا النظام الجديد-القديم”.
وتتشارك ليلى أحمد، التي عادت إلى سوريا من لبنان بعد سبع سنوات من النزوح، تجربة مماثلة مع ابنتها سارة، التي التحقت بمدرسة خاصة في لبنان، حيث كانت الفرنسية لغة التدريس، والآن بعد عودتها إلى حلب، تواجه سارة صعوبة في التأقلم مع مدرسة حكومية حيث المنهاج الدراسي باللغة العربية بالكامل.
وتقول ليلى: “يعتقد المعلمون أنها غبية، لكن الأمر ليس كذلك، إنها ببساطة لا تفهم اللغة، أشعر بالعجز كل يوم عندما أراها تعود إلى المنزل باكية، كانت من أوائل الطلاب في مدرستها ببيروت، لكنها الآن لا تفهم ما يُقال في الصف.
وتسعى ليلى الآن للحصول على دروس لغة خاصة لمساعدة سارة على اللحاق بالركب، لكن الرسوم الدراسية الإضافية تفرض ضغوطاً على مالية الأسرة، الدروس تُساعد، لكنها لا تُعوّض نقص الدعم في المدرسة، على المدرسة إيجاد طريقة لاستيعاب هؤلاء الطلاب، بدلًا من معاملتهم كغرباء في وطنهم.
تُسلّط التحديات التي يواجهها أطفالٌ مثل عمر وسارة الضوء على مشكلةٍ أوسع، ألا وهي غياب المبادرات التعليمية الرسمية لدعم الأطفال العائدين من المنفى، فهذه الفجوة تهدد ليس فقط مستقبلهم الأكاديمي، بل أيضاً هويتهم الثقافية.
نهى غريب، معلمة ابتدائية في حماة، تعرب عن قلقها إزاء الوضع وتقول: “لا يمتلك المعلمون تدريباً خاصاً للتعامل مع هذه الحالات، لا توجد صفوف تقوية مخصصة، ولا حتى إرشادات مدرسية حول كيفية دمج هؤلاء الطلاب”، وتوضح أن تدريس هؤلاء الأطفال المنهاج نفسه الذي يدرسه أقرانهم أمر صعب لأنهم لا يفهمون اللغة، “يواجهون صعوبة في المصطلحات والقواعد، ما يجعلهم في أسفل الصف، رغم ذكائهم وقدرتهم على التعلم”.
وتُشير نهى أيضاً إلى أن حاجز اللغة لا يقتصر تأثيره على دروس اللغة العربية فحسب، “إنه يؤثر على جميع المواد الدراسية، وخاصةً تلك التي تتطلب فهماً مقروءاً، مثل العلوم والدراسات الاجتماعية وحتى الرياضيات، عندما لا يفهم الطالب السؤال، لن يتمكن من حل المسألة، حتى لو كان يعرف الصيغة الصحيحة.
ويعاني نظام التعليم في البلاد بالفعل من نقص الموارد والموظفين بعد سنوات من الحرب، كما يفتقر إلى القدرة على توفير الدعم المتخصص الذي يحتاجه هؤلاء الأطفال، ونتيجة لذلك، يتعرض العديد من الطلاب لخطر التسرب الدراسي أو مواجهة الفشل الأكاديمي المبكر، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل.