الثورة _ ثناء عليان:
اشتهر أهالي جزيرة أرواد السورية منذ القديم بصناعة القوارب والسفن الخشبية، ولا يخفى على أحد أن حياتهم اعتادت البحر، إذ يعمل ثلاثة أرباع السكان بالصيد، والربع الباقي في صناعة القوارب، ونقل الركاب بين طرطوس والجزيرة، وصناعة القوارب في طريقها إلى الانقراض في حال لم تلق الدعم الكافي.
حرفة تراثية
عن حرفة صناعة القوارب والسفن التي تقاوم كل الظروف الصعبة، التقت “الثورة” الحرفي فاروق بهلوان، وهو من أهالي جزيرة أرواد، وصاحب ورشة لصناعة القوارب والزوارق الخشبية.
بهلوان قال: إن صناعة القوارب صناعه فينيقية، يعود عمرها إلى 2500 سنة قبل الميلاد، وهي من الحرف التراثية، وجزء لا يتجزأ من تاريخ جزيرة أرواد.
وبيّن أن أنواع القوارب التي يتم صناعتها فوق الجزيرة، هي: القارب الصغير، أو السويحة التي تتسع لـ 4 أو 5 أشخاص،
“الفلوكة” ويتراوح طولها بين 5 و7 أمتار تستعمل لصيد الاسماك،”اللنش”، ويتراوح طوله بين 9 و 13 متراً، ويستعمل للصيد الساحلي، وفي حال كان طول اللنش 16 متراً فما فوق فإنه يستعمل للصيد خارج المياه الإقليمية.
كما يتم تصنيع زواق لنقل الركاب بين طرطوس وأرواد، يتراوح طولها بين 12 و 15 متراً، إضافة إلى صناعة زوارق ويخوت للسياحة والنزهة بعدة موديلات وأشكال.
ولفت بهلوان إلى أن الخشب المستخدم في هذه الصناعة، هو خشب التوت والكينا والسرو والصنوبر والسنديان، وجميعها من الإنتاج السوري، مشيراً إلى أنه سابقاً، قبل دخول المعادن والمحركات كان أهل أرواد يصنعون مراكب الشحن التجارية التي تسير بالأشعة، وكان طولها يتراوح بين الـ 20 و 35 متراً بحمولة 150 إلى 800 طن، مؤكداً أن الصناعة الأروادية تضاهي الصناعات الأجنبية الخشبية في العالم.
صعوبات وتحديات
وأكد بلهوان أن صناعة القوارب تواجه صعوبات ومعوقات كثيرة، ولن تستمر أكثر من خمس سنوات، وإذا استمر الوضع الحالي فهذه الصناعة في طريقها للانقراض، بسبب زيادة رسوم الإشغالات من قبل البلدية، وارتفاع الضرائب، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ولجوء العاملين بهذه الحرفة إلى تشغيل المولدات التي تحتاج إلى أكثر من 30 ليتراً من المازوت يومياً بسعر يتجاوز الـ 350 ألف ليرة، والمصلحة -حسب بهلوان- لا تحتمل هذه المصاريف، إضافة إلى زيادة رسم الإنشاء والتراخيص، وارتفاع تكلفة نقل المواد بالسيارة والزورق واليد العاملة، وغلاء طن الخشب الذي ارتفع سعره من 500 ألف إلى مليونين ونصف المليون ليرة.
وأكد بهلوان أن عدد الحرفين العاملين بصناعة القوارب يعدون على أصابع اليد، وجميعهم بعمر الـ 55 أو أكثر، أي بأعمار كبيرة، ولكي تستمر هذه الحرفة تحتاج إلى دعم وتشجيع من الدولة، وإنشاء معهد لتعليمها للأجيال القادمة.
الأجمل في العالم
بدوره أكد الحرفي خالد حمود، ابن جزيرة أرواد أن صناعة السفن الخشبية في جزيرة أرواد من أهم وأقدم الصناعات المتوارثة، وكان الفينيقيون يستخدمون الأشرعة في السفر البعيد والمجازيف في الرحلات القصيرة، أما الآن فقد تم تعديل وتجديد الموروث الفينيقي للسفن لتحمل أوزاناً أكثر بوجود محركات قوية، وقد صنفت السفن الخشبية الأروادية بأجمل المراكب في العالم.
وأضاف حمود: لقد طورنا صناعة السفن، لدرجة أصبح بإمكاننا صناعة كل أنواع المراكب “الصيد، والركاب، والنزهة، وحتى اليخوت”، لافتاً إلى أن العاملين اليوم بصناعة القوارب هم آخر الصناع لعدم الاهتمام بهم، والتضييق عليهم من النظام الساقط، وارتفاع الضرائب والمعاملات السنوية الكثيرة وزيادة رسوم التراخيص، كل هذا دفعهم لإهمال هذه الصناعة وعدم تعليمها لأبنائهم، آملاً من الحكومة الجديدة الاهتمام بهذه المهنة النادرة خوفاً عليها من الانقراض.
مهنة الأجداد الشاقة
بدره أكد عضو مجلس اتحاد الحرفيين في طرطوس، منذر رمضان، ما تحدث به بهلوان وحمود، ولفت إلى أن عدد شيوخ الكار العاملين بصناعة القوارب والسفن لا يتجاوز العشرة حرفيين، مؤكداً أنها مهددة فعلياً بالاندثار، كون أغلب صانعي السفن الأروادية تجاوز عمرهم الخمسين عاماً، وهم من الجيل الثالث المعاصر، ولا يوجد من ورث حرفتهم وأتقنها، لأن مردودها المادي ضعيف جداً، وهذا ما دفع الأبناء لتغيير وجهتهم وركوب أعالي البحار، إذ وجدوا أن السفر بالبحر يؤمن لهم مستقبلاً ومعيشة ومردوداً مادياً أفضل من العمل بمهنة الأجداد المضنية والشاقة.
حلول تحفظ المهنة
أضاف رمضان: علينا أن نعترف بأن هذه الصناعة مهددة بالاندثار وعلى كل المعنيين تقديم الدعم لتبقى حية من خلال الإعفاء الضريبي، وتخفيض رسم الإشغال الذي فرضته عليهم بلدية أرواد، أو إلغائه واستثنائهم من كافة القرارات ذات الصلة، وتسهيل الإجراءات الإدارية من تراخيص وسواها، وإنجازها عبر مراكز خدمة المواطن بطرطوس، على أن تكون المراسلات الداخلية المطلوبة عبر المكاتب الخلفية للجهات المختصة دون الحاجة لسفر الحرفيين إلى اللاذقية أو أي وجهة أخرى للمتابعة.
والأهم من كل ما سبق – حسب رمضان- هو أن نعمل ما بوسعنا لحماية هذه الحرفة ورعايتها، كما تحتاج لدعم مباشر من منظمة اليونسكو، بهدف إعادة الثقة لأجيال المستقبل بالحفاظ على مهنة الأجداد، من خلال استثمار خبرة شيوخ الكار وتوظيفها لتعليم الأجيال الجديدة على أرض الواقع ضمن ورشهم، كما يجب العمل على تدريسها أكاديمياً من خلال افتتاح المعاهد المهنية والجامعات، والتركيز على الجانب العملي بوجود مدرب خبير من صناع السفن البحرية التراثية في جزيرة أرواد.
أخيراً لا بد من حماية هذه الصناعة كونها موروث عريق وتاريخ نفتخر به، وعلى الجميع حمايته بكافة الوسائل المتاحة، كل من موقعه وفق الأصول.