الثورة- علا محمد:
لا شيء يشبه رائحة الورق حين تستيقظ الذاكرة، خمس سنوات مضت منذ أن غابت صحيفة “الثورة” عن قرائها، لكن اسمها ظل في الوجدان، وحين اقترب موعد عودتها الورقية، عادت معها الأسئلة التي تشبه الحنين: هل ما زال الورق قادراً على أن ينافس الشاشة؟
وبحثاً عن الإجابة، أجرت صحيفة “الثورة” استطلاعاً بين طلاب الجامعات، كشفت نتائجه عن تباين في الآراء والتوجهات، لكن القاسم المشترك بينها كان الشغف بالمعرفة، والرغبة في أن تكون الصحافة الورقية قريبة من نبضهم اليومي لا بعيدة عنهم.
من مقاعد كلية الهندسة المدنية، كانت الوجوه غارقة في تفاصيل المشاريع والنماذج، لكن ما إن طُرح سؤال عن الصحافة حتى علت الابتسامات.
يزن خطاب وليث الحاج، طالبان عبرا عن رأيهما بأن الصحيفة التي تُعنى بإنجازاتهم وتنقل أخبار كليتهم ستجد طريقها حتماً إلى أيديهم، لأن الاهتمام يولد من حيث يكون الطالب جزءاً من الحكاية.
كما شاركت الطالبة سمر العبدالله أيضاً رأيها، حين رأت أن الصحافة الورقية يمكن أن تخلق مساحة مختلفة داخل الجامعة، مساحة تنقل قصص الطلاب وأفكارهم بعيداً عن اللغة الرسمية، لتكون صحيفة “الثورة” جسراً حقيقياً بين الجيل الجديد وصحافة الوطن.
بعد ذلك، توجهت “الثورة” إلى كلية الحقوق، فجاءت الكلمات بعمق القانون نفسه، تحدثت الطالبة لمى محمود عن ارتفاع أسعار الكتب وكيف دفعهم ذلك للبحث عن بدائل ثقافية تُغني فكرهم، مؤكدة أن الصحيفة الورقية يمكن أن تستعيد مكانها إذا لامست قضايا الناس وطرحت الجديد بجرأة ووعي.
واعتبرت الطالبة ريما السعد أن الصحافة الورقية قد تعيد للطالب عادة القراءة المنتظمة إن هي عادت بمحتوى واقعي يلامسهم.
أما في كلية العلوم الصحية، فكان المشهد أكثر دفئاً، تقول الطالبة حبيبة بكر: إن عودة صحيفة “الثورة” تعني بالنسبة لها عودة الصدق إلى الكلمة، فهي تتمنى أن ترى فيها قصصاً عن شباب استطاعوا التغيير رغم الصعوبات.
وتضيف الطالبة هاجر خولي أن الصحيفة يجب أن تواكب التطور، فتتحدث بلغة جديدة تجمع بين قضايا الوطن والثقافة والتكنولوجيا لتكون قريبة من جيلها.
فيما تؤكد الطالبة سلام التكلة أن الورق يمنحها متعة مختلفة، لا تشبه التصفح السريع على الهاتف، لتختم الطالبة كندا التكلة بالقول: إن أجمل ما يمكن أن تفعله “الثورة” هو أن تروي قصص شخصيات سورية صنعت فرقاً في الحياة، لأن “الناس تحب أن تقرأ عن الأمل، لا عن الألم”.
وما بين كليتي الهندسة المدنية والعلوم اقترح طلاب من كلية السياحة أن تعود “الثورة” كما كانت في ذاكرتهم العائلية، صحيفة خفيفة الظل تحمل إعلانات، وكلمات متقاطعة، ومساحات للترفيه، لأن الصحيفة الجميلة، كما يقولون، هي التي تشبه الحياة بكل تفاصيلها.
ورغم هذا الحماس، بقيت آراء أخرى أكثر تحفظاً، إذ رأى بعض الطلاب أن الهاتف بات صحيفتهم اليومية، يوصل إليهم كل ما يريدون من أخبار ومستجدات.
بين الحنين والمستقبل
يؤكد رئيس تحرير صحيفة “الثورة”، الصحفي والكاتب نور الدين الإسماعيل، أن لكل جيل ما يناسبه، وللصحف الورقية عشاقها من المثقفين الذين ما زالوا يحنّون إلى الورق ورائحته.
ويضيف أن طلاب الجامعات اليوم هم أبناء الميديا الجديدة، لذا أفردت الثورة لهم قسماً خاصاً على منصاتها الرقمية ليبقوا على تواصل دائم مع محتواها.
ويشير إلى أن الصحيفة تسير على مسارين متوازيين: دعم المنصات الرقمية لتكون أكثر قرباً من الشباب، وتطوير المحتوى الورقي بما يتناسب مع الواقع وروح العصر.
ويرى أن استقطاب طلاب الجامعات ممكن من خلال تناول قضاياهم ومشكلاتهم عبر تقارير تنشر في الصحف الورقية، إلى جانب إنشاء ملحق ثقافي يشارك فيه الطلاب أنفسهم بكتاباتهم، وإطلاق مدوّنات طلابية ضمن موقع الصحيفة الإلكتروني.
“الاهتمام بقضايا الشباب هو حجر الأساس في المرحلة القادمة”، هذا ما أكده الإسماعيل في حديثه، متابعاً بأن صحيفة “الثورة” تسعى لرفع مستوى الوعي لدى طلاب الجامعات، والاستفادة من تجارب المثقفين الذين لهم باع طويل في الكتابة والصحافة، لتكون الصحيفة مساحة لقاء بين الخبرة والشغف.
من الورق إلى التفاعل
ولم يختلف رأي المدرب الإعلامي والصحفي عبسي سميسم كثيراً، فقد رأى أن تراجع اهتمام الشباب بالصحف الورقية ظاهرة عالمية، لكنها في سوريا تأثرت أيضاً بسنوات الغياب الطويلة وضعف المضمون في الماضي، ويشير إلى أن استعادة الجمهور الشاب ممكنة إذا أعادت الصحف الورقية تعريف نفسها بطريقة معاصرة.
يشرح سميسم أن الطريق يبدأ بإنتاج محتوى يعالج قضايا الشباب ويلامس اهتماماتهم، مع ربط الصحيفة الورقية بمنصات التواصل الاجتماعي لتصبح أكثر تفاعلاً وجذباً.
ويقترح أن تتاح الصحيفة داخل الجامعات والمدن الجامعية لتكون في متناول الطلاب، وأن تطرح مشاكلهم بصحافة الحلول، فحين يجد الطالب أن صوته يُسمع، سيبحث عنها طواعية.
كما دعا إلى إشراك الشباب في الكتابة، وإطلاق مسابقات وأنشطة طلابية، ورعاية فعاليات جامعية، ولا سيما في كليات الإعلام والآداب والعلوم السياسية، لتمكين الطلاب من دخول سوق العمل مبكراً.
ويختم سميسم بالتأكيد أن الالتزام بالموضوعية، والابتعاد عن الصحافة المؤدلجة، هو ما سيعيد الثقة ويجذب جيلاً جديداً من القراء.
من خلال استطلاع صحيفة “الثورة”، بدا واضحاً أن المسافة بين الورق والهاتف ليست بعيدة كما يتصور الجميع، فالشباب لا يرفضون الصحف، بل ينتظرون أن يجدوا فيها ما يشبههم، وما يحفزهم على الحياة.
وتماماً كما قالت إحدى الطالبات من كلية العلوم الصحية: “مللنا الأخبار عن الحرب.. نريد ما يدفعنا إلى الاستمرار”.
كلماتها تختصر جيلاً يريد أن يقرأ ليحيا، لا ليحزن.