ثورة أون لاين _ بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : فيما الصمت يسود مشيخات الخليج تنفر مفردات الحرب من الخطاب الأردوغاني، وتستعجل التورمات والاستطالات الخلاص بحثاً عن مخرج، أو تلمساً لطوق نجاة من طوفان العودة إلى الأحجام الحقيقية!!
فالمقاربات التي تتحدث اليوم عن أصول الافتعال التركي للأزمات وجذوره وأبعاده تكثر، ومعها الاستنتاجات التي تحاكي في أغلب الأحيان افتراضات ناتجة بالأساس عن قراءات تعتمد في جوهرها على النيات، رغم الإدراك بأنها لا تكفي وحدها.
في السياسة التركية الحالية التي تعتمدها حكومة العدالة والتنمية لا يصعب الاستدلال من خلال نياتها المبيتة، ولا الحكم على اتجاهها عبر المسار الذي سلكته منذ بداية الأحداث في سورية وحتى اللحظة.. وتبدو المسألة أشد وضوحاً حين تتعلق بمعطيات السلوك التركي الأحمق في نبرته والمتهور في توجهاته.
فالواضح على مدى أشهر خلت أن حكومة أردوغان لم تكن صاحبة القرار النهائي في رسم سياستها، ولم تكن في أغلب الخيارات التي اعتمدتها تستند إلى جوهر المصالح التركية، بقدر ما كانت تنفذ أجندات مرتبطة بمصالح أخرى تعارضت في النهاية الى حدّ التناقض مع المطالب الشعبية التركية.
هذا الأمر لم يكن استنتاجاً، إنما تؤكده الوقائع ومواقف قوى وتيارات سياسية وشعبية رفعت صوتها إلى حدود فاجأت حكومة العدالة والتنمية، وأربكت دوائر القرار الغربي التي بدأت بمراجعة فعلية للكثير من المعادلات التي بنتها على دور هذه الحكومة.
المفارقة أن الكثير من المقاربات التي تغيب عنها هذه الاعتبارات تماحك في جدل عقيم، وتبني تحليلاتها على محاكمات تحاول أن تقرأ العناوين بشكل معكوس، فيما التفاصيل تبدو في وادٍ آخر مختلف لتمريرها دون أن تثير الريبة.
فالصراخ التركي والتهويل والمبالغة والوعود العلنية التي لم ينفّذ منها شيء، لم تكن هي الغاية، ولا تعكس فقط إفلاساً سياسياً وأخلاقياً، وإنما أيضاً كانت وسيلة للتغطية على دور حكومة أردوغان في خدمة ما هو مطلوب أميركياً وإسرائيلياً وبالحرف وإن أضافت في بعضها على النص.
والتناقض الظاهر بين تصريحات أردوغان التعبوية التي تحاكي أحلاماً بائدة وما يقدم عليه يماثل هلوسات وزير خارجيته ونظرياته الفاشلة ومعادلاته المقلوبة، وهذا لم يكن فقط نتيجة الفشل، وإنما يعود إلى الوظيفة المستحدثة من خلال دعم الإرهابيين وتنظيم المعسكرات والإشراف على التسليح وصولاً إلى الحماية السياسية والإعلامية.
اللافت أن تخبّط الدبلوماسية الأردوغانية في تحديد الهوامش كان السبب المباشر في كثير من الورطات السياسية حين توهم وأوهم معه حكومته أن دوره في الأزمة يمكن أن ينسحب على دوره أيضاً في المنطقة، وبدأت تتورم لديه الافتراضات إلى أن وصلت به الحالة إلى حدّ الإفراط في الوعود والتواريخ والمواقيت.. وبالتخبط نفسه يتراجع عنها لبعض الوقت أو يسحبها من التداول عندما تصله أصوات التأنيب الأميركي أو الزجر الغربي عموماً، ثم يعود ليلوك ما تبقى منها.
فعندما تحدث عن وقف استقبال اللاجئين كان التلميح الأميركي الصريح كافياً كي يهدأ الصراخ الأردوغاني، وعندما شطح الخيال به إلى طرح مناطق عازلة أو ممرات إنسانية، كان البرود الغربي والأميركي تحديداً يكفي لابتلاعها، خصوصاً حين بدت مستنقعاً يفضح العجز الغربي من جهة ويميط اللثام عن مراهقة سياسية من جهة ثانية.
اليوم انزلاق أردوغان في أوهامه وتورماته يعيد طرح المقاربات من زاوية أخرى، فرغم أن تلويحه بعصا الأطلسي ليست المرة الأولى، والاعتذار الأطلسي في كل مرّة كان سابقاً للتلويح التركي، فإنه ذهب في افتعال الأزمة الحدودية لاستخدامها إعلامياً واستنفار أدواته في الداخل، في محاولة صبيانية لجرّ الأطلسي وتالياً أميركا والغرب إلى المستنقع.
المفاجأة لم تكن في التملص الأطلسي من فخ أردوغان، إنما في النأي الغربي المتواتر والذي حمل رسائل مناقضة لحسابات أردوغان وبدت في أغلبها زاجرة بالمعنى الكلي.
الصفعة لأردوغان لم تأت من هنا فقط، إنما من القراءات الغربية المكثفة والمتزايدة عن استنفاد الأغراض الفعلية لوجود حكومة العدالة والتنمية والتلويح الغربي باحتراق أوراقها في تمهيد يعيدها إلى حجمها الطبيعي ومعها أخواتها المتورمات في مشيخات الخليج.
على هذه القاعدة كانت المقاربات التي تحدثت عن جذور افتعال الأزمات لدى حكومة العدالة والتنمية لا تضع في الاعتبارات هذه الحسابات، ومن ثمّ كان من الصعب على الكثير منها فهم تداعيات وأبعاد الأغراض والدوافع التي حكمت التصعيد التركي بهذه الطريقة وبذلك الأسلوب.
هذا على الأقل ما يمكن قراءته من لجم موازٍ جرى على خطوط متباعدة عن المسار التركي لكنها تتقاطع معها في الجوهر، حين أطبق الصمت على السعودية وقطر، فيما الحليف التركي يواجه مأزقه منفرداً، والصمت ليس حياداً أو نأياً بالنفس.. إنما تلمّس لما هو آتٍ فحين تبدأ مواسم العودة إلى الأحجام والأدوار فإن الظواهر تتلاشى والتورمات والاستطالات المرضية يتم بترها.. هذا هو حكم الزمن!!
a-k-67@maktoob.com