لينا هويان الحسن: سلطاناتي لسن نساءً من ورق 

الثورة- سعاد زاهر:

في مستهل روايتها «سلطانات الرمل»، تتساءل لينا هويان الحسن «كيف أجعل البادية التي هي أخت الصحراء مقروءة مطبوعة في سطور منتظمة وأوراق ناعمة؟!» لتضع القارئ أمام صراع الروائي مع الصحراء، بين الواقع الخام والتاريخ الغامض والأسطورة.

الصحراء في الرواية هي أيضاً مرآة العادات والتقاليد، إذ تتشابك السياسة، الحرب، الحب، والثأر مع التضاريس الطبيعية، تحضر المدن والبحار في مقابل الصحراء، لتؤكد أن تجربة الإنسان البدوي لا يمكن فصلها عن محيطه الاجتماعي والجغرافي، وأن الصحراء الحاضرة في الرواية ليست مجرد مكان، بل تجربة وجودية كلية، تتوزع فيها الأصوات وتتصارع القوى، البشرية والطبيعية، في نسق سردي متشابك.

قبل دخولنا في دراسة حول الكتاب كان للثورة اتصال مع الكاتبة المقيمة في بيروت منذ أكثر من خمسة عشرة عاماً، قالت فيه عن رواية سلطانات الرمل: “يحقّ للجمال أن تكون له سرديّته؛ الجمالُ الذي لا يثأر له أحد، فيُمسك بعنقِ القدر، ويصنعُ حدثَه الخاص، ويبتدع لغتَه في عالمٍ يبدو فيه أنّ الرجل هو مَن يُحرّك الحدث، لكنّ المرأة هي مَن تجعل من الحدث تاريخاً.

إنها دراما الغيرة والانتقام، انتفاضةُ الحُسنِ المؤرّق، والمحاصر، والمجروح، والمعزول، كلُّ امرأةٍ “سلطانة” إذا ما اختارت نفسَها، حتى لو في الصحراء، و”سلطاناتي” لسنَ نساءً من ورقٍ وحسب، بل من لحمٍ ودمٍ، استلهمتُ شخصيّاتِهنّ من الواقع، وسحبتُهنّ بقلمي إلى عالم الخيال، ولهذا وقع القرّاء بغرام ” السلطانات”، الصدق الوحشي لمشاعر نساءٍ جارحات، قويّات، متمرداتٍ على التمرّد.

طُبعت الرواية تسع طبعات والعاشرة قريباً، ثمة طبعة عراقية خاصة، وطبعة جزائرية خاصة، القارئ هو ذهبُ الكاتب.

حين يصنعن التاريخ بأيديهن

أحد أبرز محاور الرواية هو تقديم المرأة كفاعل رئيسي في مسرح الأحداث، بما يكسر الصور النمطية للمرأة البدوية التقليدية، في الجزء الأول، تبرز شخصيات نسائية مثل حمرا الموت، مراية، عنقا، منوى، سكرى، كل واحدة منهنّ تُعيد تعريف السلطة والصراع الاجتماعي في الصحراء.

تقول الرواية عن مراية، «تنقضّ على قاتل أخيها وتقتصّ منه في مجلس الرجال»، بينما حمرا الموت تتحكم في مصائر عشيرتها باستخدام جمالها ودهائها، لتصبح سبباً في إشعال الحروب.

هويان الحسن تعرض النساء على أنّهن قادرات على التأثير السياسي والاجتماعي، وأن القوة في البداوة ليست حكراً على الرجال.

حتى في الجزء الثاني، حين تتقدم الشخصيات الذكورية إلى الواجهة، تبقى النساء المسيّرات الفعليات، راسمات مصائر القبائل، ومتحكمات بخيوط السرد، هذه الرؤية تكسر الطابع التقليدي للروائي العربي في معالجة شخصية المرأة، لتصبح محوراً رئيسياً في سرد الصحراء وتاريخها.

الرمال لا تنام

السراب، في الرواية، ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل عنصر روائي مركزي، ووسيلة للكشف عن النفس البشرية والصحراء على حد سواء.

تقول الكاتبة: «الأكذوبة لا تمشي، تزحف على وجه الأرض اسمها السراب» بينما يعطي السراب للإنسان وهم الأمل، ويصبح أداة للتأمل والتخيّل، وللحلم بما هو بعيد المنال: «كان دائماً لا بدّ من سراب كاذب كي يهدّئ الظمأ ويشحذ صبراً فكرياً» السراب هنا يتقمص أدواراً متعددة، أحيانًا يكون مؤرقاً، وأحياناً يمنح السلام، وأحياناً أخرى حاضراً بين شخصيات الرواية، كما في مجلس سكرى وطراد: «والسراب هذه المرّة يجالسهم كرفيق درب، كفنّان، طبيب، محام، مشاكس، عميق، ملغز، روائيّ، ساحريّ، حقيقيّ، فضائيّ…».

هذا التعامل مع السراب يعكس قدرة الكاتبة على المزج بين الأسطورة والواقع، وإضفاء العمق على سردها التاريخي، إذ تصبح الصحراء تجربة روائية متعددة الأبعاد، تنسج فيها الحقيقة والخرافة بأسلوب سلس ومترابط.

حين يلتقي الجمال بالدقة

لغة هويان الحسن في الرواية هي لغة شعرية متوقدة، لكنها متحكمة بها أكثر من أعمالها السابقة، في «سلطانات الرمل»، يتوازن الوصف الشعري مع التحليل الواقعي، فيصبح السرد نافذة على التاريخ والصحراء، وليس مجرد احتفاء بصري، بل أداة لتحليل العادات والقيم والسياسة، فالأبطال والبيئة يقدّمون في الرواية بتفاصيل دقيقة.

من وصف الخيول العربية، «تبدو الخيول، في فصلها، نافست النساء في إثارة الحروب والنزاعات»، إلى وصف الطيور الجارحة والصقور، مروراً بالتقاليد والعادات التي تُسرد بعناية فائقة، لتغدو الرواية أرشيفاً حياً للذاكرة البدوية.

صراع الحداثة مع الأصالة

الرواية لا تغفل البُعد السياسي والتاريخي، فالصحراء هنا ليست بعيدة عن أحداث المنطقة أو القوى العالمية التي أثّرت فيها.

تتجلى هذه التحولات في سردها للعوامل المؤثرة على البدو، من الاستعمار الغربي إلى مشاريع الدولة الحديثة، «ستّون ألف كتاب ما بين عامي 1800 و1950 عن الشرق، وبالمقابل فإنّ عدد الكتب التي كتبها أبناء الشرق عن الغرب لا يمكن مقابلته قطّ بهذا الرقم» تتناول الرواية التغيرات التي أصابت حياة البدو، وكيف أنّ القيم القديمة تعرضت للضغط بفعل الحداثة والهجرات والتدخلات السياسية، وما تبقى من البداوة هو إرث ثقافي وروحي أكثر منه مادياً.

وهذا يجعل الرواية مرثاةً لأصالة ضائعة، وصورة حية لتحولات المجتمعات العربية على مدى قرنين كاملين.

نقد التاريخ وإعادة قراءة الواقع

هويان الحسن تجمع بين السرد الروائي والتوثيق التاريخي، مستعينة بمصادر غربية ووثائق تاريخية لتدعيم مصداقية الرواية، مثل أقوال الرحالة الغربيين وكتابات الليدي آن بلنت، ما يمنح القارئ القدرة على التحقق من واقعية بعض الأحداث والشخصيات.

في الوقت نفسه، تخلق الكاتبة مساحة للسرد الروائي لتملأ الفجوات التاريخية، فتدمج بين ما هو حقيقي وما هو متخيل بسلاسة، لتخلق نصاً يحاكي الواقع ويعيد صياغته عبر تجربة إنسانية وثقافية عميقة.

بهذا الأسلوب، تصبح الرواية نقداً ضمنياً للقراءات الغربية للشرق، وفي الوقت نفسه إعادة اكتشاف الذات العربية عبر سرد ممتد ومتشعب، حيث تستعيد الصحراء مركزيتها، وتثبت أن الإنسان العربي، حتى في أصعب الظروف، لا يزال قادراً على صناعة حكاياته وإرثه.

 أخيراً.. رواية «سلطانات الرمل»

تجربة معرفية وشاعريّة تجمع بين التاريخ والأسطورة والسياسة والمرأة، تقدم النساء كسلطانات تُعيد كتابة التاريخ، والسراب كعنصر مركزي يربط بين الواقع والحلم.

هذه الرواية تجسد قدرة الأدب على الحفاظ على الذاكرة، وفهم التحولات الاجتماعية والثقافية، وتقديم قراءة معاصرة للصحراء والإنسان العربي، من دون استسهال أو تبسيط، بل بعين ناقدة، قلب واعٍ، ولغة تتنفس الشعر والتاريخ في آن واحد.

آخر الأخبار
تربية الأجداد للأحفاد.. إرث من الحب والحكمة الذكاء الاصطناعي .. هل هو هدم للإنسان أم بناء لعلاقة جديدة؟ دمشق تستعد لموسم الأمطار... تنظيف مجرى بردى في كيوان صناعة القوارب الأروادية.. تراث فينيقي مهدد بالانقراض! فيدان يرحب بالحوار السوري الروسي ويصفه بخطوة "ناضجة ومسؤولة" هل ستحصل سوريا على منحة المليار؟ محافظة السويداء: الأزمات المعيشية نتيجة ضعف التنسيق قلعة حارم.. حصن شامخ يروي ذاكرة التاريخ تشكيل لجنة مشتركة في حيش وكفر سجنة لتعزيز السلامة المرورية  "الدفاع المدني " يحذر من حالة عدم استقرار جوي ذروتها منتصف الأسبوع   "فلاي شام" تدرس استئناف الرحلات الجوية بين دمشق وموسكو صناعة الأدوية ..التحديات الكبرى بين الاكتفاء الذاتي والطموح للتصدير بين الوعود والواقع.. خدمات ببيلا تنتظر الحل  الابتكار الشبابي في العقارات والقانون آرسنال يحافظ على صدارة البريميرليغ الديركلاسيكر بافاري مجدداً سينر يحتفظ بلقب بطولة الملوك الستة إنتر ميلانو يضرب عصفورين بحجر بطولة الدرع السلوية.. فوز الكرامة وحمص الفداء أهلي دمشق يختتم معسكره بالتعادل مع خان شيخون