دور تصحيح الرواتب والأجور في حساب تحسين الظروف المعيشية

الثورة – ميساء العلي:

سياسة الرواتب والأجور من السياسات العالمية المتعارف عليها والتي تأخذ بعين الاعتبار تكاليف مستوى المعيشة، وبناء عليها يمكن تحديد الأجر، وهذا الإجراء تأخذ به جميع دول العالم ولا يستطيع أحد أن يعارض هذا التوجه.

الحكومة بدأت تدرك أهمية ذلك من خلال خطة لزيادة الرواتب والأجور على أربع مراحل بدأت بزيادة نسبتها 200 بالمئة، وكان من المفترض أن تلحقها زيادة أخرى قبل نهاية العام بنسبة 100 بالمئة، ومن ثم زيادة أخيرة أيضاً بنسبة 100بالمئة لتصل إلى 400 بالمئة، كما صرح وزير المالية إلا أن ذلك لم يتحقق في حين يجري الحديث حالياً عن زيادة مرتقبة للعاملين في الدولة مع بداية العام القادم، وإمكانية زيادة خاصة لقطاع التربية والتعليم والصحة بعد زيادة رواتب القضاة ووزارة العدل.

والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستؤمن الحكومة الإيرادات اللازمة لتلك الزيادات؟ وخاصة أن رواتب الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي سيتم دفعها من المنحة السعودية القطرية.

إعادة التوازن

يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري أن الزيادة بالنسبة للعاملين في الدولة تظهر أهميتها من خلال تحسين المستوى المعيشي فالغالبية العظمى من العاملين في القطاع العام يعانون من تدني الأجور مقارنةً بتكاليف المعيشة المرتفعة (تضخم، أسعار صرف، أسعار سلع)، وزيادة الرواتب ستساعد في تغطية الاحتياجات الأساسية، مثل: الغذاء، السكن، الصحة، والتعليم ، ومن الفوائد الأخرى لزيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة استعادة الثقة بمؤسسات الدولة فتحسين الرواتب، بعد التحرير وسقوط النظام المخلوع التي بلغت سابقاً 200 بالمئة وإلحاقها بزيادة مماثلة، يعني تحقيق للوعود الحكومية بالزيادة بنسبة 400 بالمئة، ويعني إعادة التوازن بين الدخل والإنفاق، وبداية إصلاح وظيفي شامل يعيد الثقة بالوظيفة العامة وبالقطاع العام، ويقلل من هجرة الكفاءات إلى الخارج أو إلى القطاع الخاص أو المنظمات الدولية، ناهيك عن مكافحة الفساد الإداري، فأحد العوامل الدافعة للفساد في القطاع العام هو ضعف الرواتب، فإذا تحسنت الأجور قد تنخفض الحاجة إلى “الرشوة” أو “المحاباة” كمصادر دخل إضافية.

دعم قطاعات حيوية

وأضاف حزوري في حديث لـ”الثورة”: إن دعم القطاعات الحيوية (التعليم – الصحة) من خلال رفع رواتب الكوادر التربوية والطبية، والتي سبقها رفع رواتب العاملين بالسلك القضائي، يشجع الكفاءات على البقاء في هذه القطاعات بدلاً من الهجرة أو العمل في مجالات غير تخصصهم، ويساعد في إصلاح المجتمع ، فعندما يصلح التعليم والقضاء يصلح المجتمع .

مصادر تمويل

وعن مصادر التمويل المحتملة للزيادة في الرواتب- بحسب حزوري- في دولة منهارة اقتصادياً، نتيجة السياسات التي اعتمدها النظام المخلوع ، ومع وجود حكومة لمرحلة انتقالية، من غير الواقعي الاعتماد فقط على الموارد التقليدية، وبالتالي فالحكومة الحالية تواجه تحدياً كبيراً في تأمين تمويل دائم وعادل.

ومن بين المصادر الممكنة يقول حزوري يجب أن تكون من خلال إعادة هيكلة النظام الضريبي، أي توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الجباية من القطاعات غير الرسمية (التي كانت خارج الرقابة) وفرض ضرائب عادلة على الثروات الكبرى والدخول العالية.
ومن المصادر الأخرى، بحسب حزوري، استثمار الموارد الوطنية من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية (نفط، غاز، زراعة) عبر شراكات استراتيجية شفافة مع جهات دولية، مع ضمان أن العائدات تصب في الخزينة العامة، إضافة إلى الدعم الدولي والمساعدات فمن المتوقع أن تحظى سوريا الجديدة بدعم دولي لإعادة الإعمار، يمكن توجيه جزء منه لتحسين الخدمات الأساسية والرواتب والأجور، وما المنحة السعودية القطرية المخصصة لدعم الرواتب والأجور إلا خير دليل على ذلك.
ويرى حزوري أن مكافحة الفساد المالي والإداري من الحلول الممكنة لتأمين التمويل لكون ذلك سيقلص الهدر المالي الناتج عن الفساد يمكن أن يوفر مليارات كانت تُهدر دون فائدة حقيقية، ناهيك عن إعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية، فدعم الصناعة والزراعة سيؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وبالتالي زيادة دخل الدولة من الضرائب والرسوم.

تحليل اقتصادي

حزوري أجرى تحليلاً اقتصادياً أعمق لتأثير الزيادات الشاملة في الرواتب على الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد سقوط النظام المخلوع، فزيادة الرواتب المتوقعة سيكون لها آثار كبيرة على الاقتصاد الكلي من خلال التأثير الايجابي المحتمل على التضخم، فإذا تم تمويل زيادة الرواتب من مصادر إنتاجية أو ضرائب عادلة أو دعم خارجي غير تضخمي، فإن الأثر التضخمي سيكون محدوداً، إضافة إلى أن تحسين القوة الشرائية للموظفين قد يؤدي إلى نمو في الطلب الكلي وتحريك السوق الداخلية.

أما الخطر المحتمل للزيادة فتكمن بحسب حزوري في حال تمويل الزيادة عبر طباعة العملة (تمويل بالعجز) دون غطاء إنتاجي أو احتياطي نقدي، ستؤدي الزيادة إلى تضخم سريع وربما مفرط لذلك فإن أي زيادة غير مدروسة في الإنفاق الحكومي دون توازن مع الإنتاج، تؤدي إلى اختلال بين العرض والطلب، مما يرفع الأسعار ويقضي على فائدة الزيادة.

وبالنسبة لتأثير الزيادة على الميزانية العامة للدولة، يرى حزوري، أن هناك تحديات فزيادة الرواتب تعني نفقات جارية ثابتة ومتنامية سنوياً (كل سنة ستكون هناك مطالب لزيادات إضافية بسبب التضخم)، فإذا كانت كتلة الرواتب تشكل مثلاً 50 بالمئة من موازنة الدولة، فإن أي زيادة كبيرة غير مصحوبة بإصلاح ضريبي أو اقتصادي ستؤدي إلى عجز مزمن.

حلول ممكنة

وعن الحلول الممكنة التي يراها أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب فيجب أن تكون من خلال إعادة هيكلة أولويات الإنفاق (خفض الإنفاق غير الإنتاجي) وتحسين الكفاءة الإدارية وتصفية الوظائف الوهمية، إضافة إلى دمج أو إلغاء المؤسسات غير الفعالة.

يذهب حزوري إلى تأثير زيادة الرواتب والأجور على الإنتاج والقطاع الخاص فزيادة دخل الموظفين قد ترفع الطلب على السلع والخدمات المحلية، مما يدفع المستثمرين المحليين والأجانب للدخول للسوق، لكن إذا لم تُرفق بخطط لتحفيز الاستثمار وتوفير بيئة قانونية مستقرة، قد تؤدي فقط إلى زيادة في الاستهلاك دون إنتاج، وهو أمر خطير.

وبالنسبة للتاثيرعلى سعر الصرف يقول حزوري إنه في حال زيادة الرواتب بشكل كبير دون دعم من موارد خارجية (احتياطي نقدي، صادرات، استثمارات أجنبية)، قد يزيد الطلب على الدولار أو العملات الصعبة، ما يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، لكن إذا تم دعم الإصلاحات بسياسة نقدية حكيمة ومساعدات دولية، يمكن السيطرة على تقلبات سعر الصرف.

ويذهب حزوري إلى أبعد من ذلك وهو جانب التأثير الاجتماعي والنفسي فرفع الرواتب يعزز الإحساس بالعدالة والكرامة، خصوصاً في بلد عانى في الماضي من التهميش والتمييز الطبقي والفساد وهذا يمكن أن يؤدي إلى تقوية الهوية الوطنية وإعادة بناء الثقة بالدولة كما يقلل من الفوارق بين القطاع العام والخاص، ما قد يعيد التوازن لسوق العمل.

آخر الأخبار
توحيد واجهات المحال التجارية في حمص ضمن حملة "حمص بلدنا " سياسةصدام داخلي متصاعد.. كيف يهدد اليمين المتطرف نتنياهو؟ التمصرُف..بين فجوة الثقة وغياب الشمول المالي نوار نجمة لـ"الثورة": اختيار أعضاء مجلس الشعب في تل أبيض ورأس العين الخميس المقبل قلعة يحمور.. رمز تاريخي وقلب الحاضنة المجتمعية في طرطوس دير الزور.. توترات أمنية وتذمر شعبي سوريا تأخذ مكانتها الدولية على قاعدة الاحترام وتوازن المصالح الموارد المائية بحمص تستعد للموسم المطري القادم التوغلات الإسرائيلية.. إبقاء المنطقة على صفيح ساخن بحضور محلي وعربي.."صناعة حلب" تطلق معرض "خان الحرير" الجمعة القادم كورنيش الإذاعة بحلب.. "كافيتيريات" تحتلّ الأرصفة وتبيع أملاك الدولة للمواطنين مازال هشّاً.. تراجع تدريجي في معدلات التضخم ومقترحات إنقاذية "الزراعة" تنظم موسم قطاف الزيتون على إيقاع المناخ دور شبكات الربط الكهربائي العربي في تعافي الطاقة الكهربائية وزير التعليم العالي: البيانات طاقة وطنية تبني مستقبل سوريا اجتماع تشاوري في طرطوس يناقش إعادة تفعيل المديرية العامة للموانئ دور تصحيح الرواتب والأجور في حساب تحسين الظروف المعيشية جمود عقاري في طرطوس.. واتجاه نحو الاستثمار في الذهب كملاذ آمن محافظ دمشق: العدالة أساس الدولة الجديدة والمرسوم 66 قيد المراجعة التشريعية اللجنة العليا للانتخابات تحدّد موعد الاقتراع في تل أبيض ورأس العين