ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: عندما يطلق الغراب الإسرائيلي نعيقه، فعلى الجميع أن يتوقع الأسوأ، لأنه نذير شؤم على الدوام، وحين يحضر العامل الإسرائيلي في أي حدث
، فإن كل السيناريوهات توضع على الطاولة، فتعيد رغم حظوظها المتفاوتة تراتبية أولوياتها لتكون في الصدارة أسوأ الاحتمالات.
منذ اصطناع هذا الكيان في الأرض العربية ، كان مصدراً دائماً للعدوان.. وموضعاً للقلق، ومحركاً دائماً لنسف استقرار المنطقة، وحين يدس أنفه في أي شأن كان ،فإن هذا-في الحد الأدنى- مؤشرعلى النيات المبيتة لإشعال المنطقة.
في الحدث السوري الذي عملت دوائر وقوى وأطراف على تجاهل العامل الإسرائيلي وأصابعه المتورطة في الكثير من تفاصيله، يأخذهذا العامل بفرض حضوره السياسي رغم المحاولات المحمومة لإبعاده عن دائرة الشبهات، وبالتالي فإن إطلالة «الغراب» الإسرائيلي ليست بريئة، ولا هي خارج سياق النيات المعدة في تطورات الحدث.
فالتزامن في هذا الحديث مع إثارة أميركا لقضية الأسلحة السورية وادعاءات الخوف والخشية، ربما هي النقطة الأخطر التي تحتاج إلى توقف وتمعن، حين ترتبط بهذه الوقاحة التي أطلقها باراك والتي يريد أن يسوّق من خلالها التمهيد للسيناريو المعد ليكون شريكاً كاملاً في أي عدوان توقّع عليه الإدارة الأميركية، ولاسيما حين تحدثت مندوبتها عن العمل من خارج مجلس الأمن..!!
والتحذير الروسي لم يكن وليد فراغ، أو ردة فعل على تصريحات المندوبة الأميركية فقط، بل ينطوي على أبعاد واضحة وصريحة بأن الأمر يتعدى التصريحات، وهو تمهيد سياسي لفعل يتم التحضير له، بعد اللقاءات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية والأميركية، وحديث الرئيس أوباما عن أولوية الأمن الإسرائيلي.
في المعادلات الناشئة اليوم، يضيف هذا الحضور في العامل الإسرائيلي مزيدا من الوضوح على الخبايا التي تتكشف، فيما يميط اللثام عن الأجزاء المتبقية من سيناريو المخطط والبدائل التي يتم تحضيرها في محاولات تعويض الفشل.
ما يتم تسريبه اليوم من دوائر القرار الغربي أن المخطط تجاه سورية سياسياً واستخباراتياً وعبر الإرهابيين وصل مراحله النهائية، ولم يعد أمامه إلا الاعتراف بفشله في تحقيق إسقاط سورية عبر هذه الأدوات المتهالكة، حيث عجزت كل المداورات والمحاولات عن تحقيق ذلك… بدءاً من الكذب السياسي والإعلامي والتحريض والتجييش وصولاً إلى الإرهاب بكل أشكاله ونماذجه ومستوياته، مروراً بكل ما تم تجييره من أدوات ضغط وحصار وعقوبات وتهديد ووعيد.
وبالتالي فإن العودة إلى استحضار العامل الإسرائيلي والتلويح باستخدامه لا يندرج فقط في إطار الدعاية السياسية، ولا هو مجرد حضور رمزي مؤقت، بل يتضمن اشارات واضحة وصريحة إلى أنه قد يكون الخيار القادم على قاعدة الاستعانة بالحليف الاستراتيجي، ويتم الإعداد الجدي له على مستوى القرار المشترك الأميركي الإسرائيلي، ولم تعد حسابات البازار الانتخابي خارجه، بل ربما كانت في صلبه وأحد الأوراق التي يمكن أن تلجأ إليها إدارة أوباما لوقف نزيف رصيدها السياسي، ووضع حدّ لتآكل مصداقيتها في الداخل الأميركي بعد العجز عن تحقيق أغلب الوعود التي أطلقها الرئيس أوباما، ونكوصه في الإيفاء بتعهداته.
وكانت لغة التحريض التي استخدمها المرشح الجمهوري ميت رومني ضد سورية وحديثه عن تآكل الدور الأميركي نافذة جديدة تريد إدارة أوباما استغلالها في البازار الانتخابي ما دفع بباراك إلى اللعب بها علناً ورميها في حلبة الاشتعال السياسي كورقة ابتزاز للإدارة الأميركية وبلهجة تهديد واضحة..
في سورية منذ بداية الأحداث لم نستبعد العامل الإسرائيلي ولم نبرئ للحظة واحدة الأصابع الإسرائيلية التي كانت ومازالت المستفيد الأول مما يجري، ولم يكن غيابها عن مشهد التداعيات في البداية إلا دليل إدانة واضحة على دورها في تلك الأحداث، بدءاً من التحريض السياسي والتجييش الإعلامي، مروراً بدفع مشيخات الخليج وتركيا.. وانتهاء بتكتيكات العمليات الإرهابية التي شهدتها سورية، والتي تحمل في كثير من تفاصيلها بصمات إسرائيلية لا تخطئها عين، ولايتوه عنها مراقب أومتابع.
ندرك أن الـظهور الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة كان يحمل دلالات واضحة على إشارات دعم لما يجري، بل رسائل لرفع معنويات ثالوث التآمر كلما وصل إلى الحائط المسدود أو شعر بالاحباط واليأس أو أحسّ بالعجز، لكنه هذه المرة يبدو أنه تجاوز تلك الرسائل المعنوية إلى مرحلة التحضير المادي، وقد عرف عن الإسرائيليين مقامراتهم في الأوقات الخاطئة.. وعن أوهامهم في رسم ممرات الغدر..
وندرك أيضاً ان حساباتهم ومعادلاتهم ليست خارج تلك الدائرة المكتظة بالتعابير الملتوية.. لكن مرة أخرى وكما أن استهداف سورية لم يكن كما تخيلوه، وأن إرهابهم لم يجدِ.. فإن أيضاً تلويحهم بالعدوان لن يجدي.. فهذه سورية وأي مسّ بها لابد أن ترد الصاع صاعين.. فالزمن الإسرائيلي في نزهة المغامرات والمقامرات قد انتهى إلى غير رجعة.. وحذارِ من التمادي أبعد من ذلك.. لا تجربوا الغضب السوري أكثر.. رسالة إلى من يفكر بالعدوان وقبله وبعده إلى البعض العربي.. فقد «بلغ السيل الزبى».
a-k-67@maktoob.com