الثورة – غصون سليمان:
يقولون..”لو خلت خربت..لسا الدنيا فيها خير” أقوال مأثورة لاتخلو من مداد العطاء، ولا كرم المبادرة. نعم مازال أهل الخير موجودين والإحساس بالآخر يسمو ويعمر داخل النفوس، وما صفة التكافل الاجتماعي إلا واحدة من أهم مزايا المجتمع السوري عبر عقود طويلة لطالما فعل الخير والمروءة يتجسد كل يوم بصور وأشكال مختلفة على امتداد الجغرافيا السورية.

بعدما رأينا حالات إنسانية تغوص في عمق الوجدان السوري وكيف تبرع العديد من رجال الأعمال السوريين في المغترب وداخل الوطن بأجهزة طبية للمشافي والمراكز الصحية من رنين مغناطيسي وطبقي محوري وغسيل كلى وغيرها في العديد من المحافظات، ولحظنا كيف تبرع آخرون بألواح الطاقة الشمسية لبعض الأفران الحكومية ومحطات المياه والمدارس والمساهمة في إعادة إعمارها وصيانتها. واليوم في إحدى القرى التابعة لريف محافظة حماة تبرع أحد الأشخاص بتوزيع مادة الخبز مجاناً على مدى ثلاثة أشهر مراعاة لظروف الناس وتخفيف العبء المادي عن كاهلهم، في ظروف اقتصادية ضاغطة أرهقت البلاد والعباد على السواء، ناهيك عن الدورات التعليمية المجانية لمختلف المراحل الدراسية، التي أعلن عنها الكثير من المعلمين والمعلمات، والمدرسين والمدرسات، من كل أطياف المجتمع السوري ولجميع الاختصاصات العلمية والأدبية، بهدف المساعدة في ردم الفجوة التعليمية وتقليص انعكاساتها السلبية على مستقبل الجيل الواعد، ومساعدة العائلات والأسر المحتاجة من مهجرين، ووافدين من مناطق سورية مختلفة.
مؤخراً ربما الغالبية منا سمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما جرى في أحد المحلات بحمص تاريخ 26/10/2025 الساعة العاشرة صباحاً، حيث قام شخصان بتقديم مبادرة مميزة، بعد أن سأل أحدهم صاحب المحل عن ثمن البالة الشتوية لغاية في نفسه وقرر أن يشتري البالة بقيمة 36 مليون ليرة ويقدمها مجانًا للأسر الفقيرة في المنطقة، بالتأكيد صاحب المحل رحب بالفكرة، شاكراً تلك الروح الجميلة النبيلة التي تشعر بالآخرين، ما يعكس روح التضامن الاجتماعي في زمن الصعوبات والتحديات.

شبكة أمان اجتماعي
المرشدة الاجتماعية ثناء جميل رأت في المبادرات التطوعية بالمجتمع السوري إحدى أبرز أشكال التكافل الاجتماعي، لطالما تجسد روح التعاون والمحبة والتضامن بين الأفراد، خاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد من حرب وتهجير وفقر. مؤكدة أن هذه المبادرات تساهم في بناء شبكة أمان اجتماعي بين الناس، وتعكس قيم التعاون والمساعدة المتبادلة التي ترتبط بشكل عميق بالثقافة السورية وموروثها القيمي. جميل نوهت إلى أهم الأعمال التي تجسدت فيها المبادرات التطوعية لحالة التكافل الاجتماعي في سوريا منها، مساعدة النازحين والمحتاجين، حيث لعبت دوراً مهماً في تقديم الدعم للملايين من هؤلاء داخلياً، سواء من خلال توفير الغذاء، والأدوية، أو حتى مأوى مؤقت. هذه المبادرات غالباً ما تكون بدافع من قبل المجتمع المحلي نفسه، مما يعكس التكافل بين الأفراد في مواجهة الأزمة. وبينت أنه في ظل نقص الخدمات الصحية بسبب ظروف الحرب المختلفة، كيف نشأت العديد من المبادرات التطوعية التي هدفت إلى تقديم الدواء والعلاج والرعاية الصحية للمحتاجين. مثل “الخوذ البيضاء” و”منظمات المجتمع المدني” التي قامت ومازالت تقوم بتقديم الدعم الطبي في المناطق المحاصرة سابقاً أو التي تعاني اليوم من نقص في المستشفيات والمرافق الصحية.
قادر على التكيّف

ولفتت في السياق ذاته إلى أهمية التعليم لشريحة الأطفال، خاصة بعد تدمير العديد من المدارس وغياب التعليم الرسمي في بعض المناطق، فساهمت تلك المبادرات التطوعية في تعليم الأطفال السوريين الذين فقدوا حقهم في التعليم بسبب الحرب إلى حد كبير في توفير بيئة تعليمية بديلة ساهمت في بناء جيل قادر على التكيّف والنهوض بمجتمعه في المستقبل. وحول دور المجتمعات المحلية في تعزيز قيم التكافل الاجتماعي اعتبرت المرشدة الاجتماعية وخاصة تلك المبادرات التطوعية التي اعتمدت جمع التبرعات من أفراد المجتمع سواء كانت مالية أو مواد غذائية أو ملابس وتوزيعها بطريقة عادلة بين المحتاجين، اعتبرت أنه كان لها الأثر الكبير في تعزيز التضامن الاجتماعي والتخفيف من تأثير الأزمة الاقتصادية على الناس. بدورها يسرا إبراهيم الناشطة في المجال الإنساني أكدت على دور الأنشطة الثقافية والفنية، والتي يساهم فيها المتطوعون في تعزيز روح الأمل والطموح في المجتمع. من خلال تنظيم العديد من الفعاليات سابقاً ولاحقاً التي تهدف إلى رفع المعنويات، مثل مسرحيات تطوعية هادفة من قلب الواقع، وورش عمل فنية ترتقي بالذوق العام، وحملات توعية على جميع المستويات، ما يعزز الروابط الاجتماعية ويحفز الناس على المشاركة الفعالة.
الباحثة إيمان سليمان، المهتمة في الشأن الاقتصادي، أثنت على المبادرات التطوعية التي تشجع على دعم المشاريع الصغيرة، التي تتيح للناس فرص العمل وتساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للأسر الفقيرة والمحتاجة. وبالتالي يمكن للمتطوعين المشاركة في جمع التبرعات لتمويل هذه المشاريع الصغيرة، أو تدريب الشباب على مهارات جديدة، لتأهيلهم لسوق العمل. لافتة أن المبادرات التطوعية في سوريا لا تقتصر على تقديم المساعدات المباشرة، بل تعكس صور التكافل الاجتماعي بصوره الإيجابية كونها تعمل على إعادة بناء الثقة بين أفراد المجتمع، وتعزز المروءة والنخوة لناحية مفهوم التعاون والتضامن في مواجهة المحن والتحديات.
لاشك أن المبادرات التطوعية التي أنقذت أرواحًا، وأعادت العديد من الخدمات لمناطق أحياء مختلفة، ودعمت حماية الأطفال والنساء، وقدّمت قنوات للتمويل الأهلي والمساعدات المادية داخل البلاد وخارجها، كانت وستبقى ركناً أساسياً في إعادة بناء المجتمع والنهوض ببناه التحتية، على أمل التعافي على جميع المستويات متلازمة مع بناء القدرات البشرية والتنمية والحماية القانونية، واعتماد سياسات تعيد توزيع الموارد بشكل عادل ما يريح نفوس أبناء المجتمع ويعزز قدرتهم على التحمّل والعطاء .